الإعادة على مقعد واحد، نتائج الحصر العددي لانتخابات الإعادة بالدائرة الأولى بالفيوم    من 19 إلى 30، إدارة ترامب تخطط لزيادة الدول المشمولة ب"حظر السفر"    ضمن «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنيا تنظّم ندوة بعنوان «احترام الكبير»    شوقي حامد يكتب: غياب العدالة    وجوه بائسة وغيبوبة من الصدمة، شاهد ما حدث في لقاء محافظ الدقهلية أصحاب محال "سوق الخواجات"    آداب سماع القرآن الكريم.. الأزهر للفتوي يوضح    ما حكم إخراج الزكاة لتوفير فرص العمل للشباب.. الإفتاء تجيب    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    أحمد سالم: مصر تشهد الانتخابات البرلمانية "الأطول" في تاريخها    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كيف يقانل حزب النور لاستعادة حضوره على خريطة البرلمان المقبل؟    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قنديلة [4]
للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 03 - 2015

إلي ‬فاطمة ‬قنديل، ‬التي ‬أنّثوا ‬القنديل إكراما ‬لها...!!‬ «عبد ‬الرحمان..!!«‬ هكذا ‬حملت ‬ست ‬ابوها ‬اعتقادها ‬المنقول ‬من ‬يامنة، ‬والذي ‬تحول ‬فيما ‬بعد ‬إلي ‬يقين ‬يضرب ‬بجذوره ‬في ‬أعماق ‬القلب ‬كنخلات ‬قنديل ‬في ‬كرم ‬النخل!!.‬
ثلاثة ‬أعوام ‬طوال ‬لم ‬تأت ‬منه ‬سوي ‬رسائله ‬الشفوية ‬وطروده ‬الكريمة ‬لابنته ‬فاطنة ‬في ‬مواسم ‬الفاكهة ‬يرسل ‬بها ‬الفاكهة، ‬وقرب ‬الأعياد ‬يرسل الحرير ‬بل ‬والفضة ‬والذهب ‬وأكياسا ‬من ‬النتل ‬يشتريها ‬من ‬سارقي ‬الكنوبة ‬وكناسى ‬ظهور ‬السفن ‬في ‬ميناء ‬السويس .الشاى ‬والبسكوت ‬وكل ‬ما ‬تحمله ‬السفن ‬القادمة ‬من ‬انجلترا ‬إلي ‬جنودها ‬في ‬البلاد ‬المحتلة. ‬لم ‬يخل ‬بيت ‬ست ‬ابوها ‬من ‬الزاد ‬الفني ‬المختلف ‬الذي ‬كان ‬يرسل ‬به ‬قنديل. ‬كانت ‬تعطي ‬بعضه ‬لجاراتها ‬وتحكم ‬إغلاق ‬خزاناتها ‬الطينية ‬ذات ‬الأبواب ‬المغاليق ‬الخشبية ‬علي ‬البقية ‬الكثيرة. ‬تمضغ ‬اللوز ‬والجوز ‬وعين ‬الجمل ‬وتدفسه ‬في ‬فم ‬طفلتها ‬الصغيرة، ‬وتحتفظ ‬لها ‬في ‬الأماكن ‬السرية ‬الأمينة ‬بالذهبين ‬والفضتين ‬معا ‬حتي ‬تكبر ‬هذه ‬الشقراء ‬وهل ‬خلق ‬مثلها ‬إلا ‬للتحلي ‬بكل ‬تلك ‬الأشياء ‬الثمينة؟ ‬أما ‬الجنيهات ‬فكانت ‬ست ‬ابوها ‬أحرص ‬ما ‬تكون ‬عليها ‬ولم ‬تكن ‬تشتري ‬بالنقود ‬سوي ‬الضروريات!!.‬
ثلاثة ‬أعوام ‬مرت ‬لم ‬تزرها.. سكسك ‬خلالها ‬مرة ‬واحدة. ‬لم ‬تكن ‬إحداهما ‬ترسل ‬السلام ‬إلي ‬الأخري ‬علي ‬الرغم ‬من ‬كثرة ‬المقبلين ‬من ‬الغرب ‬للزيارة ‬والعائدين ‬من ‬عند ‬ست ‬ابوها ‬إليها ‬بالأخبار. ‬قررت ‬كل ‬منهما ‬عدم ‬وجود ‬الأخري ‬مادام ‬قنديل أى ‬قنديلي ‬ليس ‬موجودا. ‬لم ‬يظهر ‬علي ‬سكسك ‬عز ‬ولا ‬جاه. ‬كان ‬أخوها ‬يرسل ‬إليها ‬بمساعداته ‬المالية ‬والعينية ‬وبعض ‬المراهم ‬والدهانات ‬التي ‬كان ‬يتسولها ‬له ‬البعض ‬من ‬صيدليات ‬‮«‬الكنوبة‮»‬ ‬الإنجليزية. ‬لكن ‬رويدا ‬رويدا ‬قلت ‬حركة ‬سكسك، ‬ثقلت ‬الركب ‬فلزمت ‬جلسة ‬الجدار ‬وكانت ‬الأخبار ‬عنها ‬لاتسر. ‬لكن ‬قلب ‬ست ‬ابوها ‬لم ‬ينعطف ‬نحوها ‬همسة. ‬مانعة ‬السعادة ‬الحائلة ‬بين ‬حرية ‬المحبين ‬سارقة ‬الكنز ‬‮«‬إن ‬كساحها ‬جزء ‬من ‬ذنب ‬ما ‬اغتصبته ‬من ‬تحت ‬أقدامي، ‬سارقة ‬الرزق‮»‬. ‬لكنها ‬كانت ‬تتشكك ‬قليلا ‬في ‬قصة ‬الكنز ‬والديك ‬حين ‬يبلغها ‬حال ‬المرأة ‬التي ‬لم ‬تعد ‬بناء ‬بيت ‬أبيها، ‬ولا ‬لبست ‬إلا ‬ما ‬أرسله ‬لها ‬قنديل ‬ولم ‬ترسل ‬لأخيها ‬تفاتحه ‬في ‬أمر ‬الذهب ‬ليشاركها ‬المشورة. ‬لكنها ‬كانت ‬فجأة ‬تتذكر ‬الهوة ‬الرهيبة ‬تتساءل ‬كيف ‬حفرت ‬في ‬هذا ‬الوقت ‬اللاوقت، ‬فكانت ‬ترتد ‬كمن ‬لدغتها ‬عقرب، ‬وتؤكد ‬لنفسها ‬بصوت ‬مسموع ‬أحيانا. ‬لقد ‬ظهر ‬لها ‬الكنز ‬لكنها ‬ولأنها ‬عاشت ‬عمرها ‬تدعي ‬الفقر ‬لأخيها ‬فإنها ‬لابد ‬دفنته ‬مرة ‬أخري. ‬عاشرت ‬الفقر ‬زمنا ‬طويلا ‬في ‬طفولتها ‬وزواجها ‬وترملها. ‬لم ‬تتعود ‬علي ‬الصرف. ‬لم ‬تتعلم ‬حب ‬النعمة ‬لها ‬أو ‬لغيرها. ‬يقف ‬الفقر ‬طويل ‬العمر ‬بينها ‬وبين ‬كنزها. ‬يمنعها ‬عنه ‬شحها ‬فهي ‬الآن ‬عاجزة ‬حتي ‬عن ‬تذكره ‬كي ‬لاتمتد ‬إليه ‬يد. ‬حتي ‬أخيها ‬ولي ‬نعمتها ‬لم ‬يأخذ ‬علما ‬بينما ‬القرية ‬جميعا ‬باتت ‬متأكدة ‬من ‬ثرائها ‬بعد ‬ذيوع ‬القصة ‬من ‬لسان ‬يامنة ‬أبو ‬العلا ‬لألسنة ‬النسوة، ‬لمجالس ‬الرجال. ‬هولوا ‬من ‬حجم ‬البورة ‬وجعلوها ‬أضعافا، ‬بل ‬إن ‬بعضهم ‬وصفها ‬بأنها ‬‮«‬كالجيابة‮»‬ ‬والبعض ‬الآخر ‬ماثل ‬بينها ‬وبين ‬‮«‬الحسى‮»‬. ‬تحدثوا ‬عن ‬هربها ‬بالجرة ‬المملوءة ‬ذهبا ‬مخبأة ‬تحت ‬عباءتها ‬صباح ‬انفتاح ‬‮«‬البورة‮»‬ ‬وعن ‬دفنها ‬الجرة ‬تحت (‬مقام ‬الشيخ ‬سعيد) ‬حيث ‬لن ‬يجرؤ ‬أحد ‬اليوم ‬أو ‬غدا ‬علي ‬الفحت ‬تحت ‬مقام ‬الولي، ‬وحين ‬سمعوا ‬بكساحها ‬وهزالها ‬قالوا: ‬‮«‬ذنب ‬البنت ‬الطيبة ‬ست ‬ابوها‮»‬.‬
كبرت ‬فاطنة ‬قنديل. ‬صار ‬عمرها ‬ست ‬سنوات. ‬أشرق ‬الوجه، ‬ولمع ‬الشعر ‬الذهبي ‬تحت ‬الشمس، ‬كانت ‬ست ‬ابوها ‬تحممها ‬يوميا ‬بصابون ‬المريحة ‬الذي ‬كان ‬أبوها ‬يرسله ‬لها ‬من ‬بلاد ‬البحر ‬والموانئ. ‬فكانت ‬النساء ‬يشممن ‬رائحتها ‬قبل ‬أن ‬يعبرن ‬خشب ‬العتبة ‬فيرفعن ‬صوتهن ‬بالصلاة ‬علي ‬النبي ‬خوفا ‬من ‬عيونهن ‬أن ‬يحسدنها. ‬كانت ‬فاطمة ‬تتحرك ‬بمرح ‬كأنها ‬شمس ‬صغيرة ‬ولدتها ‬الشمس ‬الكبيرة ‬في ‬هذه ‬الدار ‬التي ‬كانت ‬درة ‬البيوت ‬وفاطمة ‬درة ‬البيت ‬والدرب ‬الطويل.‬
كن ‬يحدثنها ‬عن ‬أبيها ‬الذي ‬نسيته ‬فكانت ‬تنصرف ‬عن ‬سيرته ‬باللعب ‬مع ‬الصغيرات ‬في «‬السوباط». ‬كانت ‬ست ‬ابوها ‬قد ‬افزعتها ‬من ‬الكرم ‬والوحوش ‬الذي ‬تسكنه ‬خوفا ‬عليها ‬من ‬التسلل ‬إليه ‬والسقوط ‬في ‬البئر!!.‬
في ‬نهاية ‬المواسم ‬بعد ‬قطع ‬البلح ‬أرسل ‬قنديل ‬من ‬ينبئ ‬بخبر ‬قدومه. ‬ارتج ‬قلب ‬ست ‬ابوها. ‬كانت ‬قد ‬اعتادت ‬الحياة ‬وحيدة، ‬والنومة ‬وحيدة ‬تفكر ‬في ‬ذلك ‬الذي ‬اختطفته ‬الغربة ‬منها. ‬فكرت ‬أحيانا ‬أنه ‬ربما ‬تزوج. ‬همست ‬لها ‬بعض ‬قريباتها ‬بأن ‬الرجل ‬لايستطيع ‬تحمل ‬سنوات ‬ثلاث ‬بلا ‬امرأة ‬خاصة ‬لو ‬كان ‬ذاق ‬الرقاد ‬مع ‬المرأة، ‬يتقلب ‬في ‬فراشه ‬شهرا ‬او ‬شهرين ‬فلا ‬تقتنص ‬عيونه ‬النوم، ‬ولا ‬يعرف ‬لذلك ‬حلا ‬إلا ‬بالمرأة ‬يعتليها ‬فيهمد ‬الجسد ‬وينغلق ‬الجفنان.‬
ولم ‬تصدق ‬ست ‬ابوها ‬ان ‬يحدث ‬هذا ‬لها. ‬إن ‬قنديل ‬ليس كبقية ‬الرجال. ‬لقد ‬خلق ‬للشهامة ‬والغوث ‬ولايعرف ‬المشي ‬علي ‬الأجساد ‬والمشاعر. ‬كرامتها ‬من ‬كرامته ‬فكيف ‬يدوس ‬عليها ‬ويمضي. ‬إذا فعل ‬ذلك ‬كل ‬الرجال ‬فإن ‬قنديل ‬يظل ‬ذلك ‬الذي ‬يفضل ‬أن ‬يجف ‬على ‬عوده ‬ولا ‬يطعن ‬زوجته ‬الوفية ‬المحبة ‬وابنته ‬التى ‬يعشقها، ‬رجل ‬شجاع ‬لا ‬يفعل ‬إلا ‬ما ‬يعتقد، ‬وإذا ‬فعل ‬أعلن!! ‬
