طالعتنا الصحف خلال الأسبوع الماضى بعدد من التصريحات لمسئولين فى مواقع مختلفة للأجهزة والمؤسسات التابعة للدولة، يشكون من نقص العاملين على نحو خطير يهدد ليس فقط كفاءة العمل واستمراريته، بل أيضا حق المواطن فى الحصول على عدد من الخدمات الأساسية، وربما الحق فى الحياة أصلا. تصريحات المسئولين فى هيئة النقل العام تشكو من نقص السائقين. تصريحات محافظ القاهرة تؤكد أنه تم الإعلان عن 100 درجة خالية لتعيين سائقين، بينما المطلوب نحو 1200 سائق، وأنه لا يوجد عدد كاف من السائقين حاليا لتشغيل الجزء الأكبر من الأوتوبيسات الجديدة التى حصلت عليها مصر من المنحة الإماراتية. أى أن لدينا أوتوبيسات جديدة، وتحددت لها خطوط سير تربط القاهرة بالمدن الجديدة والأطراف المحيطة بها المكتظة بالسكان.. ولكن لا يوجد سائقون. فلتبق الأوتوبيسات إذن فى أماكنها .. وتتسرب فترة الضمان.. وتتحول إلى خردة.. وتحسب علينا منحة لم يستفد بها المواطن! المشكلة فى الواقع لا تتعلق فقط بالدفعة الجديدة من أوتوبيسات المنحة الإماراتية. المشكلة الحقيقية هى أنه طبقا لتصريحات المسئولين يجرى حاليا إحلال وتجديد أسطول سيارات النقل العام بنسبة 50% لتكهين نحو 500 سيارة تخطى عمرها التشغيلى 20 عاما، وأنه تم التعاقد على شراء 400 أوتوبيس تعمل بالغاز الطبيعى قبل شهر يوليو المقبل. المشكلة أن الحكومة سبق أن وعدتنا بمضاعفة عدد سيارات النقل العام، كى توفر للمواطن المصرى وسيلة انتقال آدمية وترحمه من امبراطورية الميكروباص والتوكتوك. فكيف سيتم ذلك دون سائقين؟ نحن نعرف أنه لا يمكن التعيين فى وظائف حكومية إلا لو وجدت درجات خالية. وعندما نتساءل لماذا لا توجد درجات خالية بينما هناك ذلك النقص الفادح فى السائقين، يقولون لك إن هناك 2000 سائق لا يؤدون عملهم نظرا لمنعهم طبيا من مزاولة هذا العمل. إذن هى المعضلة الأزلية فى المواقع الحكومية المختلفة.. عمالة زائدة على الورق ونقص فادح فى العمالة الفعلية المؤدية للوظيفة. طبعا قانون الخدمة المدنية الجديد حرص على تأكيد أنه يشترط لشغل الوظائف أن تكون شاغرة وممولة. لم ينشغل القانون بتحديد مفهوم الوظيفة الشاغرة. بالنسبة لنا كمواطنين متلقين للخدمة الوظيفة الشاغرة هى التى لا يوجد من يقوم فعليا بأدائها لنا. خبراء وزارة التخطيط ووزارة المالية الذين تصدوا لصياغة قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية وانشغلوا بتخفيف عبء العمالة والأجور على الحكومة يجب أن ينشغلوا بتلك المعضلة. الحكومة التى أكدت على ربط التعيينات الجديدة باحتياجات العمل الفعلية يجب أن تجد حلا. لا بد من توفير السائقين اللازمين لأداء العمل وكفاءة الخدمة والحفاظ على أصول الدولة ممثلة فى أتوبيسات النقل العام الجديدة. فى نفس السياق جاءت تصريحات رئيس جامعة القاهرة لتؤكد أن 30% من حضانات الأطفال فى مستشفى قصر العينى معطلة بسبب نقص التمريض. عميد كلية الطب بجامعة القاهرة أكد من جانبه أن هناك أزمة فى العمالة والتمريض فى قصر العينى بنسبة 30% وأن ثلث غرف الرعاية المركزة مغلقة بسبب عدم وجود تمريض وعمالة فنية لتشغيلها. تحدث عميد كلية الطب عن عدم القدرة على حل أزمة تعيينات التمريض و العمالة لعدم وجود درجات وظيفية، وعن تسرب القائمين بالعمل إلى المستشفيات الخاصة نظرا لتدنى الأجور. ترى هل انشغل قانون الخدمة المدنية الجديد ولائحته التنفيذية المنتظرة بإيجاد حل لتلك المعضلة التى تتكرر فى كثير من المواقع الحيوية؟ هل تكفلت جداول الأجور الجديدة المرفقة بالقانون بمواجهة مشكلة تسرب التمريض والعمالة الفنية من المستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة بسبب تدنى الأجور؟ أذكر انه منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما اضطرتنى ظروف أسرية للاحتكاك لفترات طويلة بأطقم التمريض فى غرف الرعاية المركزة بعدد من المستشفيات الخاصة، اكتشفت أن غالبية تلك الأطقم جاءت من مستشفيات حكومية، وحصلت على إجازات بدون مرتب ثم اتجهت للعمل بالمستشفيات الخاصة ذات الأجور الأعلي. فى تلك الأثناء كان هناك حديث عن أن الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعاملين فى الحكومة سيكون 700 جنيه. كل الممرضات اللاتى صادفتهن فى تلك الفترة أكدن أنهن سيعدن إلى العمل فى المستشفيات الحكومية على الفور لو تحقق ذلك. مجرد رفع الحد الأدنى للأجور كان يتوقع أن يؤدى بذاته إلى تحسن الخدمة ورفع الإنتاجية. فهل تمكنت جداول الأجور الجديدة الملحقة بقانون الخدمة المدنية من تحقيق هذا الهدف؟ ألا تقتضى الرشادة الرأسمالية البحث عن حل لتشغيل الأصول المعطلة؟ لن نتحدث عن دوخة المواطن لإيجاد مكان لمريض فى إحدى غرف الرعاية المركزة أو مكان لطفل مبتسر فى إحدى حضانات الأطفال. سنتحدث عن تلك المنشآت العامة التى تحملت الدولة تكاليف تجهيزها وإعدادها، إلا أنها تبقيها مغلقة دون استخدام لعدم وجود العمالة اللازمة لتشغيلها، فى إهدار صارخ للمال العام ولأبسط معانى الكفاءة الاقتصادية. مطلوب حلول إدارية سريعة وغير تقليدية لمعالجة العجز الحقيقى والخطير فى العمالة الحكومية فى العديد من المواقع التى تعانى على الورق من تضخم العمالة. مطلوب حلول سريعة لتشغيل الأصول العامة المتوقفة بسبب نقص العمالة. مطلوب حل فورى لإيجاد السائقين اللازمين لتشغيل الأوتوبيسات الجديدة وأطقم التمريض والعمالة الفنية اللازمة لتشغيل غرف الرعاية المركزة وحضانات الأطفال المغلقة. مطلوب حد أدنى من الرشادة الرأسمالية والكفاءة الإدارية لأصول الدولة. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى