كتبت من عدة أسابيع عن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا مع التعليم وفرص الحياة والعمل، وأشرت في هذا المقال إلي وقوع أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة ضحية لأعمال النصب والمتاجرة بآلامهم وتطلعاتهم وأحلامهم لتعليم أبنائهم ومساعدتهم علي شق طريقهم في الحياة في ظل عدم وجود اهتمام كاف من المجتمع بهذه الفئة التي تشعر بحرمانها من حقها في الحياة. وقد تلقيت عبر البريد الالكتروني رسالة دامعة باكية من أم أنشرها كما هي لأنها تترجم كل المعاناة ورحلة العذاب التي يواجهها أصحاب هذه الحالات وأهلوهم والتي لا يمكن في أحيان كثيرة تحملها أو الصمود فيها. تقول هذه الأم التي اكتفت بتعريف نفسها بأنها أم عادل: كان اليوم الذي اكتشفنا فيه مرض ابني بداية رحلة طويلة طفنا فيها علي كل أطباء مصر، فابني وصل إلي عمر السنوات الست وهو ينطق كلمات قليلة ولا يستوعب تماما ما نقوله له، وأحيانا ينطق بكلمات مبهمة. وقالوا لنا إن ابني طبيعي وليست به مشكلة وأنه سيتكلم ذات يوم مثل كل الأطفال ولكن عليك بطبيب للتخاطب للاسراع بتعليمه وتدريبه علي النطق. وذهبنا إلي طبيب كان يتقاضي في الساعة الواحدة مائة جنيه يوميا وهو مبلغ لا يمكننا احتماله، ولكننا مع ذلك بذلنا المستحيل لتدبيره حتي يمكن أن يتعلم ابني ويصبح مثل كل الأطفال. ومرت الأيام والشهور، والطفل علي حاله، وفي المدرسة كان زملاؤه يسخرون منه ويسمعونه أقسي وأسوأ الكلمات والعبارات بل ويعتدون عليه بالضرب أيضا. ولم ترحمنا المدرسة أيضا حيث طالبونا بأن نجد وسيلة وإلا فعلينا أن نأخذه لمدرسة أخري. وفضل والده أن يبقيه في المنزل إلي أن تتحسن حالته، ويستمر في تلقي دروس علي النطق والتخاطب. وذات يوم وبناء علي نصيحة من أصدقاء لنا ذهبنا بابني إلي طبيب آخر حيث أخبرني أنه يعاني من حالة من حالات التوحد والتأخر في الاستيعاب والنسيان وأن هناك تدريبا خاصا لهذه الحالات في أحد المراكز الخاصة. وذهبنا علي الفور لهذا المركز وهناك أخبرونا عن تكاليف العلاج والرعاية المرتفعة، كما قالوا لنا إنه لا يوجد في الوقت الحالي فرصة لقبوله لوجود أعداد كبيرة من حالات مشابهة علي قائمة الانتظار..! وتسألني هذه الأم في رسالتها.. ماذا أفعل؟ هل أترك ابني يضيع مني دون أن أملك أن أفعل له شيئا، هل "استعوض" الله فيه وأتركه لمصير مجهول في مجتمع قاس لا يرحم ولا يتعاطف كثيرا مع هذه الحالات التي تحتاج إلي عناية ورعاية خاصة. ولهذه الأم الفاضلة ولغيرها من أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة فإن اليأس مرفوض، والاستسلام هو جريمة في حق الأبناء، والله سبحانه وتعالي الذي خلقهم بإعاقة لابد أنه قد منحهم القدرة والقوة في موطن آخر، والذين يعملون في مجال رعاية هذه الحالات يستطيعون ويعرفون كيفية تنمية هذه القدرات والمهارات لديه ومساعدتهم علي التغلب علي الاعاقة بالتدريب والتعليم، وهناك نظريات حديثة في كيفية تعليم هذه الحالات ودمجها في المجتمع. ولقد قرأت أبحاثا كثيرة عن تجارب دول عديدة في هذا المجال استطاعت تماما أن تدمج أطفال التوحد والاعاقات الذهنية والسمعية والبصرية في المجتمع، وحقق هؤلاء الاطفال نتائج مذهلة ولكن بعد جهد كبير وشاق. ولا يمكن بالطبع القول بأن الطريق سيكون سهلا في مجتمع لا يرحم الأصحاء حتي يرحم ذوي الاحتياجات الخاصة، وما يدعو للتفاؤل علي أية حال هو أن هناك كثير من المراكز المتخصصة التي بدأت في الانتشار الآن، والكثير من المدارس أيضا التي تولي اهتماما خاصا لهذه الفئات، والكثير من أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس النبيلة الذين كرسوا وقتهم لهذا العمل بشكل يدعو للاعجاب والتقدير، كما ان هناك الآن بعض المراكز الحكومية التي تقدم خدمة مميزة وبأسعار زهيدة للغاية وتقوم بتزويد الاطفال بالأجهزة المساعدة علي التعلم والسمع مجانا. ان الرحلة كما قالت هذه الأم في رسالتها شاقة ومجهدة ومكلفة ولكن النتائج أيضا في النهاية ستكون رائعة وسيمكن انقاذ ما يمكن انقاذه. [email protected]