رغم أن طبعته الإنجليزية صدرت في العام 2005، إلا أنك عندما تقرأ ترجمته بالعربية التي صدرت هذه الأيام عن المركز القومي للترجمة، تشعر أنه كتب خصيصاً، من أجل أن يجيب بشكل علمي وإنساني عن: لماذا قامت ثورة 25 يناير 2011 ؟ ربما يكون هذا هو أسهل كتاب عن هذه المدينة المليئة بالأسرار والتقلبات، ظهر في السنوات الماضية.. الكتاب تحرير دايان سينجرمان وبول عمار وترجمة يعقوب عبدالرحمن، وقد ساهم فيه مجموعة من المؤلفين مصريين وأجانب من تخصصات مختلفة: إدبك دينيس باحث في الجغرافيا في المركز الوطني للبحوث العلمية بباريس وهو متخصص في دراسة المستوطنات السكانية غير الشرعية، إليزابيث أ. سميث عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية وهي صاحبة رسالة علمية ناقشتها في العام 2005 عن "روافد تيار الحضارة العنصر، العرق، والانتماء الوطني بين النوبيين في مصر"، أمنية الشاكري أستاذ مساعد التاريخ بجامعة كاليفورنيا ومهتمة بتشكيل الحداثة الوطنية للحقبة ما بعد الاستعمارية، أنا مادوف استاذة الجغرافيا في جامعة طوروس وسبق أن شاركت في تحرير كتاب »الأعياد ورحلات الحج في العالم العربي« و»لتسلية واللهو في المجتمعات الحضرية«. القائمة طويلة وتضم أكثر من عشرين متخصصاً، سبق أن قدموا دراسات مهمة عن هذه المدينة، ولهم دراية واسعة بها من بينهم مصريون متخصصون في الآثار. هذا الكتاب "المرجع" الذي يجب أن يقرأه المسئولون بدقة شديدة.. إذ يجمع بين صفحاته التي تصل إلي 975 صفحة، تشريحا دقيقاً للوضع المتدهور لهذه المدينة، التي رغم كل ما تعانيه مازال يوضع بعدها كلمة "العالمية".. بسبب وضعها المتميز، الذي يتعرض لتغريب متعمد علي مدي عقود متتالية. هذا الوضع الذي جعل محرري الكتاب يحرصان علي التأكيد علي أنه من العجب "أن هذا الكتاب الذي خرج إلي النور في عام 2005 قد تنبأ بالثورة التي اجتاحت أرجاء المعمورة في 25 يناير، بعد أن قام برصد الإرهاصات المؤدية إليها بدقة ومهارة، وقد شرعت في ترجمة الكتاب، وأنا أقلل من رؤية الباحثين لتأثير مظاهرات كفاية، وحركة 6 أبريل، وتظاهرات العمال من ضحايا إعادة هيكلة الاقتصاد والمطالبين بحقوقهم والحركات الأخري المناهضة للنظام كإرهاصات لثورة عنيفة قادمة، والتي لم تكن تجد إلا آذانا صماء من المسئولين، ويتحدث عنها الكتاب بالتفصيل وفي أكثر من جزء من أجزائه، وقبل أن أنتهي من ترجمة الكتاب، كان الغليان المكتوم يتصاعد يوماً بعد يوم، ولم تدرك القيادة السياسية، كما لم يدرك أحد من أولئك المسئولين الغارقين في فسادهم ( وملذاتهم، الدلالات المنذرة، حتي انفجرت كل أحياء القاهرة الكبري، والمدن المختلفة في المحافظات وبصفة خاصة في الإسماعيلية، والسويس، والمنصورة، في مصر بالثورة، حيث خرج ما يربو علي خمسة عشر مليونا من المتظاهرين وطوال ثمانية عشر يوما متصلة في مشهد ظل العالم بأسره يتابعه مشدوهاً حتي انتهت بالنهاية المحتومة.. كما تنبأ الكتاب أيضاً وعن حق وللمرة الثانية، بأن الشباب هم الأغلبية الكاسحة التي ستقوم باشعال فتيل الثورة". نحن لسنا أمام كتاب عادي، بل كتاب عن حياتنا وحياة الأجيال الماضية والقادمة.. كتاب يجب أن يقرأ جيداً.. بل أظن أننا أمام حدث كبير، لأنه يشرح هذه المدينة.. مركز السلطة والنفوذ، التي تعرضت لعبث يرصده هذا المؤلف، فمن بين فصوله بيان بما تم في قلب القاهرة التاريخية من ممارسات وصيانة مشكوك في جدواها، وتحصر كاتبة هذا الجزء كارولين ويليامز الأخطاء الفادحة التي وقعت في ترميم الآثار التاريخية لهذه المناطق باستخدام خامات غير مناسبة. ولعل من أهم فصول الكتاب ما قامت به بيترا كوبينجر برصد التحولات المكانية والممارسات اليومية الضاربة بجذورها في إحدي المناطق الشعبية والضرر البالغ الذي وقع علي قاطنيها من مختلف النواحي. في النهاية التحية واجبة لكل من ساهم في ظهور هذا الكتاب "الوثيقة" للنور.