تتصدر قضية التفاوض حول إعادة هيكلة الديون الخارجية المستحقة للجهات الدولية الدائنة قائمة الأولويات والمهام الرئيسية للحكومة اليونانية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس خاصة فى مرحلة ما بعد فوزه بفترة ثانية خلال الانتخابات البرلمانية المبكرة التى جرت الأحد الماضي. وفى هذا الشأن تحديدا، تقول أولفا جيروفاسيلى المتحدثة باسم الحكومة اليونانية الجديدة إن حكومة أثينا تعتزم خوض مفاوضات شاقة وعنيفة بشأن حجم الدين الكبير الذى يتحتم على البلاد سداده"، وذلك فى إشارة واضحة منها إلى اعتزام مطالبة حكومة بلادها الجديدة للجهات الدولية الدائنة بإعادة جدولة ديون اليونان الخارجية وشطب جزء منها. من جانبها، تؤكد مصادر مقربة من تسيبراس أن المفاوضات مع الدائنين الدوليين حول مسألة دين اليونان ستستمر خلال الفترة المقبلة لحين التوصل إلى حل بشأنها، خاصة وأن رئيس الوزراء يعتبرها أهم معاركه الشخصية والوطنية التى يعتزم خوضها حتى النهاية. وتهدف حكومة تسيبراس من وراء التطلع إلى إعادة هيكلة الدين الخارجى إلى تخفيف وطأة إجراءات التقشف المفروضة على الشعب اليونانى بكل ما تتضمنه من خفض فى الإنفاق والأجور ورفع للضرائب والأجور مقابل حزمة الإنقاذ الثالثة التى أقرها الدائنون الأوروبيون لليونانيين فى 14 يوليو الماضى والتى بلغت قيمتها نحو 86 مليار يورو. وتهدف هذه الخطة اليونانية أيضا إلى الحد من العجز فى الموازنة وتمكين أثينا من الوفاء بالتزاماتها المتمثلة فى دفع أقساط الدين وكلفة خدمتها"الفوائد" فى مواعيدها. ويكمن السبب الرئيسى فى تبنى رئيس الوزراء اليونانى ورئيس حزب "سيريزا" اليسارى البالغ من العمر 40 عاما لمطلب من هذا النوع فى إدراكه لحقيقة أن الشعب اليونانى الذى منحه الثقة مجددا من خلال التصويت لصالحه فى الانتخابات التشريعية الأخيرة يستحق أن ينعم كافة أنبائه بالتوازن المالى والاستقرار الاقتصادي. ويرى تسيبراس أن حكومته الجديدة لن تقوى على تحقيق هدف من هذا النوع بدون إعادة هيكلة الدين الخارجى وتخفيض جزء منه خاصة بعد أن وصل إجماليه إلى عتبة ال 240 مليار ويورو، وهو ما تسبب بدوره فى رفع معدلات البطالة فى البلاد إلى 15٪ والضرائب إلى 23٪، فى حين وصل إجمالى حجم الدين العام لليونان إلى ما يقدر نحو 300 مليار يورو، أى ما يساوى نحو 175 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد. وبنظرة تحليلية، فإن مطلب تسيبراس الخاص بإعادة هيكلة ديون بلاده يعد أمرا منطقيا لأن له ما يبرره ولأن الواقع الاقتصادى على الأرضى يدعمه، فاليونان، وإن كانت قد نجحت فى خفض العجز فى الموازنة من خلال تقليص الإنفاق العام باعتباره أحد البنود التى تضمنتها إجراءات التقشف، فإن تلك الإجراءات فى حد ذاتها حالت دون تحقيق أثينا معدلات النمو المطلوبة، لأنها بطبيعتها غير مشجعة على رفع سقف الإنتاج، واستمر بذلك حجم الدين كما هو دون تغيير، مما دفع تسيبراس إلى التفكير مليا بشأن حلحلته من خلال إعادة هيكلته. وتعتمد قضية إعادة هيكلة الدين اليونانى من عدمه على رد فعل الدائنين الدوليين، وبخاصة الأوروبيون منهم والذين لن يقبلوا فى أغلب الظن مطلبا يونانيا من هذا القبيل. ويرجع الرفض الأوروبى المتوقع بقوة لهذا المقترح اليونانى المقدم فى هذا الصدد إلى أن هناك دولا أوروبية أخرى كإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا حصلت على قروض بإجراءات مشابهة، ويعنى ذلك أنه إذا حصل تسيبراس على ما يريده فى هذا الشأن فإن الدول الثلاث الأخرى ستطالب حتما بالمعاملة بالمثل.وبنظرة اقتصادية أكثر من مثالية، فإن الديون التى ترمى اليونان إلى إعادة هيكلتها وإن كانت تعد صغيرة بمفردها، فإن إجمالى الديون الأخرى التى ستطالب الدول الأوروبية الثلاث آنفة الذكر بإعادة هيكلتها أسوة باليونان ستكون كبيرة جدا فى مجملها، لدرجة أن ألمانيا وفرنسا بوصفهما أكبر مقرضين بالاتحاد الأوروبى لن تتمكنا من توفيرهما كما أن بنوكهما لن تقدر على تحمل شطب أى جزء منها، لأن تلك العملية ربما تعرضها لاضطرابات مالية. ومن المؤكد أن هذه الحسابات وتلك الاعتبارات ستدفع المفاوضين الأوروبيين ليس فقط إلى رفض مطالب أثينا فى هذا الشأن، بل أيضا إلى الإصرار على عدم مناقشتها مع الجانب اليونانى من حيث المبدأ. ولا تعد فكرة إعادة هيكلة الدين اليونانى وليدة مرحلة ما بعد انتخاب تسيبراس لفترة ثانية، بل إنه دعا الدائنين الأوروبيين فى بداية فترته الأولى إلى تخفيض حجم الدين الخارجى المستحق لهم إلا أن طلبه قوبل بالرفض، وآل الأمر إلى قبول بلاده لحزمة الإنقاذ الثالثة دون أدنى تغيير لحجم الدين، فهل ستكرر الكرة أم أنه سينجح فى إقناعهم بمقترحاته هذا المرة؟