هجمت ‬النساء ‬على ‬البيت ‬كنسا ‬ورشا، ‬غسلن ‬الملاءات ‬والبرد ‬الرجالى ‬الصوفية ‬على ‬مصب ‬البئر، ‬وسقين ‬الكرم، ‬وحبسن ‬الطير ‬واغلقن ‬على ‬الارانب ‬حتى ‬يظل ‬البيت ‬نظيفا، ‬أما ‬سيد ‬ابو ‬العلا ‬والحسانى ‬وسماعين ‬زوج ‬بزاده ‬فقد «‬جربحوا» ‬الدرب ‬بالجرابيح، ‬لموا روثه ‬اليابس ‬واغرقوا ‬التراب ‬ماء ‬امام ‬أبواب ‬الدور ‬لثلاثة ‬ايام ‬متوالية، ‬فاطنة ‬تنظر ‬دهشة ‬مما ‬يتم، ‬وتتلقى ‬التهانى ‬دون ‬أن ‬تدركها ‬عرفت ‬أن ‬أباها ‬قنديل ‬قادم ‬من ‬مكان ‬بعيد، ‬لكنها ‬لم ‬تفهم ‬سرا ‬للاكتظاظ ‬فى ‬البيت ‬والكرم ‬والدرب ‬وسر ‬الكنس ‬والرش ‬والخبيز ‬والطبيخ ‬ورص ‬الدكك ‬فى ‬الديوان ‬وفرشها ‬ولما ‬يئست ‬من ‬أن ‬تفهم ‬الأمر ‬على ‬حقيقته ‬تركته ‬لتبحث ‬عن ‬جاراتها ‬الصغيرات ‬مواصلة ‬اللعب ‬وعدم ‬الاهتمام.‬
استيقظت ‬ست ‬أبوها ‬مبكرة ‬تحممت ‬وتمشطت وحممت ‬فاطنة ‬وسبسبت ‬لها ‬‮»‬سبيبها‮«‬ ‬الذهبى، ‬وصعدت ‬إلى ‬سطح ‬البيت ‬تنتظر ‬أذناها ‬‮»‬ندهة‮«‬ ‬القطار ‬القادم ‬لحقت ‬بها ‬الجارات، ‬بينما ‬تجمع ‬رجال ‬الدرب ‬فى ‬الدرب ‬على ‬احدى ‬المصاطب، ‬وعلى ‬حصر ‬أرضية ‬تحتها ‬وأشعلوا ‬الحطب ‬لجوزة ‬المعسل ‬قطعا ‬لوقت ‬الانتظار.‬
أطلق ‬القطار ‬من ‬بعيد ‬صافرته ‬المتقطعة، ‬انخلع ‬قلب ‬ست ‬أبوها، ‬لولا ‬خوفها ‬من ‬غضب ‬قنديل ‬لانتظرته ‬على ‬المحطة ‬غير ‬مسموح ‬بذلك ‬إلا ‬فى ‬العودة ‬من ‬الحج، ‬المشوار ‬طويل ‬من ‬المحطة ‬للبلدة ‬لكن ‬الوقت ‬الذى ‬استغرقه ‬ظهور ‬قنديل ‬يكفى ‬الإنسان ‬أن ‬يذهب ‬ويعود ‬مرتين، ‬حين ‬وصل ‬علت ‬زغاريد ‬الجارات ‬نيابة ‬عن ‬ست ‬ابوها.‬
فلقد ‬تعودن ‬أن ‬يحزن ‬وأن ‬يفرحن ‬نيابة ‬عن ‬بعضهن ‬البعض، ‬لم ‬يعلمهن ‬أحد ‬ذلك، ‬لقد ‬ولدن ‬به، ‬حين ‬اندلعت ‬الزغاريد ‬سألت ‬فاطنة ‬الواقعة ‬على ‬سور ‬السطح ‬والمطلة ‬على ‬الدرب : ‬‮«‬وينه ‬ابويا ‬فيهم ‬يا ‬امايه؟؟»‬ ‬طفرت ‬الدموع ‬من ‬عيون ‬ست ‬ابوها ‬وحملت ‬ابنتها ‬واحتضنتها ‬بقوة ‬‮»‬ده ‬اللى ‬فى ‬الوسط ‬يا ‬حبيبتى، ‬ذو ‬الجلباب ‬الحريرى ‬السمنى، ‬دلوك ‬يدخل ‬ويحضنك ‬ويحبك ‬فى ‬خدودك ‬يا ‬حبيبتى، ‬أحست ‬للحظة ‬أن ‬سؤال ‬فاطمة ‬أشبه ‬بسؤال ‬اليتامى : ‬‮«فين ‬ابويا ‬راح ‬يا ‬امة‮»‬ ‬لذلك ‬فزعت ‬وانتفضت ‬كالحمامة ‬وطفرت ‬من ‬عينيها ‬الدموع، ‬وسرعان ‬مازيق ‬الباب ‬الكبير ‬واندفع ‬الحمالون ‬فى ‬أعقاب ‬قنديل ‬الذى ‬دخل ‬كالعاصفة ‬مزمجرا ‬صائحا : ‬‮«‬فينها ‬البت ‬فاطنة؟‮»‬.‬
كن ‬قد ‬نزلن ‬مهرولات، ‬رفعها ‬إلى ‬صدره ‬وغمر ‬وجهها ‬بقبلات ‬افزعتها ‬فهى ‬لا ‬تذكر ‬أن ‬رجلا ‬قبلها ‬من ‬قبل ‬‮«‬إزيكم ‬يا ‬جماعة؟‮» ‬غمغمت ‬الجارات ‬‮«‬كيفك ‬يا ‬ست ‬ابوها؟ ‬سامحينى ‬غبت ‬عليكى»‬ ‬ارتعش ‬جسدها ‬ومدت ‬يدها ‬مرتبكة ‬تصافحه ‬ولملمتها ‬بعجلة ‬وخجل ‬‮«‬بارك ‬الله ‬فيكم ‬يا ‬جماعة، ‬خليتوا ‬بالكم ‬منها؟‮» ‬غمغمت ‬النساء ‬ودعين ‬واتجهن ‬نحو ‬الباب ‬فى ‬طريقهن ‬للخروج ‬ليتركوا ‬الرجل ‬لزوجه ‬وابنته ‬حين ‬دخل ‬ذلك ‬الولد ‬الاسود ‬يتقافز ‬كالغراب ‬صائحا:‬
‮‬البقاء ‬لله.. ‬ماتت ‬سكسك.‬
وجم ‬الجميع، ‬وحين ‬أحس ‬الأسود ‬بما ‬فعل ‬تسلل، ‬أدركت ‬ست ‬ابوها ‬انتقام ‬المرأة ‬الشريرة، ‬بلغت ‬الرسالة ‬قلبها ‬كالطعنة ‬ففضت ‬مظروفها ‬وقرأتها ‬جيدا.‬
