يبدو أن قانون الانتخابات الرئاسية سيكون البطل في أولي حلقات مسلسل المواجهات المرتقبة بين مجلس الشعب (ممثل السلطة التشريعية)، وبين المجلس العسكري (ممثل السلطة التنفيذية)، بعد أن أثار قرار المجلس العسكري بصدور مرسوم قانون الانتخابات الرئاسية، دون علم مجلس الشعب، موجة من الغضب العارم بين نواب المجلس، مما دفع ممثلي السلطة التشريعية إلي إحالة القانون للمناقشة تحت قبة البرلمان، بعد اعتراض النواب عليه، وهو ما جعل مصير القانون مجهولاً، رغم إصدار المجلس الأعلي للقوات المسلحة مرسوماً به، ونشره في جريدة (الوقائع المصرية) بتاريخ 19 يناير 2012 دون عرضه علي مجلس الشعب الذي بدأ أولي جلساته يوم الثالث والعشرين من يناير 2012، واعتبر البعض صدور القانون قبل أيام قليلة من بدء جلسات مجلس الشعب تخطياً لحق المجلس وتجاوزاً في حقه التشريعي. ويشترط القانون أن يحصل المرشح لرئاسة الجمهورية علي تأييد ثلاثين عضواً علي الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري، أو أن يحصل علي تأييد ما لا يقل عن ثلاثين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة علي الأقل، وألا يقل عدد المؤيدين له في أي من تلك المحافظات عن ألف مؤيد. وقبل الخوض في تفاصيل الصراع الدائر بين المجلسين (الشعب والعسكري) حول إصدار القانون، تجدر بنا الإشارة إلي أن القانون الجديد يشوبه العديد من الأخطاء الدستورية والقانونية، ومنها تعارض بعض بنود القانون 174 لسنة 2005 الخاص بتنظيم الانتخابات الرئاسية - والتي لم يتم النظر إليها ضمن مرسوم المجلس العسكري الخاص بتعديل قانون الانتخابات الرئاسية - مع المادة 26 من القانون والتي تنص علي مراقبة مصادر إنفاق مرشحي الرئاسة من قبل اللجنة العليا للأحزاب قبل ثلاثة أشهر من إجراء الاقتراع مع ما أعلنه المجلس العسكري من فتح باب الترشح في 12 إبريل وإجراء الانتخابات الرئاسية قبل 30 يونيو القادم، فحسب القانون الذي أصدره الرئيس المخلوع مبارك في عام 2005 بشأن تنظيم عملية الانتخابات الرئاسية تبدأ اللجنة العليا للانتخابات مراقبة مصادر إنفاق مرشحي الرئاسة علي حملاتهم الدعائية قبل بدء الاقتراع بثلاثة أشهر كاملين في حين حدد المجلس العسكري فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في تاريخ 12 إبريل 2012 ووعد بتسليم الحكم في 30 يونيو من نفس العام مما يعني أن الفترة بين فتح باب الاقتراع وإجراء انتخابات رئاسية أقل من ثلاثة أشهر وهي المدة التي حددها القانون. وحدد نفس القانون في مادته رقم 24 حجم الإنفاق المسموح لمرشحي الرئاسة، بما لا يتجاوز 10 ملايين جنيه للمرشح الواحد و2 مليون جنيه في حالة الإعادة، كما سمح في مادته رقم 26 لكل مرشح بأن يتلقي تبرعات نقدية أو عينية من الأشخاص الطبيعيين من المصريين ومن الحزب الذي رشحه بشرط ألا يتجاوز التبرع من أي شخص طبيعي 2٪ من الحد الأقصي للإنفاق في الحملة الانتخابية بواقع 200 ألف جنيه. كما تلزم المادة ذاتها المرشح بفتح حساب بالعملة المحلية في أحد البنوك التي تحددها لجنة الانتخابات الرئاسية يودع فيه ما يتلقاه من التبرعات النقدية، وما يحصل عليه من الدولة من مساعدة مالية، وما يخصصه من أمواله، وعلي المرشح إبلاغ اللجنة أولاً بأول بما يتم إيداعه في الحساب ومصدره وأوجه إنفاقه