غادر عالمنا فى الأسبوع الماضي، رجل عظيم يعتبره العالم من عظماء القرن العشرين، هو «لى كوان يو» مؤسس دولة سنغافورة الرائعة وبانى نهضتها الحديثة، واذا كانت اليابان حققت معجزة اقتصادية رائعة بعد الدمار الذى شهدته خلال الحرب العالمية الثانية، فإن سنغافورة الجزيرة الصغيرة التى لا تزيد مساحتها على 660 كيلو مترا مربعا أى ربما أصغر من حى مدينة نصر، أو المعادى قد حققت معجزة اقتصادية بكل المقاييس. وقد خاض «لى كوان يو» حروبا على عدة جبهات حتى يحقق أحلامه فى دولة متحضرة ومتطورة، لا تقل عن أى دولة أخرى فى العالم، بل أنها تفوقت على كثير من الدول المتقدمة التى تعلمت منها سنغافورة نفسها. وكان على «لي» أن يفاوض ماليزيا التى كانت الجزيرة جزء من أراضيها حتى الانفصال والاستقلال فى عام 1962، وماذا يفعل الرجل الذى فاز حزبه بالأغلبية فى انتخابات 1959، وأصبح رئيسا للوزراء وبلده فقير متخلف لا يملك أى مصادر للثروة الطبيعية سوى سواعد أبناء سنغافورة؟ وهنا أدرك الرجل بعضا مما تعلمه من اليابانيين فى أثناء احتلالهم سنغافورة، ومن تجربة التنمية البشرية فى اليابان بعد الحرب، أنه لا حل لديه سوى الاعتماد على البشر ولكن كيف يعتمد رجل القانون أو السياسى على شعب أغلبيته من الأميين والعمال غير الأكفاء فى بناء دولة حديثة، وأدرك «لي» أنه لكى تصبح سنغافورة دولة حديثة، فإنه لابد من تعليم البشر الثروة التى لديها وهكذا اعتمدت كل سياسات «لي» على تعليم البشر لتوظيفهم بصورة صحيحة فى خدمة أهداف تقدم سنغافورة. واذا كان البعض يقول إن هذا المحامى الداهية «لى كوان يو» حكم سنغافورة بديكتاتورية 40 عاما متواصلة، فإنه يتجاهل حقيقة كون هذا الرجل أسس دولة لم تكن موجودة، وحقق لأبنائها ازدهارا اقتصاديا وصناعيا تحلم به الدول المتقدمة، وليس المتخلفة! وجعل من سنغافورة نموذجا يدرس فى الجامعات لكيفية تطور الدول الناشئة، خاصة عندما تكون فقيرة الموارد الطبيعية.. هل نتعلم من دروس سنغافورة.. وهل يمكن أن نقلد سياستها فى تعليم وتدريب البشر لخدمة أهداف التنمية والتطور؟ ربما.. لمزيد من مقالات منصور أبو العزم