فى هذا الكتاب المهم «القاهرة.. مدينة عالمية», الذى صدر عن المركز القومى للترجمة قام مجموعة من العلماء والباحثين المتميزين فى علم الاجتماع, بالتضافر مع باحثين فى العديد من العلوم الأخرى المتخصصة, بوضع العاصمة العجوز «القاهرة « تحت «الميكروسكوب الإلكترونى» وفحصها بدقة بالغة وتشخيص الأمراض التى تعانيها، المزمنة منها والحديثة، وهم يضعون أيديهم على موطن الداء بمهارة ويتطرقون إلى العديد من الموضوعات ذات الأهمية البالغة. وفى الحقيقة لا يسعك بعد قراءته إلا أن تنبهر بالجهد المبذول، مع التشريح الدقيق لكل ظاهرة. ويقول يعقوب عبد الرحمن مترجم ومقدم الكتاب: «من العجب أن هذا الكتاب الذى خرج إلى النور فى عام 2005 قد تنبأ بالثورة التى اجتاحت مصر فى 25 يناير، بعد أن قام برصد الإرهاصات المؤدية إليها بدقة ومهارة, وقد شرعت فى ترجمة الكتاب وأنا أقلل من رؤية هؤلاء الباحثين لتأثير مظاهرات كفاية، وحركة 6 إبريل، وتظاهرات العمال من ضحايا إعادة هيكلة الاقتصاد والمطالبين بحقوقهم والحركات الأخرى المناهضة للنظام كإرهاصات لثورة عنيفة قادمة، والتى لم تكن تجد إلا آذاناً صماء من المسئولين، ويتحدث عنها الكتاب وبالتفصيل وفى أكثر من جزء من أجزائه، وقبل أن انتهى من ترجمة الكتاب، كان الغليان المكتوم يتصاعد يوماً بعد يوم، ولم تُدركه القيادة السياسية، كما تنبأ الكتاب أيضاً، وعن حق وللمرة الثانية، بأن الشباب هم الأغلبية الكاسحة التى ستقوم بإشعال فتيل الثورة.» تقدم الموسوعة استعراضا دقيقا للمجتمع المصرى وعناصره العرقية من خلال تشريح لمدينة القاهرة, والتى تعتبر بوتقة تضم كل أطياف الشعب المصرى وتفاعلات تلك الأطياف مع المدينة الضخمة ومحاولاتها الحثيثة للاحتفاظ بتراثها الخاص فى موطنها الأصلي. كما تضم الموسوعة تشريحا للمدينة ومبانيها وميادينها وأماكن الترفيه العامة فيها (والتى يُطلق عليها مصطلح «المكان الثالث» فى الثقافة الغربية الحديثة- باعتبار أن المنزل هو المكان الأول والعمل هو المكان الثاني) وهو ما ليس له وجود حقيقى فى حياة الأغلبية الساحقة من المصريين فيما عدا المقاهي، والشعبية منها بالذات. كما تعقد المقارنات بين أماكن الترفيه والمناطق الخضراء المتاحة للأحياء الراقية، وبين تلك العشوائيات التى تنتشر فى قلب المدينة وتفتقر إلى الأماكن العامة والخدمات الضرورية. ويبرز الكتاب فى معظم فصوله الدور الذى لعبته الأماكن العامة فى تفجير ثورة 25 يناير، والنظرة المريبة للدوائر الحكومية لاحتفالات الموالد، خشية استخدامها كمنابر سياسية والتضييق غير المعتاد على هذه الاحتفالات. وكذلك تتحدث الموسوعة عن المدن الجديدة التى تم تشييدها فى الصحراء ليتم نقل مركز ثقل المدينة من وسط القاهرة إلى أطراف الصحراء, والتى تضم فى معظمها مجتمعات سكنية ذات أسوار مغلقة تقتصر ملكيتها على الأثرياء, وعن طقوس الذهاب إلى السينما والمسرح وتطور نوعية مرتادى هذه الأماكن, وعن زيارة حديقة الحيوان والمقاهى الحديثة المنتشرة فى الأحياء الراقية والتى تختلف عن مقاهى الأحياء الشعبية، حيث يؤمها الشباب والفتيات، بينما تقتصر مقاهى الأحياء الشعبية على الرجال فقط. وهناك أيضاً وصف وتشريح دقيق للاحتفال بالموالد الكبرى مثل مولد سيدنا الحسين ومولد السيدة زينب، منذ بدء الإعداد لها وحتى الليلية الختامية مع تقديم دراسة وصفية لكل الأنماط البشرية المشاركة فيها وعمليات الكر والفر بين المشرفين على هذه الموالد والباعة الجائلين من جهة وأجهزة الأمن ومؤسسات الدولة المختلفة من جهة أخري. وهناك تحليلات دقيقة وصادقة لكل مظاهر الحياة فى العاصمة العجوز التى نعيش فيها ولا نعرفها. ويعتبر الكتاب من أهم الكتب التى صدرت عن مدينة القاهرة ويعتبر بحق موسوعة ضخمة تصف كل جوانب الحياة فى المدينة العملاقة بأسلوب شيق وترجمة رصينة. اقرأ عن القاهرة التى تعيش فيها ولا تعرفها!. الكتاب: القاهرة المؤلف: دايان سينجرمان وبول عمار ترجمة: يعقوب عبد الرحمن الناشر: المركز القومى للترجمة 2015