منه، وذلك خلال المواعيد وبالإجراءات التي تحددها ولا يجوز الإنفاق علي الحملة الدعائية من خارج هذا الحساب وتتولي اللجنة توزيع الرصيد المتبقي في ذلك الحساب علي من ساهموا فيه بنسب مساهمتهم، وفقا للإجراءات التي تحددها اللجنة، وتلتزم الأحزاب بإخطار لجنة شئون الأحزاب السياسية بما تتلقاه من تبرعات يجاوز كل منها ألفي جنيه خلال الثلاثة الشهور السابقة علي التاريخ المحدد للاقتراع، ويكون الإخطار خلال الخمسة الأيام التالية لتلقي التبرع. أيضاً، القانون يمنح لجنة الانتخابات الرئاسية حصانة لا مثيل لها في العالم، وحظر أي طعن قضائي علي قراراتها، والخلط بين دورها الإداري وتشكيلها القضائي وإعطاؤها وحدها حق الفصل في اختصاصها، وهو ما يجعل القانون ينطوي قبل تعديله علي عوار خطير قد يجعل سلامة الانتخابات الرئاسية موضع شك إذا رفض أحد المرشحين أو بعضهم نتائجها، وهو العوار المحصن بالمادة 28 في الإعلان الدستوري الحالي، وما هذه المادة إلا جزء من المادة 76 السيئة السمعة في دستور 1971. غضب برلماني فجر إصدار المجلس العسكري للقانون موجة من الغضب العارم بين نواب مجلس الشعب، واعترض عدد كبير من أعضاء المجلس، وفي مقدمتهم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، علي إعادة عرض قانون انتخابات الرئاسة، الذي أصدره المجلس العسكري، علي مجلس الشعب لمناقشته من جديد وإقراره انطلاقاً من ممارسة المجلس لدوره التشريعي، وانتقد نواب الشعب المجلس العسكري بسبب تجاوزه لصلاحياته عبر إقرار قانون انتخابات الرئاسة الذي نشر في الجريدة الرسمية في 19 يناير الماضي قبل أيام من انعقاد مجلس الشعب، وأعلن محمد البلتاجي عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة أن خطوة المجلس بإصدار قانون الانتخابات الرئاسية غير مبررة، وأن البرلمان عليه أن يراجع القانون مجدداً. كان النائب حاتم عزام ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الحضارة، نائب رئيس الحزب قد تقدم ببيان عاجل للدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب، يرفض فيه تغول السلطة التنفيذية الممثلة في المجلس العسكري علي السلطة التشريعية المنتخبة الممثلة في مجلس الشعب، عبر إصدار قوانين دون موافقة البرلمان، وقال عزام إن إصدار المجلس العسكري لمثل هذه القوانين الهامة يعتبر استباقاً لرأي المجلس، ومخالفاً لكل الأعراف الديمقراطية. ويري عزام أن الخطورة تكمن في أن الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة يحصن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن علي نتائجها، ويؤكد عزام أن المجلس العسكري أجري رقابة دستورية سابقة علي القانون قبل إصداره، وذلك بأخذ رأي المحكمة الدستورية بنصوصه، وهذا يخالف العرف الدستوري في مصر والذي يقضي بأن الرقابة الدستورية تكون لاحقة لإصدار القوانين وليس سابقاً عليها، بل ونص علي هذا صراحة في الإعلان الدستوري محاولة منه لسد الباب علي الطعن بعدم دستورية قانون الترشح للرئاسة المصدر. وأشار عزام إلي أن مصر بهذا الشكل أمام نفس أسلوب نظام مبارك المخلوع في تفصيل القوانين علي مقاس مرشحين بعينهم، والذي يؤكد أن هناك مرشحاً للرئاسة بعينه يحاول أن يدعمه المجلس العسكري، بل ويفتح الباب للتدخل ولتحقيق أغراض بعينها، وقد يكون ذلك للتحكم في عملية الانتخابات. كما أكد الدكتور مصطفي النجار عضو مجلس الشعب وكيل مؤسسي حزب العدل، أن كافة القوانين التي أصدرها المجلس الأعلي للقوات المسلحة يجب أن ينظر فيها البرلمان المنتخب، مشيراً إلي أن جميع القوانين التي أصدرها المجلس العسكري منذ تنحي الرئيس المخلوع يجب أن تخضع للمراجعة والتعديل من قبل البرلمان المنتخب، موضحاً أن قانون انتخابات الرئاسة الذي صدر يوم 19 يناير الماضي لن يكون سارياً قبل أن يتم عرضه علي مجلس الشعب وإقراره من قبل الأعضاء. فيما دعا النائب د. حسين إبراهيم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، إلي قيام اللجنة الدستورية والتشريعية بعقد اجتماع عاجل لكي يمارس النواب حقهم في تعديل القوانين واقتراحها، ولكي يتمكنوا من تعديل قانون الانتخابات الرئاسية الذي صدر يوم 19 يناير وقبل انعقاد جلسة مجلس الشعب يوم 23 يناير. فيما أكد النائب المستقل عمرو حمزاوي، أن صدور مرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2012 والخاص بانتخاب رئيس الجمهورية يخالف الأعراف الديمقراطية، ودعا حمزاوي للنظر في إعادة تحديد توقيتات الانتخابات الرئاسية بحيث ينتهي الدور الذي يمارسه المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وكان حمزاوي قد تقدم إلي رئيس المجلس بمشروع قانون يتعلق بتحديد موعد للبدء في إجراءات الانتخابات الرئاسية، ويستهدف الإسراع بنقل اختصاصات رئيس الجمهورية إلي رئيس منتخب عبر تبكير توقيت الانتخابات عن تلك المقترحات من قبل المجلس العسكري دون الإخلال بالضوابط المنصوص عليها في الإعلان الدستوري، علي أن تبدأ إجراءات انتخابات رئيس الجمهورية في أول مارس 2012 وتجري الانتخابات في 15 أبريل، وتتولي لجنة الانتخابات الرئاسية الاختصاص دون غيرها بالإشراف علي انتخابات رئاسة الجمهورية بداية من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتي إعلان نتيجة الانتخابات. قانون باطل اعتبر الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب السابق أستاذ العلوم السياسية، أن قيام المجلس العسكري بإصدار مرسوم قانون الانتخابات الرئاسية، يعكس رؤية المجلس العسكري تجاه مجلس الشعب، الذي تحول إلي مجرد ديكور، مؤكداً أن صدور قوانين مثل الأزهر، وتنمية سيناء، وقانون الانتخابات الرئاسية، وإلغاء حالة الطوارئ قوانين باطلة، لأنها خرجت دون علم مجلس الشعب. الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري أكد أن المجلس العسكري سقط في خطيئتين دستوريتين عندما أصدر تعديلاته علي قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، وأن المرسوم الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 174 لسنة 2005 والمعروف باسم قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، يؤكد أن نظام مبارك لم يسقط فمازالت البلاد تدار بنفس أفكار وأسلوب مبارك، مشيراً إلي أن هذا الحال سيدفع بمصر إلي أحد سيناريوهين لا ثالث لهما وهو إما انفجار ثورة ثانية أو حدوث انقلاب عسكري يصحح ما وقع فيه المجلس العسكري من أخطاء. فيما أكد أحمد خيري عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار، أن مضمون قانون الانتخابات الرئاسية لم يختلف عما صدر في الإعلان الدستوري، فيما يتعلق بآليات الترشح