بعد ‬ثلاث ‬سنوات ‬من ‬الانتظار ‬الجاف ‬المرير، ‬لقد ‬أخترت ‬اللحظة ‬التى ‬ما ‬قبلها ‬لحظة ‬ولا ‬بعدها ‬لحظة ‬قال ‬قنديل ‬فى ‬وجه ‬قاطنة ‬التى ‬مازالت ‬على ‬صدره، ‬ومازالت ‬انفاسه ‬تلفح ‬وجهها ‬الخائف ‬المستغرب ‬المرتبك: ‬‮«‬إنا ‬لله ‬وإنا ‬إليه ‬راجعون‮»‬.‬
أنزل ‬ابنته ‬على ‬الأرض، ‬واستدار ‬خارجا ‬من ‬البيت ‬الكبير ‬إلى ‬الحى ‬الغربى!!‬
قالت ‬ست ‬أبوها: ‬‮«‬لقد «شاهرتني» ‬فى ‬رضاع ‬فاطنة، ‬وقطعت ‬خلفه ‬وانتهى ‬الأمر‮»‬!!‬
لبست ‬ست ‬ابوها ‬الأسود ‬لأول ‬مرة ‬فى ‬حياتها، ‬لم ‬تمارس ‬الحداد ‬من ‬قبل، ‬ماتت ‬امها، ‬وهى ‬رضيعة، ‬وهذا ‬هو ‬سر ‬نحافتها ‬إذ ‬عرفت ‬شفتاها ‬حلمات ‬اثداء ‬عديدة، ‬ومات ‬ابوها ‬وهى ‬فى ‬الحادية ‬عشرة فأشفقت ‬عليها ‬النساء ‬من ‬لبس ‬الاسود.‬
إنها ‬المرة ‬الأولى، ‬ارسلت ‬لها ‬‮»‬وصيفة‮«‬ ‬بالثوب ‬وبمن ‬يقول ‬لها: ‬إذهبى ‬خشية ‬الملامة ‬فهى ‬ ‬مهما ‬كان ‬ ‬أخت ‬زوجك ‬تركت ‬فاطنة ‬امام ‬مقام ‬الشيخ ‬سعيد ‬بعد ‬أن ‬أوصت ‬بها ‬الاطفال، ‬ودخلت ‬لتندس ‬فى ‬كومة ‬السواد ‬المتحلقة ‬حول ‬المقام، ‬كن ‬ينشدن ‬مرابثهن ‬الحزينة، ‬لم ‬تشاركهن، ‬أولا ‬لأنها ‬لم ‬تكن ‬قد ‬حفظت ‬ما ‬يرددنه ‬بعد، ‬وثانيا ‬لأن ‬ما ‬كان ‬يقال ‬لم ‬يكن ‬ينطبق ‬بحال ‬على ‬الميتة، ‬كانت ‬تحس ‬أحيانا ‬أنها ‬تريد ‬أن ‬تضحك ‬حين ‬سمعتهن ‬يرددن ‬بالصوت ‬الممطوط.‬
لا ‬اروح ‬على ‬الحفار ‬واقول ‬له
شعر ‬الصبية ‬من ‬التراب.. ‬لمة
لا ‬أروح ‬على ‬الحفار ‬واقول ‬ليه
شعر ‬الصبية ‬من ‬التراب ‬ليمه
تذكرت ‬سكسك ‬وشعرها ‬الاسيب ‬المجمد ‬القصير ‬والبدن ‬المتهالك، ‬وعقدت ‬المقارنة ‬دون ‬أن ‬تقصد ‬بين ‬هذه ‬التى ‬لا ‬تميز ‬وجهها ‬من ‬قفاها، ‬وتلك ‬الصبية ‬التى ‬يندبون ‬شبابها ‬وشعرها ‬الطويل!!.‬
كانت ‬تتململ بحرج ‬تحت ‬عيون ‬النسوة ‬اللائى ‬يفتشنها ‬بعيونهن ‬بحثا ‬عن ‬أثر ‬قصة ‬الديك ‬والكنز ‬والبورة، ‬أما ‬هى ‬فقد ‬الهمها ‬الله ‬بنظرة ‬ثابتة ‬تحاشت ‬بها ‬النظر ‬إليهن، ‬بل ‬غابت ‬وراء ‬نظرتها ‬عنهن، ‬كانت ‬عيناها ‬مثبتتين ‬على ‬أرضية ‬مقام ‬الشيخ ‬سعيد ‬تعلم ‬تماما ‬ان ‬جرة ‬الذهب ‬لا ‬يوتمن ‬عليها ‬سوء ‬مقام ‬جدها ‬الولى، ‬وكانت ‬مؤمنة ‬الآن ‬أن ‬هذا ‬البيت ‬الملحق ‬به ‬المقام ‬سيئول ‬إليها ‬بعد ‬أن ‬رحلت ‬الغيمة ‬السوداء ‬التى ‬تآمرت ‬عليها ‬فى ‬صمت ‬دون ‬كلمة ‬نابية ‬أو ‬خلاف ‬واضح ‬أو ‬عراك.‬
لقد ‬حاربتها ‬سكسك ‬بالصمت، ‬وستنتصر ‬ست ‬ابوها ‬بالموت، ‬غابت ‬فى ‬جلستها ‬عن ‬المكان، ‬اعتبرت ‬النساء ‬صمتها ‬وقارا، ‬وجمودها ‬تأدبا ‬فى ‬حضرة ‬الموت ‬فصمتوا ‬عنها ‬إلى ‬أن ‬جاء ‬الجيران ‬بصوانى ‬الطعام، ‬أفاقت، ‬وهبت ‬واقفة ‬رافضة ‬تذوق ‬خبز ‬الموت، ‬اخترقتهن ‬مندفعة ‬للخارج. ‬اختطفت ‬ابنتها ‬وجرتها ‬من ‬يدها ‬جرا، ‬وحين ‬تعرجت ‬وتعوجت ‬الدروب ‬مبتعدة ‬بها ‬عن ‬الحى ‬الغربى، ‬وقفت ‬وزفرت ‬زفرة ‬طويلة ‬نفثت ‬فيها ‬كل ‬صمتها، ‬وكل ‬ما ‬سمعت ‬من ‬نفاق ‬المراثى، ‬وكل ‬ما ‬تنفست ‬من ‬هواء ‬هناك ‬معبئة ‬صدرها ‬بهواء ‬الشرق.‬
