الفساد ظاهرة دولية تتباين مستوياته من دولة لأخرى ، وفقا لمنظمومة كل دولة فى مواجهته ، ومدى الارادة السياسية والتشريعات القانونية وأستقلال الاجهزة الرقابية فى التصدى للفساد. وقد واجه قانون العقوبات المصرى جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس بعقوبات رادعة للمرتشين، كما وضع عقوبات رادعة لجرائم النصب والابتزاز، وقد واجه المجتمع الدولى هذه الظاهرة الدولية بتشريع معاهدات متعددة لمكافحة الفساد بعضها معاهدات دولية مثل اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والتى وقّعت عليها مصر فى 9-12-2003 ، وبعضها معاهدات إقليمية مثل الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد ويقول المستشار الدكتور عبد الفتاح مراد الرئيس بمحكمة الاستئناف بالإسكندرية وأستاذ القانون الإدارى والدستورى إن الفساد ومحصلاته يشكل تهديداً للاستقرارالوطنى والدولي، وبالتالى فإن مكافحته لا يمكن أن يُكتب لها النجاح المنشود، إلا من خلال تضافر الجهود الوطنية والدولية، وتأسيساًعلى ذلك فقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 31 أكتوبر2003 اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. وقد دخلت تلك الاتفاقية حيز النفاذ فى 14 ديسمبر 2005، و هى تعتبر الاتفاقية الأشمل والأقوى فى مكافحة الفساد على المستوى الدولي. وقد صدقت على هذه الاتفاقية منذ صدورها وحتى اليوم180 دولة وتُشكل هذه الاتفاقية الأساس القانونى الدولى لتعزيز الجهود الرامية لمكافحة الفساد على المستويين الوطنى والدولى وذلك من خلال مكافحة الفساد فى القطاع العام والقطاع الخاص حيث تُلزم الاتفاقية الدول الأطراف فيها بتنفيذ مجموعة واسعة ومفصلة من إجراءات مكافحة الفساد والتى بدورها سوف تستوجب تعديلات جوهرية فى تشريعات وممارسات تلك الدول. التزام الدول بالاتفاقيات الدولية تعتنق غالبية الدساتير فى العالم مذهب أن القانون الدولى أعلى وأشمل من القانون الداخلى وبذلك تصبح الاتفاقيات الدولية قانوناً داخليا واجب التطبيق فى حالة تصديق تلك الدول عليها ولذلك فإن تلك الدول تكون ملزمة دستورياً بمراجعة وتغيير وتعديل قوانينها الداخلية لتتلاءم مع ما جاءت به بنود ونصوص الاتفاقيات الدولية، ويكون ذلك هو المعيار الأول لقياس مدى التزام الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد بتطبيق بنودها. ويعتبر الحديث عن مكافحة الفساد ليس شأناً داخلياً بين مواطنى الدولة أنفسهم فحسب وإنما يمتد ليكون شأناً دولياً ملزماً للدول الأطراف، التى تعمل معا بشكل مكمل ومساعد لجهود الحكومات والتى لها مصلحة حقيقية فى رؤية الفساد يُعالج محلياً كما على المستوى العالمي، وتأسيساً على ذلك فإن انفتاح الحكومات على المجتمع الدولى يعتبر المعيار الثانى لقياس مدى التزام الحكومات بتطبيق الاتفاقيات الدولية. أما المعيار الثالث فهو سعى تلك الدول لتوحيد مبادئ مكافحة الفساد على المستوى الدولى ليكون مؤشراً واضحاً لعمل كل حكومة من الحكومات الموقعة والملتزمة بمكافحة الفساد. كمايعتبر دور الدولة من الأدوار الدستورية الواجبة عليها وهو بناء دولة صالحة رشيدة تبتعد عن الفساد وعن مخالفة القوانين ويجب عليها تنفيذاً لذلك إطلاق يد الاجهزة الرقابية المختلفة للقيام بواجباتها الدستورية والقانونية كما حدث فى مصر وغيرها فى الأيام الماضية. و يجب على الدولة ضرورة مراجعة وتغيير وتعديل قوانينها الداخلية لتتلاءم مع ما جاءت به بنود ونصوص الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد حتى يكون لمثل هذه الاتفاقيات دور فاعل فى القضاء على الفساد ولا تكون مجرد حبر على ورق رهين أدراج المكاتب وأرفف المكتبات. المجتمع المدنى وآليات مكافحة الفساد ويلعب المجتمع المدنى دورا مهما فى الإبلاغ عن الفاسدين - كما حدث فى مصر أخيراً- وقيامه بتتبع قضايا الفساد وتعبئة الرأى العام حولها وإبلاغ الجهات الرقابية عنها ولقد أصبحت وسائل كشف وقائع الفساد سهلة وميسرة أمام المواطن العادى ويتم تسجيلها بالصوت والصورة– ويتم نشرها على أوسع نطاق من خلال مواقع التواصل الاجتماعى الشهيرة وباستخدام التكنولوجيا الحديثة المتمثلة فى أجهزة المحمول وكاميرات التصوير والفيديو وبذلك أصبح للمواطن العادى دور فاعل فى كشف قضايا الفساد والإبلاغ عنها، وكذلك تلعب منظمات المجتمع المدنى دوراً مهما من خلال تلقى الشكاوى من المواطنين وجمع التقارير عن قضايا الفساد وقدرتها على تملك ملفات تفضح الفاسدين ومخاطبة الجهات الحكومية وحشد الرأى العام ضد قضايا الفساد. ويمكن تعزيز دور منظمات المجتمع المدنى الحيوى إذا ما كان هناك مشاركة فاعلة بين هذه المنظمات وبين الحكومات غير أن الإرادة السياسية هى التى تحكم العلاقة والشراكة الحقيقية بين الأطراف المعنية فى مكافحة الفساد ومن أهمها منظمات المجتمع المدني، وضرورة تعزيز الشراكة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى فى مكافحة الفساد. ومراجعة ملفات بعض المنظمات الأهلية المنحرفة والتى تتخذ فى مكافحة الفساد سبيلاً للنصب والابتزاز ومشاركة الفاسدين فى الأموال الفاسدة التى يحصلون عليها وأيضا ضرورة الرقابة والشفافية والمحاسبة فى أجهزة الدولة والقطاع العام، من أجل إصلاح النظام السياسى والإسهام فى صياغة السياسات العامة وتحقيق سيادة القانون وإقامة الحكم الرشيد. وتقويةالعلاقة بين المنظمات الأهلية و السلطات التشريعية والتنفيذية فى الدولة والمتابعة القضائية لحالات الفساد، وتشكيل التحالفات لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة. و ضرورة مشاركة منظمات المجتمع المدنى الحكومة فى توفير المعلومات والمصادر القانونية التى تمكنها من القيام بدور فعال فى مراقبة التمويل السياسى للأحزاب أو للمرشحين للانتخابات للتأكد من التزامها بأعلى مستويات الشفافية. وضرورة مطالبة الحكومات بنشر المعلومات حول قضايا الفساد لمساهمتها فى نشر الوعى حول قضايا الفساد، ونشر ثقافة مقاومة الفساد لتمكينها من مقاومة الفساد بشكل فعلي..