وكيفيته، والشق الخاص بعمل اللجنة العليا للانتخابات، برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا، ووصف خيري إصدار القانون دون علم البرلمان، بأنه مراوغة سياسية من جانب المجلس العسكري، علي الرغم من إعلانه لنقل السلطات التشريعية لمجلس الشعب فور انعقاد الجلسة الأولي له. وأوضح عبد الغفار شكر القيادي اليساري، أن لمجلس الشعب الحق في تعديل القانون أو اعتماده، لأن الدستور ينص علي أن لرئيس الجمهورية الحق في إصدار مراسيم القوانين، في حالة عدم وجود برلمان منتخب، ولكن حالياً فإن مجلس الشعب له الحق في التعديل عليها، مشيراً إلي أن القانون يحظي بقبول بين القوي السياسية، والاعتراض فقط علي لجنة الإشراف علي الانتخابات وتحصينها من الطعون علي قراراتها، وهو ما يمكن تعديله تحت قبة البرلمان. غير دستوري أما الدكتور جابر جاد نصار أستاذ القانون العام، فيري أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس من حقه أن يصدر قانون انتخابات الرئاسة، ولا أية قوانين أخري بعد انتخاب مجلس الشعب، مؤكداً أن المرسوم بالقانون الذي أصدره المجلس منذ أيام باطل وغير دستوري، لأنه ليس هناك أي ضرورة يمكن أن تبرر للمجلس العسكري أن يصدر هذا القانون أو غيره، مضيفاً أن المجلس العسكري كان يجب عليه أن يترك الأمر لمجلس الشعب، وشدد نصار علي أنه يجب أن يتصدي مجلس الشعب لهذا القانون ويبطله، ويقوم بإصدار قانون آخر يضمن نزاهة الانتخابات. بينما يقول الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري، إن مجلس الشعب، بدءاً من يوم 21 يناير 2012 وهو يوم إعلان نتيجة الانتخابات، أصبح وحده المسئول عن سلطتي التشريع والرقابة علي أعمال الحكومة، ولم يكن جائزاً للمجلس العسكري إصدار مراسيم بقانون في الفترة السابقة علي هذا التاريخ، لأن المراسيم بقانون لا يجوز اللجوء إليها إلا في حالات الضرورة الملحة، وعلي أساس أنها سوف تعرض علي البرلمان في أول جلسة لانعقاده، وحيث إن مرسوم قانون انتخابات الرئاسة صدر قبل يومين فقط من إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب، فإن الأمر لم يكن مستساغاً، فضلاً عن عدم وجود ضرورة ملحة ليلجأ المجلس العسكري إلي إصداره، وأوضح أن قانون انتخابات رئاسة الجمهورية الذي أصدره المجلس العسكري يحوي نصوصاً يمكن الطعن عليها لعدم الدستورية، لكونها مخلة بمبدأ المساواة بين المواطنين، حينما يميز المرشح الذي ينتمي لحزب له مقعد في مجلسي الشعب والشوري عن غيره. من ناحيته أكد الدكتور عمرو هاشم ربيع رئيس وحدة الدراسات بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أن هناك فجوة بين ما نص عليه القانون الذي صدر 2005 وبين تصريحات المجلس العسكري بفتح باب الاقتراع وإجراء الانتخابات الرئاسية التي ستنتهي قبل 30 يونيو وما يجعل عملية الإشراف علي الانتخابات وبالتحديد علي أموال مرشحي الرئاسة لا تتجاوز 3 شهور، كما نص القانون وهو ما يشرف عليه الجهاز المركزي للمحاسبات بالتعاون مع اللجنة العليا لشئون الأحزاب، مشيراً إلي أن دخول كيانات اقتصادية أو شركات كبري أو مؤسسات لدعم حملات مرشحي الرئاسة مرفوض قانونًاً في حين سمح القانون بدعم الأفراد المصريين عن طريق التبرع للمرشحين ما لا يجاوز مجموع التبرعات الحد الأقصي لإنفاق الحملة.