نصفها بنهر العطاء لما تبذله من مجهود ومشقة في تربية أولادها ولا تنتظر المقابل.. فما بالنا لو كان هذا الابن طفلا ذا إعاقة! انهن أمهات صامدات لا يقف عطاؤهن عند حد, ومطلوب منهن اجتياز العديد من الصعاب لأداء مهمتهن. . صعاب نفسية واجتماعية ومالية لا يشعر بها إلا كل من رزقت بطفل ذي اعاقة. وهنا يتبادر إلي الأذهان تساؤلات عدة.. هل هذا الطفل من ذوي الإعاقة مسئولية الأم وحدها أم الأسرة أم المجتمع ككل؟ أسئلة كثيرة يمكن أن نجد اجاباتها في حكايات الأمهات الصامدات أمام أبناء تختلف نوعية اعاقتهم ودرجتها, فمنهم من تركت عملها وكرست حياتها لخدمة ابنها حتي يتغلب علي اعاقته ويتفوق في مجال من مجالات الحياة, ومنهن من وجهت بوصلة اهتماماتها لاجراء الدراسات العلمية حتي وصلت إلي الدكتوراه في التربية الخاصة لتصبح أما ومعلمة وطبيبة لأبنائها وأبناء الغير. نادية عبدالرازق من الإسكندرية والدة رؤوف محمد(20 عاما) له اعاقة( توحد) تروي: اكتشفت اعاقة رؤوف كما تقول وهو في الثالثة من عمره وكان شكله طبيعيا جدا ولكنه تأخر في الكلام والحركة مما زاد قلقي عليه فهو لم ينطق سوي ثلاث كلمات( بابا ماما قطر) ثم فقد بعد ذلك النطق حتي وقتنا هذا.. ذهبت به إلي طبيب الأطفال فقال أنت المريضة وليس هو!! ولم يكتشف اعاقته.. ظنت أنه أصم وتعاملت معه علي هذا الأساس وبدأت أبحث عن مدرسة للصم, ولكن بمحض الصدفة رأته هالة محفوظ وهي مترجمة الاشارة بالتليفزيون بأحد النوادي فقالت أنها تشك في أن رؤوف لديه اعاقة ذهنية ونصحتني باستشارة طبيب آخر ومحاولة إلحاقه بمدرسة بالإسكندرية وأعطتني اسمها بدأت في التحرك في كل الاتجاهات خوفا علي مستقبله وجهتني المدرسة إلي أحد مراكز ذوي الاعاقة لتشخيص الحالة واجراء اختبارات وقياسات الذكاء.. وتأكدت أنه يعاني من مرض اسمه التوحد.. لم أيأس فبحثت عن مدرسة أخري يقوم بالتدريس فيها مجموعة من الخبراء الأجانب في مجال الاعاقة وتحسنت حالته بالتدريب والتأهيل وظل بالمدرسة لمدة14 سنة تعلم فيها الكثير بمساعدتي ومساعدة هؤلاء الخبراء. وتابعت.. تفرعت تماما لرعاية ابني وحصلت علي إجازة(12 سنة) من وظيفتي كمدرسة للغة الفرنسية.. بدأت أحضر دورات تدريبية عن كيفية التعامل مع اعاقة التوحد.. وخلال تعاملي مع رؤوف لاحظت حبه الشديد للالعاب الالكترونية خاصة التي تعمل بالريموت كنترول.. وعشقه الشديد لسماع القرآن الكريم فهو لا ينام إلا وهو يسمع القرآن واضعا كتاب الله علي صدره.. من هنا بدأت في تدريبه علي حفظ القرآن من خلال الكمبيوتر حتي حفظ القرآن كاملا وتضيف نادية.. لا أستطيع أن أنكر دور والده في مساعدتي في تربيته.. فبالرغم من الضيق الذي أصابه حينما علم باعاقته إلا أنه ذات يوم بعد أن حضرنا ماراثون ذوي الاعاقة بكورنيش الإسكندرية وشهد الاهتمام الشديد بهم من قبل المحافظة والشرطة والمجتمع, بدأ يقتنع أن رؤوف يستطيع أن يتعلم ويصبح شخصا فعالا في المجتمع والتحق رؤوف بمسابقة القرآن الكريم لذوي الاعاقة وكان الاختيار عن طريق الكمبيوتر( لأنه لا يقرأ أو يكتب) ونجح وكان من العشرة الأوائل علي الجمهورية في حفظ القرآن. سهام صالح والدة أحمد منير حافظ26 سنة من ذوي الاعاقة الذهنية لا يعرف القراءة أو الكتابة تقول: حينما ولد أحمد لم أعرف أن لديه اعاقة, ولم ألاحظ عليه شيئا مختلفا عن باقي الأطفال.. وحينما كبر وبدأ يخرج للعب مع الأطفال كانوا دائمي الشكوي منه لعنفه معهم, وعندما كنت أعاقبه لم يكن يستوعب معني العقاب أو سببه!! إلي أن لفت البعض نظري إلي أنه قد يكون معاقا! في البداية لم أصدق نفسي فذهبت به إلي اكثر من طبيب لأنه كان يعاني من التشنجات والاغماء, ولم يكتشف الأطباء شيئا.. قدمت له في المدرسة مثله مثل باقي الأطفال وتم قبوله وظل بالمدرسة3 سنوات عاني فيها وعانيت معه أشد المعاناة إلي أن أرسلت لي إدارة المدرسة خطابا بفصله لعدم قدرته علي الاستيعاب وفهمه البطئ ونصحوني بادخاله مدرسة تربية فكرية لأنه يعاني من اعاقة ذهنية.. وبالفعل دخل هذه المدرسة ودرس بها حتي أتم المرحلة الاعدادية بصعوبة بالغة ولم يبق بعدها سوي أن جلس معي في البيت.. حاولت أن أعلمه شيئا يصنعه بيديه أو أي مهنة ولكن محاولاتي لم تفلح إلي أن بدأ في حفظ القرآن وكان ذلك من عند الله.. فحفظ أكثر من17 جزءا واشترك بمسابقة للقرآن من خلال مؤسسة ابرار مصر وحصل علي المركز الثالث. وتضيف سهام.. مع تقدم العمر بدأت معاناتي تأخذ شكلا جديدا فقوته البدنية وطاقته تفوقني بكثير فهو للأسف عنيف في كل تعاملاته حتي انه يعتدي بالضرب علي اخواته. حاولت جاهدة أن أعلمه الاعتماد علي النفس لأنني لا أعلم أن أحدا لن يتحمله بعدي. والدة.. محمد الببلاوي(33 سنة لديه اعاقة ذهنية) لم تستطيع أن تتحدث عن مشوارها مع ابنها محمد فقد قابلت ربها الكريم منذ عدة أشهر.. ولكن يحكي مشوارها بتأثر شديد زوجها حمدي الببلاوي ويقول ربنا يرحمها تحملت مسئولية محمد واخواته دون كلل.. وأنا كزوج وأب كان لدي عملي الخاص الذي أجبرني علي السفر كثيرا فلم أتحمل سوي المسئولية المادية فقط. ولد محمد كطفل طبيعي وبعد62 يوما أصيب بفيروس في المخ فذهبت به أمه إلي المستشفي وتم حجزه هناك وأجريت له عملية بذل وبعد ذلك أجريت له فحوصات ثبت أنه مصاب باعاقة ذهنية.. وخلال رحلة المعاناة أجرينا له اختبار ذكاء فوجد أن نسبة ذكائه تصل إلي240, وعلي الرغم من ذلك ظل حتي عامه السادس لا ينطق ولكن لاحظت والدته أنه ينصت باهتمام شديد لصوت الأذان والقرآن ووجدته من تلقاء نفسه يتابع خاله الذي كان يعيش معنا أثناء صلاته وتلاوته للقرآن بتركيز مما دفعها إلي حثه علي حفظ القرآن لعله يكون مخرجا له من أزمته الصحية.. وفعلا اكتشفنا موهبته في حفظ القرآن وتلاوته بصوت رائع وجميل فأحضرنا له شيخا ليساعده في ذلك وظل معه حتي الآن. وبحس الأم وحنانها والكلام لوالد محمد الببلاوي علمته كيف يلبس ملابسه بمفرده ويعتمد علي نفسه بالرغم من عناده الشديد جدا إلا أنها كانت قادرة باصرارها علي تعليمه من خلال التدريب المستمر فقد كانت شخصية هادئة ومثقفة تحملت مسئوليتها علي أكمل وجه فكانت الأم والأب في آن واحد. سهير عبدالحفيظ أم لخمسة من الرجال منهم اثنان يعانيان من اعاقة سمعية من النوع الشديد وهذه الاعاقة لم تمنعهما من استكمال دراستهما إلي أن أصبح الأول مصمم اعلانات وتصوير الافلام التسجيلية والثاني تخرج من كلية الحاسبات والمعلومات, عندما ذهبت بابني أحمد إلي الطبيب وأخبرني أنه أصم لم أدرك المعني الحقيقي للكلمة فكل ما أزعجني انه سوف يضطر لوضع سماعة في أذنه. بدأت ألحقه بدورات تدريبية للتخاطب وصممت علي الحاقه بمدرسة عادية حتي يشعر بأنه طفل عادي وأصبح متفوقا في دراسته في جميع المواد الدراسية ماعدا الشفوية وحينما وصل إلي الصف الرابع الابتدائي أصر مدير المدرسة علي خروجه بحجة أنه أصم يصعب التواصل معه, وكانت المرة الأولي التي أدرك فيها معني كلمة إعاقة فحولته إلي نظام المنازل وحولت البيت إلي مدرسة وكنت المدرسة الوحيدة لكل المواد الدراسية حتي وصل الي المرحلة الاعدادية.. عانيت الكثير في هذه الفترة خاصة بعد أن علمت باصابة ابني الأصغر أيضا بنفس الاعاقة( الاعاقة السمعية) وتقبلت ما قدره الله علينا. وبدأت بتشجيع أحمد علي تعلم الكمبيوتر حتي أجاده في سن14 سنة وتعلمت معه تصفح مواقع الانترنت والمنتديات التي فتحت لنا باب المعرفة عن الاعاقة وطرق التغلب عليها. تقول أم الرجال أن الخطأ الأكبر الذي تقع فيه أمهات ذوي الاعاقة انهن يركزن اهتمامهن معهم بصورة مختلفة عن باقي الأبناء وأنا شخصيا لم أدرك ذلك سوي عندما سمعت ابني الثاني يقول كنت أتمني أن أفقد السمع حتي أنال دعمك لي وهنا علمت مأساة الطفل الذي يولد بعد الطفل ذي الاعاقة, شاركت في الخدمة المجتمعية التطوعية للفئات الخاصة لعدم وعي المجتمع وتهميشه لهذه الفئة. نجح أحمد في اجتياز الثانوية العامة بنفس مناهج الثانوية العامة لغير المعاقين وتميز في مجال التصميم بعد أن اكتشفت قدرته الفنية نجاحي وثمرة جهدي هي أحمد الذي يعمل حاليا في تصميم الاعلانات وتصوير الافلام التسجيلية فقد قام بتسجيل فيلم عن ثورة25 يناير لأنه لم يترك الميدان يوما.. أما كريم فقد تخرج في كلية الحاسبات والمعلومات.