الذى ‬تملكه ‬بنفسها ‬ولا ‬يشاركها ‬أحد ‬فيه، ‬على ‬الرغم ‬من ‬أنها ‬ولدت ‬وعاشت ‬فى ‬الغرب ‬وجاءت ‬منه ‬إلا أنها ‬اكتشفت ‬فى ‬هذه ‬اللحظة ‬انها ‬تنتمى ‬إلى ‬الشرق، ‬إلى ‬بيوته ‬ودروبه ‬واصوات ‬غنائه ‬الليلية ‬ونسائمه ‬وحره ‬وبرده ‬ولفته، ‬لم ‬يجرحها ‬أحد ‬يوما ‬هناك ‬ ‬فى ‬غرب ‬البلدة ‬ ‬بكلمة ‬لكنها ‬كانت ‬تقرأ ‬فى ‬عيونهم ‬وعيونهن ‬يتمها ‬آكله ‬أمها ‬وابيها ‬خدمت ‬البيت ‬الذى ‬هى ‬صاحبته ‬فى ‬صمت ‬الجوارى، ‬كانوا ‬يخشونها ‬فقد ‬كانت ‬شؤما ‬على ‬والديها، ‬أرضعتها ‬الغربيات، ‬وربتينها ‬الغربيات، ‬ويوم ‬عرسها ‬أحاطت ‬بها ‬الغربيات ‬لم ‬تحس ‬يوما ‬أنها ‬بنت ‬المكان، ‬أو ‬تنتمى ‬إليه، ‬فى ‬الاعراس ‬حفظت ‬الاغنيات، ‬وهى ‬صامتة، ‬لم ‬ترددها ‬مع ‬المرددات، ‬لم ‬ترقص ‬اكتسبت ‬وقار ‬اليتم ‬هناك ‬أشياء ‬لا ‬تكتسب ‬شرعيتها ‬إلا ‬بوجود ‬الأم ‬والأب، ‬كالضحك ‬بصوت ‬عال ‬كالشجار ‬المشروع ‬حيت ‬تغتصب ‬منك ‬اشياءك ‬فى ‬الشجار ‬يشكلوا ‬الوالدان ‬للوالدين، ‬فإذا ‬لم ‬يكن ‬لديك ‬والدان ‬فليس ‬من ‬حقك ‬أن ‬تتشاجر ‬هذا ‬هو ‬اليتم، ‬عرفته ‬ست ‬ابوها ‬بنفسها ‬وعاشته ‬لكن ‬دون ‬مرارة، ‬ودون ‬أن ‬يعيرها ‬به ‬أحد، ‬لم ‬تعط ‬أحدا ‬فرصة ‬لذلك.‬
كان ‬قنديل ‬يلمحها ‬جالسة، ‬بينما ‬البنات ‬يلعبن ‬مع ‬البنات ‬والأولاد ‬يلهون ‬مع ‬الاولاد، ‬هو ‬ابن ‬عم ‬لابيها، ‬فهى، ‬وهو ‬فرعان ‬فى ‬نفس ‬الجزع، ‬لم ‬تلتفت ‬إليه ‬فلم ‬تكن ‬تلتفت ‬إلى ‬أحد ‬حين ‬بلغت ‬الخامسة ‬عشرة ‬عاد ‬من ‬السويس، ‬كان ‬قد ‬عرف ‬المكسب ‬والتجارة، ‬ولم ‬يكن ‬يعتمد ‬على ‬أحد ‬بل ‬كان ‬ملاذا ‬ويدا ‬تأخذ ‬بيد ‬الآخرين، ‬انتقى ‬شاهدين ‬من ‬عيون ‬العائلة، ‬وذهب ‬إلى ‬الشيخ ‬محمد ‬طه ‬القاضى ‬الذى ‬يعرف ‬كل ‬عجوز ‬وطفلة ‬فى ‬القرية، ‬فأمره ‬بتسنينها ‬فى ‬البندر، ‬اصطحب ‬معه ‬‮»‬مغربية‮«‬ ‬ابنة ‬عمه ‬العاقلة، ‬وذهب ‬إلى ‬دكتور ‬البندر ‬الذى ‬قرر ‬أنها ‬فى ‬الثانية ‬والعشرين، ‬وعاد ‬ليكتب ‬الكتاب ‬فى ‬نفس ‬الليلة، ‬وتم ‬الزواج ‬فى ‬لمح ‬البصر، ‬ولفترة ‬طويلة ‬لم ‬تتكيف ‬مع ‬الوضع ‬الجديد ‬إلا ‬أن ‬قدومها ‬إلى ‬البيت ‬الشرقى ‬الكبير ‬واستغراقها ‬فى ‬التخريم ‬على ‬عمال ‬السور ‬والبئر ‬وجدية ‬قنديل ‬أعطاها ‬الثقة ‬وملكها ‬زمام ‬الامر ‬وتأكد ‬ذلك ‬بالحمل ‬ثم ‬بإنجاب ‬فاطنة ‬لم ‬يهتز ‬ذلك ‬إلا ‬بدخول ‬هذه ‬المرأة ‬التى ‬تشبه ‬كومة ‬الهم ‬إلى ‬حياتها، ‬فكأنها ‬كانت ‬مندوبة ‬الحياة ‬القديمة ‬إلى ‬حياتها ‬المزهرة، ‬لتعيد ‬إليها ‬الإحساس ‬القديم ‬باليتم.‬
قالت ‬يامنة ‬أبو ‬العلا ‬سائلة ‬فى ‬ضغينة ‬مدفونة : ‬‮«‬ماتت؟‮»‬ ‬ردت ‬ست ‬أبوها، ‬وهى ‬تمشط ‬شعر ‬ابنتها ‬بعد ‬أن ‬ازالت ‬منه ‬كل ‬ذرة ‬من ‬تراب ‬الحى ‬الغربى : ‬‮»‬الله ‬يسامحها!!‬‮«‬ ‬تململت ‬يامنه ‬ثم ‬سألت ‬سؤالها ‬الأول ‬فى ‬صيغة ‬جديدة: ‬‮«‬وأخذت ‬سرها ‬معها..‬؟‮»‬ ‬قالت ‬ست ‬ابوها ‬بحزم ‬منهية.‬
الحوار : ‬‮«‬الله ‬أعلم ‬بكل ‬شىء.. ‬لم ‬نر ‬شيئا ‬باعيننا ‬لنتأكد ‬أن ‬هناك ‬سرا»‬.. ‬قالت ‬وهى ‬تنفض ‬ظهرا ‬جلبابها ‬من ‬جلسة ‬التراب ‬وتستدير : ‬‮»‬والبورة ‬التى ‬رأيناها..‬؟ ‬لم ‬يكن ‬هناك ‬ضبع ‬ولا ‬سبع ‬لم ‬نر ‬وحشا، ‬كان ‬وحشك ‬فى ‬بيتك‮«‬ ‬قالت ‬ست ‬أبوها : «‬الله ‬أعلم ‬بعباده، ‬لم ‬يتهن ‬قنديل ‬برؤية ‬ابنته ‬أول ‬ما ‬رفعها ‬إلى ‬صدره ‬جاءه ‬النذير ‬سامحها ‬الله!!‬‮»‬.‬
فى ‬الليلة ‬الثالثة «قطع» ‬قنديل ‬لسكسك «عقر» ‬العقيرة، ‬وفرقها ‬فى ‬الفقراء ‬وأوقف ‬الحداد ‬كان ‬قد ‬استقبل ‬رجال ‬القرية ‬جميعا، ‬من ‬‮«‬الفارسى»‬ ‬والعجمية، ‬والنزيلة، ‬والسواحلية، ‬والكلاحين، ‬ونجع ‬اب ‬يوسف، ‬ونجع ‬العرج، ‬يقول ‬الرجال ‬ليفد ‬الرجال، ‬ظل ‬فى ‬المندرة ‬يستقبل ‬ويودع ‬ويأكل ‬وينام ‬وقف ‬معه ‬رجال ‬عائلته ‬تركوا ‬أمورهم ‬وهمومهم، ‬تحير ‬الخلق ‬فى ‬التوقيت ‬الذى ‬اختارته ‬سكسك ‬لقد ‬غاب ‬قنديل ‬ثلاث ‬سنوات، ‬فكيف ‬اختارت ‬لحظة ‬مجيئه ‬من ‬الغربة؟ ‬نسبوا ‬ذلك ‬لكرامتها ‬أليس ‬جدها ‬‮«‬الشيخ ‬سعيد»؟ ‬‮«‬لم ‬تشأ ‬يا ‬قنديل ‬أن ‬تأتى ‬اليها ‬خصيصا ‬يرتبك ‬حالك، ‬ويتبعثر ‬مالك، ‬لقد ‬انتظرتك فيالها ‬من ‬أخوة ‬وياله ‬من ‬قلب‮«‬ ‬قالوا ‬فى ‬داخلهم: «‬ألم ‬ينفتح ‬لها ‬الكنز ‬من ‬دون ‬القرية ‬بأكملها..‬؟ ‬إن ‬فى ‬المرأة ‬سرا...‬‮»‬ ‬قالت ‬ست ‬أبوها ‬حين ‬بلغها ‬القول : ‬‮«‬واهمون ‬طيبون ‬لم ‬يكن ‬القصد ‬أن ‬تريح ‬أخاها، ‬وإنما ‬قصدت ‬أن ‬تجهض ‬فرحتى ‬بلقائه ‬بعد ‬كل ‬تلك ‬الغيبة، ‬أما ‬الكنز ‬فقد ‬كان ‬لى، ‬وقطعت ‬هى ‬الطريق ‬عليه، ‬الله ‬هو ‬صاحب ‬العقاب ‬والثواب، ‬منها ‬لله..‬‮«‬.‬
بعد ‬الأيام ‬الثلاثة ‬عاد ‬قنديل ‬فى ‬الصباح، ‬أشعلت ‬الكانون ‬تحت ‬حلة ‬الماء ‬النحاسية، ‬ووسطنت ‬الطشت ‬فى ‬قلب ‬الحاصل، ‬وعلى ‬قالب ‬طوب ‬أحمر ‬نظيف ‬وضعت ‬الليفة ‬والصابونة، ‬وذهبت ‬لتكمل ‬طبيخها، ‬أما ‬الخبيز ‬فقد ‬ساعدتها ‬الجارات ‬بالامس ‬كى ‬لا ‬يعقنها ‬عن ‬لقائه، ‬لكن ‬قنديل ‬سحب ‬فاطنة ‬من ‬يدها ‬وانحنى ‬عابرا ‬باب ‬الكرم ‬وسمعته ‬يصيح: ‬‮»‬هات ‬البلطة ‬يا ‬ست ‬ابوها..‬‮«‬ ‬تعجبت ‬البلطة؟ ‬وهل ‬لدينا ‬بلطة، ‬واتجهت ‬إلى ‬الحاصل ‬الآخر، ‬حيث ‬عدة ‬الفلاحة ‬والبناء ‬مهرولة، ‬لم ‬تكن ‬قد ‬اتجهت ‬إلى ‬المكان ‬منذ ‬رحل، ‬وجدت ‬البلطة ‬التى ‬لم ‬تكن ‬رأتها ‬من ‬قبل ‬هرولت ‬بها ‬إليه.‬
كانت ‬النخلات ‬قد ‬كبرت ‬وغولت، ‬كأنها ‬لم ‬ترها ‬أيضا ‬قبل ‬ذلك ‬لقد ‬دخلت ‬الكرم ‬طوال ‬السنوات ‬الثلاث ‬مئات ‬المرات ‬أحيانا ‬كانت ‬تذهب ‬إلى ‬البئر ‬خمس ‬مرات، ‬وأكثر، ‬ولم ‬تلتفت ‬إلى ‬النخل، ‬كان ‬عقلها ‬دائما ‬يرحل ‬إلى ‬السويس، ‬حيث ‬رجلها، ‬أو ‬إلى ‬الحى ‬الغربى ‬نحو ‬الكنز، ‬أو ‬كان ‬مشغولا ‬بفاطنة ‬خشية ‬الاقتراب ‬من ‬البئر ‬أعطته ‬البلطة ‬فخلع ‬ثوبه، ‬وظل ‬بسرواله ‬الطويل ‬وصديريته، ‬رأت ‬شعره ‬الكث ‬على ‬صدره ‬العريفى ‬فسرى ‬فى ‬عروقها ‬صف ‬نمل ‬طويل ‬من ‬أعلى ‬إلى ‬أسفل، ‬ضرب ‬ضربته ‬الأولى ‬فأطار ‬ولدة ‬من ‬أولاد ‬النخلة ‬الأم، ‬سألته: ‬‮»‬أستزرعها«؟ ‬قال ‬ضاحكا‮«‬ ‬كيف؟ ‬وهل ‬لها ‬فائدة، ‬النخل ‬الذى ‬يطرح ‬يجب ‬أن ‬ينقل ‬من ‬تحت ‬نخلة ‬طارحة، ‬وإلا ‬فسيكون ‬كله ‬ذكورا‮«‬ ‬قالت: ‬‮«‬إذا ‬لماذا ‬تقطع ‬الوليد؟‮»‬ ‬قال: ‬‮«‬لأمنع ‬عنك ‬وعن ‬فاطنة ‬الافاعى ‬التى ‬تجد ‬هذا ‬الدغل ‬فرصة ‬ملائمة ‬لتعشش ‬وتملأ ‬عليك ‬الدار!!‬‮»‬ ‬وضحك ‬مرة ‬أخرى ‬كأنه ‬لم ‬يدفن ‬أخته، ‬وكأنه ‬ليس ‬عائدا ‬لتوه ‬من ‬معزاها، ‬وأردف: ‬‮«‬ثانيا ‬لن ‬يمتد ‬بى ‬العمر ‬حتى ‬أراهن ‬طارحات ‬لو ‬تركتهن ‬يسمن ‬وتغلظ ‬جزوعهن ‬أريدهن ‬يكبرن ‬سريعا ‬ونأكل ‬من ‬بلحهن ‬يا ‬ست ‬أبوها، ‬حتى ‬لو ‬أصبح ‬جذع ‬الواحدة ‬كعود ‬القصب»‬ ‬وظل ‬يواصل ‬تقطيع ‬الخلفة ‬من ‬حول ‬كل ‬نخلة ‬حتى ‬انتصف ‬النهار ‬وهده ‬التعب ‬فجلس ‬فى ‬ظل ‬الجدار ‬الذى ‬يفصل ‬البيت ‬عن ‬الكرم، ‬فرشت ‬له ‬حصيرا ‬نظيفا ‬وجاءت ‬بالحمام ‬المحشو ‬بالفريك ‬الذى ‬يعشقه، ‬لم ‬يأكل ‬كثيرا ‬وإنما ‬كان ‬يلقم ‬فاطنة ‬التى ‬استكانت ‬فى ‬حجرة ‬قطعة ‬بعد ‬قطعة ‬ظلت ‬صامتة ‬تنتظر ‬إليه ‬خلسة، ‬فجأة ‬قال: ‬‮«‬لا ‬تتعجبى ‬يا ‬ست ‬أبوها ‬التعب ‬يقتل ‬الحزن‮»‬ ‬ثم ‬رفع ‬رأسه ‬بعد ‬صمت ‬وأضاف: ‬‮«‬أصبحت ‬مثلك، ‬لا ‬أب ‬ولا ‬أم ‬ولا ‬أخوات، ‬أصبحت ‬أهلى ‬وأصبحت ‬أهلك‮».‬
بعد ‬أن ‬شرب ‬الماء ‬والشاى ‬واستراح، ‬قام ‬يقص ‬جريد ‬النخلات ‬من ‬أسفل ‬إلى ‬أعلى، ‬ورأت ‬ست ‬ابوها ‬النخل ‬يستطيل، ‬ليصبح ‬نخلا ‬حقيقيا ‬وتعجبت ‬كيف ‬لم ‬تكن ‬ترى ‬ذلك، ‬وتفكرت ‬فى ‬تلك ‬الخبرة ‬العميقة ‬التى ‬يخبئها ‬رجلها، ‬ما ‬أن ‬خرجت ‬هى ‬وفاطنة، ‬حتى ‬سمعته ‬يصيح: ‬‮»‬يا ‬ساتر‮«‬ ‬عادت ‬اليه ‬لتجده ‬واقفا ‬فوق ‬ثعبان ‬بطول ‬مترين، ‬وقد ‬فصلت ‬البلطة ‬رأسه. ‬وقفت ‬باهته، ‬وتصلبت ‬فاطنة ‬مذعورة، ‬قال ‬بصوته ‬الواثق ‬الجهور: ‬‮»‬إنه ‬ليس ‬ثعبانا ‬بل ‬شيطان، ‬كيف ‬اختبأ ‬كل ‬ذلك ‬خلف ‬جريد ‬هذه ‬النخلة ‬التى ‬تشبه ‬عود ‬القطن؟ ‬كيف ‬لملم ‬نفسه ‬هذا ‬اللعين ‬كان ‬على ‬وشك ‬أن ‬يلوشنى، ‬أصدقت ‬الآن؟.‬‮«‬ ‬لملمه ‬فى ‬خرقة ‬وقذف ‬به ‬إلى ‬الفضاء ‬البحرى ‬خلف ‬السور ‬واتجه ‬إلى ‬مصب ‬البئر ‬ليغسل ‬يديه.‬
فى ‬المساء ‬استلقى ‬قنديل ‬على ‬الفراش ‬كجذع ‬نخلة ‬اقتلعته ‬الريح، ‬
تعب ‬الليلات ‬الماضية ‬وتقطيع ‬النخل ‬وتقليمه ‬والحمام ‬الدافئ.‬
نظرت ‬ست ‬أبوها ‬إلى ‬عينيه ‬المغمضتين، ‬وإلى ‬انتظام ‬أنفاسه، ‬وقالت ‬فى ‬سرها: ‬‮«‬بركاتك ‬ ‬سكسك!!‬‮»‬
مكث ‬قنديل ‬فى ‬القرية ‬ثلاث ‬سنوات، ‬كاد ‬فيها ‬أن ‬ينسى ‬السويس، ‬كان ‬يؤمن ‬بالمكوث، ‬حين ‬يكون ‬هنا ‬ينسى ‬هناك، ‬وحين ‬يكون ‬هناك ‬لا ‬يفكر ‬فى ‬أى ‬هناك ‬آخر، ‬كان ‬يرى ‬أن ‬المشاوير ‬القصيرة ‬تلتهم ‬العمر ‬وتسطح ‬المعرفة ‬وتقطع ‬الصلات ‬والجذور، ‬يقيم ‬فى ‬البلدة ‬يزرع ‬أرضه ‬ويحصد ‬ويدرس ‬ويحمل ‬مع ‬الرجال ‬أجولة ‬الغلال ‬ويخزنها، ‬ويدخل ‬فى ‬معاملات ‬تجارية ‬ثقيلة، ‬وكأنه ‬لن ‬يرحل، ‬اتفاقات ‬يحتاج ‬تخليصها ‬إلى ‬سنوات ‬سنوات، ‬بينما ‬أعماله ‬فى ‬المدينة ‬الساحلية ‬تدور ‬كالساعة، ‬يرسل ‬تعليماته ‬وتمويلاته ‬مع ‬الراحلين ‬فى ‬أوان ‬التقليم ‬والتسميد ‬والرش ‬والجنى ‬وشراء ‬المشنات ‬واصلاح ‬العربات ‬التى ‬تحمل ‬القطاف ‬إلى ‬البيع، ‬تأتيه ‬كشوف ‬البيع، ‬فيرسل ‬بالوصايا ‬وتفريق ‬الأجور ‬والزكاة ‬فقد ‬كانت ‬هناك ‬أرامل ‬ذات ‬اسر ‬معلقة ‬برقبته، ‬وله ‬مبالغ ‬معلومة ‬تذهب ‬إلى ‬المسجد ‬ويشارك ‬بالمال ‬بين ‬المتخاصمين ‬من ‬على ‬بعد.‬
يراه ‬الناس ‬فى ‬قلب ‬حياتهم ‬يؤدى ‬الدور ‬اللائق ‬به، ‬يتدخل ‬فى ‬كل ‬صغيرة ‬وكبيرة ‬يعرف ‬أسماء ‬المواليد ‬الجدد ‬والصبيان ‬والصبايا ‬أكثر ‬من ‬المقيمين ‬الدائمين، ‬يسهم ‬فى ‬ترميم ‬المسجد، ‬ويقطع ‬عشرات ‬الكيلو ‬مترات ‬بين ‬قطعة ‬أرض ‬وقطعة ‬أرض ‬يراقب ‬وينبه ‬ويأمر، ‬وتفهم ‬أرضه لغته وحديه ‬عليها ‬وتبادله ‬حوارا ‬بحوار ‬وعطاء ‬بعطاء ‬يبيع ‬ويشترى ويتسبب ‬ويمد ‬يده ‬فى ‬كل ‬شىء، ‬وفى ‬تجارات ‬متباينة ‬حتى ‬ينسى ‬الناس ‬تماما ‬أن ‬له ‬بلدا ‬آخر ‬وحياة ‬أخرى ‬ثم ‬يفاجأون ‬برحله ‬بغتة، ‬حيث ‬يغيب ‬سنوات ‬ثلاث ‬يكادون ‬أن ‬ينسوه ‬خلالها ‬ليهبط ‬عليهم ‬فجأة ‬من ‬جديد ‬ويقيم!!.‬
كان ‬‮«‬قنديل ‬الأكبر»‬ ‬جدجد ‬قنديلنا ‬متوليا ‬على ‬كل ‬زمام ‬الأرض ‬التى ‬تمتد ‬من ‬البراهمة ‬والكلاحين ‬ونجع ‬أبو ‬يوسف، يقولون ‬مازالت ‬بقايا ‬سيرته ‬متناثرة ‬على ‬بعض ‬الشفاه ‬القليلة ‬المتبقية ‬فى ‬القرية، ‬كان ‬عطوفا ‬على ‬فقراء ‬الأرض ‬على ‬عكس ‬من ‬تولوا ‬هذه ‬الوظيفة ‬فى ‬طول ‬البلاد ‬وعرضها ‬كان ‬يملك ‬مئات ‬الافدنة ‬يدفع ‬خراجها ‬بالعدل ‬وأجور ‬من ‬يعملون ‬بها ‬بالعدل ‬ويسير ‬بالعدل ‬بين ‬الناس ‬فكان ‬عندهم ‬فى ‬مهابة ‬الاسطورة، ‬لم تتعالى ‬نفسه ‬على ‬الفقراء ‬بل ‬كان ‬يشاركهم ‬طعامهم ‬وأعراسهم ‬ودفن ‬موتاهم، ‬ويتولى ‬كل ‬ذلك، ‬وتقول ‬بقايا ‬القصص ‬إن ‬الحاكم ‬قرر ‬انتزاع ‬الأرض ‬من ‬أصحابها ‬ولجأ ‬رجاله ‬إلى ‬أخس ‬الوسائل ‬لتحقيق ‬ذلك ‬من ‬ضرب ‬وسحل ‬وجلد ‬وحرق ‬بيوت ‬وخطف ‬أطفال، ‬ولم ‬تشفع ‬لقنديل ‬الكبير ‬وظيفته ‬الرسمية ‬ولا ‬علو ‬قدره ‬ومكانته ‬بين ‬الناس، ‬لكنه ‬رفض ‬أن ‬يسلم ‬أرضه، هددوه ‬فأبى، ‬فربطوه ‬إلى ‬جذع ‬جميزة ‬ضخم ‬بحبال ‬وسيور ‬وسلاسل ‬جاء بعضهم ‬بالسياط ‬السودانية ‬المغموسة ‬فى ‬الزيت.‬
سبعة ‬أيام ‬بلياليها ‬يتناوبون ‬على ‬بدنه ‬القوى، ‬يقولون ‬أن ‬ظهره ‬تمزق ‬كغربال ‬الغلال، ‬لم ‬يهن، ‬ولم ‬يلن ‬ولم ‬يفت ‬الألم ‬فى ‬جسده، ‬بل ‬ظل ‬يسبهم ‬ويهددهم ‬ويسب ‬الحاكم، ‬بينما ‬الرجال ‬واقفين ‬على ‬بعد ‬يتأوهون ‬والنساء ‬يندبن ‬ويعولن ‬فكان ‬قنديل ‬يسبهم ‬جميعا ‬حين ‬تتناهى ‬الصرخات ‬إلى ‬أذنيه، ‬وأخيرا ‬صدر ‬أمر ‬الحاكم ‬بفك ‬قيوده ‬وترك ‬أرضه ‬له ‬فكان ‬الوحيد ‬الذى ‬احتفظ ‬بأرضه ‬وصارت ‬بطولته ‬وصبره ‬مضرب ‬الأمثال ‬حتى ‬وقت ‬قريب.‬
كان ‬قد ‬أنجب ‬سبعة ‬رجال ‬وثلاث ‬نساء، ‬بعد ‬عامين ‬من ‬واقعة ‬الجلد ‬مات، ‬تقاسم ‬الاولاد ‬الأرض ‬والتهموا ‬نصيب ‬النساء ‬تاجروا ‬وخسروا ‬وباعوا ‬الأرض ‬الممزقة ‬واحتفظ ‬ابنه ‬محمد ‬بنصيبه ‬الذى ‬تفرق ‬بعد ‬موته ‬على ‬خمسة ‬رجال ‬وامرأتين ‬كان ‬من ‬بينهم ‬‮»‬حسين‮«‬ ‬والد ‬الحاج ‬قنديل ‬زوج ‬‮»‬ست ‬ابوها‮«‬ ‬وأبو ‬‮»‬فاطنة ‬قنديل‮«‬.‬
قطع ‬متناثرة ‬تتراوح ‬بين ‬الفدانين ‬والفدان ‬والقراريط ‬والاسهم ‬لكن ‬الإدارة ‬الحصيفة ‬والرعاية ‬الحازمة ‬لقنديل ‬الذى ‬ورث ‬عن ‬قنديل ‬الأكبر ‬جسارته ‬ورجولته ‬وحنكته ‬زودته ‬برأس ‬مال ‬لا ‬بأس ‬به ‬شجعه ‬على ‬استثماره ‬فى ‬البلاد ‬البعيدة ‬التى ‬لم ‬يذهب ‬إليها ‬تحت ‬ضغط ‬الحاجة ‬والعوز، ‬كما ‬ذهب ‬الآخرون.‬
حتى ‬كرم ‬البيت ‬أخرج ‬منه ‬قنديل ‬على ‬ماء ‬البئر ‬خيرا ‬يكفى ‬لإعالة ‬عائلة ‬كبيرة ‬مستورة.‬
بدأ ‬قنديل ‬يتباعد ‬فى ‬الرقاد ‬عن ‬ست ‬ابوها حتى ‬تملكه ‬اليأس ‬وادرك ‬أنها ‬أكتفت بفاطنه، ‬فكان ‬يرش ‬مساحة ‬السطح ‬الطينى ‬امام ‬الغرفة ‬بالماء، ‬ويفترش ‬حصيرا ‬وينام ‬وحيدا ‬أدركت ‬ست ‬أبوها ‬ذلك، ‬لم تحزن ‬فقد ‬كانت ‬موقنة ‬من ‬أنها ‬ليست ‬المتسببة، ‬وإنما ‬عين ‬‮»‬سكسك‮«‬ ‬رحمها ‬الله ‬وجازاها ‬بذنبها، ‬قالت ‬له ‬ذات ‬ليلة: ‬‮»‬يا ‬قنديل، ‬لا ‬يجب ‬أن ‬تعيش ‬فاطنة ‬فى ‬الدنيا ‬‮»‬فرادية‮«‬ ‬لماذا ‬لا ‬تتزوج؟ ‬وصمت ‬قنديل ‬وكأنه ‬لم ‬يسمع، ‬أو ‬كأنه ‬سمع ‬جيدا.. ‬ثم ‬قال ‬باقتضاب: ‬‮»‬لقد ‬تزوجت ‬يا ‬ست ‬أبوها‮«‬..!!.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.