في الأسابيع القليلة السابقة علي انعقاد مجلس الشعب المنتخب في23 يناير الماضي, أي قبل قرب تسليم المجلس العسكري للسلطة التشريعية لمجلس الشعب المنتخب, سارع المجلس العسكري بإصدار مراسيم بقانون, تختص بأمور غير ملحة لم يبد فيها أي داع للعجلة, بينما كانت أمور أشد أهمية تهمل لشهور طوال, ما يدل علي أهمية مطلقة, يوليها المجلس لهذه الأمور, ونية مبيتة لحسمها قبل أن تمتد إليها أياد أخري, ربما بغير ما يرضي المجلس العسكري. ويكشف النظر في هذه المراسيم عن أولويات المجلس العسكري قرب تخليه المعلن عن سلطة الحكم. وقد استعمل القانوني القدير وعضو مجلس الشعب عن حزب الوسط الأستاذ عصام سلطان تعبير افترة الريبةب لوصف تلك المدة. أو لعلها اافترة موطن الشبهةب, التي أمرنا بدرئها وصمم المجلس العسكري علي وطئها, لأغراض لابد بالغة الأهمية في منظوره. إذ تقيم تلك القرارات الشبهة في أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة لم يكن أبدا راغبا في ترك السلطة التي اكتسبها بعد الثورة الشعبية المجيدة بصورة مطلقة. أول المراسيم التي أصدر المجلس العسكري, الذي نتطرق إليه هنا هو تعديل علي قانون الاستثمار أصدره في3 يناير الماضي, أي قبل انعقاد مجلس الشعب بعشرين يوما, يتيح التصالح في جرائم الاستيلاء علي المال العام. وينص القانون, علي أنه يجوز التصالح مع االمستثمرينب في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات, ويشترط للتصالح أن يرد المستثمر الأموال أو المنقولات أو الأراضي أو العقارات محل الجريمة, أو ما يعادل قيمتها السوقية وقت ارتكاب الجريمة إذا استحال ردها العيني, علي أن يتم تحديد القيمة السوقية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل, وليس القضاء ما يفتح باب تدخل الحكومة في الموضوع. وفي حالة صدور حكم نهائي بإدانة المستثمر يشترط للتصالح, بالإضافة إلي ما سبق, إتمام وفائه بالعقوبات المالية المقضي بها. ويترتب علي إتمام التصالح انقضاء الدعوي الجنائية بالنسبة للشخص المعني, ومن ثم إعفاؤه من العقوبة المستحقة علي الجرم المرتكب. وتنص المادة الثانية من التعديل علي أن يلغي كل حكم يخالف أحكام هذا القانون. جلي أن الغرض من هذا المرسوم بقانون هو إيجاد مخرج قانوني يكفل لمجرمي النظام الساقط مفسدي البلد وناهبي الشعب والذين يبيعون أملاكهم الآن حتي وهم في السجن لأجانب عن طريق بورصة نظام الحكم التسلطي, تحت ستار كونهم امستثمرينب, الإفلات من العقاب علي ما اقترفوا من إفساد ونهب, دأبت السلطة الانتقالية, المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحكوماته, علي حمايتهم من العقاب عليه. والمشين أكثر أن القانون يحابي هؤلاء الأنذال ماليا علي حساب البلد والشعب حيث يعفي هؤلاء المجرمين من رد الأرباح التي جنوا من وراء نهبهم منذ وقت ارتكاب الجريمة, وما كان لهم أن يجنوها بغير الأصول التي نهبوا زورا. ولذلك لم يكن غريبا أن رحبت بهذا القانون الدوائر المحيطة بهؤلاء الأنذال والمحامون السوء الذين يدافعون عنهم. كما تضمنت المراسيم المستعجلة أيضا قانون الأزهر وقانون تعمير سيناء. والمغزي هنا هو حرص الحكم التسلطي علي التحكم في المؤسسة الدينية الرسمية بما لا يقيم منها قطبا روحيا مناوئا للسلطة التنفيذية إن طغت, وضبط وتيرة تعمير سيناء بما لايغضب العدو الإسرائيلي الذي ترتبط معه السلطة بمعاهدة سلام مهينة, ولكن تحرص عليها حرصا شديدا. غير أن الأشد إثارة للشبهات هو إصدار مراسيم بقانون بعد انعقاد مجلس الشعب المنتخب ونشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ سابق, بشكل يؤكد الريب في أن تجاوزا ما يجري العمل علي إخفائه. فقد نشرت الجريدة الرسمية, بتاريخ19 يناير, قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار المرسوم بقانون رقم12 لسنة2012, بتعديل بعض أحكام القانون رقم174 لسنة2005, بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية, قبل مناقشته في مجلس الشعب, الذي عقد أولي جلساته بعد تاريخ النشر بأربعة أيام فقط, وتجنب عرضه حتي علي مجلسه الاستشاري. ويتضمن هذا المرسوم المادة28 سيئة السمعة التي تناقض جميع المبادئ القانونية والقضائية المستقرة وتحصن قرارات اللجنة القضائية التي شكلها المجلس العسكري للإشراف علي الانتخابات الرئاسية من الطعن عليها بأي شكل من الأشكال. ويلاحظ أن المادة28 هذه منقولة من المادة76 من دستور1971 وكان المقصود منها ألا يطعن أحد علي نتائج الانتخابات المقررة سلفا في عهد الطاغية المخلوع. ولا خلاف في إن تحصين قرارات اللجنة من الطعن يتنافي مع كونها لجنة إدارية خاضعة للسلطة التنفيذية, اي المجلس العسكري والحكومة كليهما, ويناقض مبدأ الحق في التقاضي, وهو مبدأ أصيل في الدستور, أي دستور سليم. ومن العجيب أن أفتي السيد رئيس المحكمة الدستورية, المعين من قبل الطاغية المخلوع, بأنه لا يجوز الطعن علي المادة28 مناط الشبهة هذه. ووجه العجب هو أن السيد ذلك هو أيضا رئيس اللجنة القضائية التي عينها المجلس العسكري للإشراف علي الانتخابات الرئاسية. ويعني هذا أنه صاحب مصلحة في هذه الفتوي, وكان يتوجب عليه وفق أصول القضاء النزيه أن يترفع عن الحكم في هذا الموضوع. ويزداد العجب عند معرفة أن القاضي الكبير المتورط في فضيحة تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني, عضو في اللجنة ذاتها, كما كان رئيس لجنة الإشراف علي الانتخابات التشريعية, وغض الطرف عن جميع التجاوزات التي جرت فيها, ما يهدد بإبطال عضوية أكثر من خمسين عضوا ممن أعلن نجاحهم, ناهيك عن الطعن المنظور حول دستورية المرسوم بقانون لانتخابات مجلس الشعب. وتبع ذلك الحكم القرار بعدم الاعتداد بنتائج الفرز في اللجان الفرعية للانتخابات ذاتها وألا يعتد إلا بالنتيجة الصادرة عن اللجنة القضائية للانتخابات الرئاسية. ولعل لنا في فضيحة تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي, وما شابها من عبث السلطة التنفيذية السافر بالقضاء, عبرة! كما يتضمن قانون انتخابات الرئاسة مادة معيبة أخري هي المادة33 التي تسمح للناخب بالإدلاء بصوته في أي لجنة انتخابية خارج محل إقامته, وهو ما قد يفتح الباب للتزوير إذا ما رتب أحد المرشحين تنقل ناخبين له للتصويت في لجنة بعد أخري. وقد بدأت الشواهد تتوالي علي لجوء بعض المرشحين لأساليب ملتوية, بما في ذلك الرشوة, للحصول علي حصة التوكيلات المطلوبة. كل هذه الشواهد توحي بإمكان التلاعب في نتائج انتخابات الرئاسة. وجدير بنواب الشعب إعمال سلطتهم التشريعية والرقابية في معالجة أضرار هذه المراسيم بقوانين حرصا علي اكتمال الثورة الشعبية العظيمة, وضمان نيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. وإلا فسيحكم مجلسا البرلمان المصري علي أنفسهم بعدم تمثيل مصالح الشعب أو حماية الثورة, ناهيك عن تهاونهم في أداء المهمة التي أوكلها لهم الشعب في التشريع والرقابة علي السلطة التنفيذية, شاملة المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحكومته, حرصا علي منافع سياسية قصيرة الأجل وضيقة الأفق. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى