سينجرمان تتساءل : لصالح من العاصمة الجديدة ؟ و هل للمواطن تقرير مصيره ؟ القاضى : الإعلام روج للعاصمة الجديدة دون وعى بخطورتها مترجم الكتاب : القاهرة "العاصمة العجوز" ..والمدن الجديدة وراء انهيار الاقتصاد الرفاعى يتحدث عن القاهرة الثالثة ..ويؤكد نحتاج مصر جديدة لا عاصمة إقصائية مدينة الألف مئذنة " قاهرة المعز " التى أصابها الشيخوخة ، وضعت تحت الميكرسكوب لتشريح الأمراض المزمنة التى تعانى منها ، من قبل عدد كبير من أهم الباحثين المصريين و الأوربيين فى العلوم الاجتماعية ، ليضعوا لنا موسوعة شاملة عن " القاهرة مدينة عالمية " ، و أسباب تراجع مكانتها على الساحة الدولية .. كما أثار علماء الاجتماع عدد من التساؤلات عن " العاصمة الجديدة " و مدى جدوتها ؟ ، و لمن ستكون ؟ . و فى حفل إطلاق الترجمة العربية من الكتاب الذى تنبأ بالثورة منذ عام 2006 " القاهرة مدينة عالمية..عن السياسة والثقافة والمجال العمرانى "- شرق أوسط جديد في ظل العولمة " ، بالمركز القومى للترجمة ، ناقش الكتاب د. دايان سينجرمان محررة الكتاب ، و أ.د. جليلة القاضي مدير أبحاث بمعهد الأبحاث من أجل التنمية الفرنسي ، وأ. يعقوب عبد الرحمن مترجم الكتاب ، و أدار الندوة الكاتب و الباحث الاجتماعى السيد ياسين . تحدثت محررة الكتاب دايان سينجرمان أن الكتاب كان يعد مشروع عالمى ، شارك به عدد ضخم من الباحثين فى العلوم الاجتماعية من داخل مصر و خارجها ، وضعوا القاهرة تحت الميكرسكوب اجتماعيا و سياسيا و نفسيا و اقتصاديا ، كما حيت المترجم على هذا المجهود ضخم و ترجمة المقالات عن الإنجليزية و الفرنسية . و أشارت سينجرمان أن الكتاب الذى نشر عام 2006 رصد الإرهاصات المؤدية لثورة 25 يناير ، بصعود حركات ككفاية و شايفنكم و 6 أبريل ، وتظاهرات العمال من ضحايا إعادة هيكلة الاقتصاد والمطالبين بحقوقهم والحركات الأخرى المناهضة للنظام و أعدها الباحثون إرهاصات لثورة عنيفة قادمة سيكون الشباب هم من يشعلون فتيلها . و لفتت إلى أن الجميع ظنوا حينها أنهم متفائلون لحديثهم عن ثورة قادمة ، و ولم تدرك القيادة السياسية كما لم يدرك أحد من المسئولين تلك الدلالات المنذرة التى انفجرت في كل أحياء القاهرة ومختلف المدن والمحافظات بالثورة التى جذبت أنظار العالم أجمع . " قاهرة من هذه ؟ " كان هذا السؤال الذى انتهى به الكتاب ، ليدق ناقوسا هاما بحسب سينجرمان ، لما تؤدى إليه اقتصاديات السوق الحر الذى تطبق فى مصر و تحرم المواطنين من حقهم فى تقرير مصيرهم ، لتثير مسألة العاصمة الجديدة التى وصفتها ب " الإقصائية " ، فهذا المشروع الذى تبنته الحكومة ، بدل من جعل تلك الفضاءات العامة الجديدة التى تعمر فى الصحراء متاحة للجميع ، تم تخصيصها و احتكارها لصالح طبقة بعينها ، بينما أغلقت فى وجوه الطبقات الأخرى . و أضافت سينجرمان أن من قبل الشروع فى بناء العاصمة الجديدة ، ارتفعت أسعار الأراضي بجنون ، لتثير تساؤل " قاهرة من هذه ؟ " و كيف تستخدم الموارد ؟ و من يقرر تلك التوسعات ؟ منتهية بتساؤلها أليس من حق المواطنين تقرير مصيرهم ؟ ثقافة الإقصاء من جانبها أكدت د. جليلة القاضى على أهمية الكتاب ، و ثرائه لاعتماده على مجموعة من الباحثين و ليس باحث واحد ، و تأريخ الكتاب لفترة هامة من تاريخ القاهرة ، راصدا التحولات فى أكبر عاصمة فى العالم العربى و أفريقيا ، و التى لم تعد صانعة قرار و مؤثرة على الساحة العالمية و الأقليمية كالسابق ، بينما أصبحت الدول البترولية تتبوأ مكانة سياسية و ذات تأثير على الساحة العربية و العالمية . و لخصت القاضى الأزمة التى استطاعت عين الباحثين الثاقبة أن تدركها و هى " العزلة و الإقصاء " الذى أشعل فتيلهما الثورة ، فكانت خطط التنمية و تعمير الصحراء كلها تذهب لحساب الأغنياء ، فيما تظل الطبقات الأخرى محروم من أثر التنمية . لتنشأ المراكز التجارية و المطاعم الفاخرة و المدن الكبيرة ، لتنشأ بذلك نمط استهلاكى بأسعار إقصائية ، تجعل كل تلك الخدمات محصورة فى فئة بعينها . و أضافت القاضى أن فكرة الإقصاء تتسع فى القاهرة ، من إقصاء الأنشطة الحرفية القديمة فى مقابل الأنشطة النمطية ، و إقصاء السكان الذى يعيشون حول المناطق الأثرية ، ليصل الإقصاء بعد ذلك للأماكن الأثرية نفسها لتتهدم لصالح العمران الجديد ، مشيرة أن القاهرة التاريخية أصبحت اليوم أقل تاريخية من السابق فلم تعد قاهرة الألف مئذنة بعد اختفائها وراء تلك المناطق الخرسانية القبيحة . و أشارت جليلة إلى الإقصاء الذى امتد لكافة الطبقات ، أدى لثورة 25 يناير ، فى لحظة فارقة لتجمع الطبقات المغلقة على نفسها و الطبقات المهمشة إجباريا فى ميادين الغضب . أما عن الحال بعد الثورة ، فلفتت جليلة أن التباين بين الطبقات و الإقصاء عاد من جديد ، و عندما طًُرحت فكرة العاصمة الجديدة كان أكثر من تحمس لها تلك الطبقات العليا الإقصائية ، لتصبح مدينة مغلقة أخرى ، روج لها الإعلام دون وعى . العاصمة العجوز قال المترجم د. يعقوب عبد الرحمن أن أهمية العمل تكمن فى مجهود المتخصيين الذين وضعوا " العاصمة العجوز " تحت المجهر ،و شخصوا أمراضها الكامنة ، بتشريح دقيق لكل ظاهرة تم تناولها فى تلك المدينة العملاقة مترامية الأطراف ، فى " قاهرة التناقضات " التى خلقت المجتمعات المغلقة و سببت انفصاما بين طبقات المجتمع ، مشيرا أن الاستثمارات الكبرى فى الصحراء و التى كرست لصالح طبقة بعينها أدت لانهيار الاقتصاد القومى ، و عدم التوزيع العادل لثمار الليبرالية و التضييق على الناس أشعل فتيل الثورة . القاهرة الثالثة أشار المعمارى راجح الرفاعى أن الإنسان يبنى المدينة ، و هى فى نفس الوقت تؤثر فى بناءه الإنسانى ، و أن ما لدينا ليست قاهرة واحدة بل ثلاثة ، المدينة التراثية ، ثم المدينة العالمية الخديوية التى حاولت جعل مصر قطعة من أوربا و ما ألحق بها من مدن جديدة كمدينة 6 أكتوبر و غيرها ، أما المدينة الثالثة فهى قاهرة العشوئيات التى تعد الأكثر ثقلا و ازدحاما سكانيا ، ليصبح لدينا انفصال بين مجتمعين مختلفين تماما فى كل شئ ، نتج عنه انفصام شديد بين شعب واحد . و أرجح المعمارى ما حدث لعدم إدراك التغيير التاريخى و الجغرافى الذى مرت و تمر به مصر ، مؤكدا أننا لا نحتاج عاصمة جديدة لن تحل مشكلة بل ستخلق مشكلة جديدة ، بل نحن فى حاجة لبناء مصر جديدة و نرمم مصر القديمة التى انتهت صلاحيتها و امتلئت بالشروخ الذى يهدد بنيانها .