الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
المجالس الطبية المتخصصة تتولى الكشف على مرشحى عضوية مجلس النواب
افتتاح المرحلة الثانية للمعامل المركزية الصناعية في ميناء السخنة
وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره القطري
محكمة الجنايات تقرر رفع اسم علي حسين مهدي من قوائم الإرهاب
وزير السياحة والآثار يفتتح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بالأقصر
عميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الازهر بأسيوط يفتتح المعرض الخيري السنوي بالكلية
أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025
"صحح مفاهيم".. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة
خبير بالأهرام: خطة ترامب لغزة تفتقد التفاصيل والضمانات الكافية
جمال نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بفلسطين رغم دعم دول كبرى لها
طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي
استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات
انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة
الدوري الألماني.. بوروسيا دورتموند يسقط في فخ لايبزيج
محمد صلاح يقود الهجوم.. تشكيل ليفربول أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي الممتاز
مستقبل وطن بكفر الشيخ يدفع ب4 مرشحين في القائمة الوطنية لانتخابات النواب 2025 | خاص
ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة
أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا
الأرصاد: غدا الأحد طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31
رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش الحوكمة الإلكترونية للتغذية بالمدن الجامعية
بدء مشاهدات الموسم الجديد من نوادي المسرح بثقافة الغربية
"بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية
خبير متاحف: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع سياحي بل بيت للمجتمع المصري
وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها
مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا
«شقوير» يتفقد المستشفى القبطي لمتابعة انتظام العمل وتطوير خدمات الرعاية
رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة
أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية
محلل سياسي: القاهرة تستضيف مباحثات حاسمة لوضع جداول زمنية لانسحاب إسرائيل
تأجيل محاكمة المتهم بقتل شاب من ذوى الهمم بالبحيرة لجلسة 7 أكتوبر
بطل رفع الأثقال البارالمبى: إقامة بطولة العالم بالعاصمة الإدارية حدث تاريخى
أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو
غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد
الصحة تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر قلب زايد بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب
وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب
السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو
منح النيابة حق التحقيق بدون محام يثير أزمة باجتماع مناقشة الاعتراض على "الإجراءات الجنائية"
حريق هائل بمصنع بلاستيك في العاشر من رمضان
وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين
" سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات
الري تحسم الجدل حول غرق المنوفية والبحيرة بسبب فيضانات سد النهضة
إصابة 5 بينهم 4 أطفال في انقلاب سيارة ملاكي بالوادي الجديد
محافظة الإسكندرية تتوج بجائزة سيول للمدن الذكية
قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية
وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن
اليوم.. مستقبل وطن يستقبل الأحزاب المشاركة بالقائمة الوطنية استعدادا للانتخابات
موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟
ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح
هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر
بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس
تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري
تعرف على أسعار الأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا
دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا
موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه
وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني
اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
عبدالرحمن الابنودى
قنديلة....إلي فاطنة قنديل، التي أنّثوا القنديل إكراما لها...!! «عبد الرحمان..!!«
لوحات الفنان محمد الناصر
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 10 - 03 - 2015
عاشت وماتت فاطنة أب قنديل وهي لا تعرف العام الذي ولدت فيه ولا العام الذي ودعت فيه الحياة ولا أي عام آخر. عاشت عمرها وكأن الحياة عام واحد، وقت يتكرر، لا تدري متي تعلمت تضاريسه الداخلية ولا من علمها ووهبها تلك المنحة العبقرية في تقسيم هذا الوقت الذي يتكرر. لابد أنها (ست أبوها) أو كل ست أبوها أخري فكلهن لم يعرفن أن للدنيا شهورا افرنجية كيناير وفبراير وأغسطس ونوفمبر.
لم يعرفن سوي أسماء الشهور القبطية كأمشير وبرمهات وبرمودة وكهيك. لكنهن كن يعرفن أيضا رجب وشعبان ورمضان وذا الحجة. لم تكن معرفة فاطنة أب قنديل لهذه الشهور بصفتها محطات تتوالي حتي ينقضي العام ليأتي العام ولكن لأن هذه الشهور تحوي مواسم سرعان ما تأتي فتعرف من عاشوراء أنها في شهر »المحرم« فتسارع رغم الفقر الشديد في توفير المواد اللازمة لصنع هذه »العاشورة«. ومنذ وقت مبكر تزقق فراخ البط أو الرومي بصفار البيض وأوراق البصل الأخضر الخضراء لكي يخرج من هذه الأفراخ ذكر البط الذي سوف تذبحه في موسم نصف شعبان حين يحين أوانه بعد أشهر.
عَرفت فاطنة الزمن علي أنه فصول، والفصول علي أنها مواسم، وارتبطت شديدا بالشهور القبطية التي لا تخطيء فيها مطلقا والتي تسهل عليها التعامل مع الأزمنة والسنوات شأنها في ذلك شأنهن جميعا. لذلك كانت مسيحية في احتفالاتها فرعونية في مقدساتها، عربية مسلمة في عقيدتها. ففي مواسم الاحتفالات المسيحية كانت تضِفُر أعواد القمح الغض لتنشر فوقها السنابل كالمروحة تعلقها علي باب البيت لتظل عاما كاملا حتي يشب القمح الجديد. وفي أربعاء »أيوب« كانت تُنْبِّت النبِت. تضع الفول اليابس في الماء حتي ينتفش قليلا فتفرغ ماءه وتترك البلل والليونة تفعل فعلها لتبدأ الفولة تتكون كالجنين الذي ينبت له ذراع وساق، وفي الوقت المحدد تضع منه في غلَق الباب كبُْشَة، وفي كل طاقةٍ كبشة، وقبيل أعياد الميلاد، تبل القمح بنفس الطريقة فإذا ما زرّع نشرته علي ملاءة أو حصير نظيفة حتي يعود لجفافه القديم، ثم تجلس في قلب (السُّوباط) تحتضن ساقاها الرّحَي لا تكل ولا تمل حتي يصبح القمح طحينا، تعجنه بالماء وتخرط فيه الخميرة التي عجنتها بالأمس، وقد ارتفعت في ماجورها الصغير واكتسبت طعمها اللاذع وتحرك الخليط بمفرفتها الخشبية بعد أن تضيف إليه غلّلات الحلبة والشمار لتترك كل ذلك للتخمر وفي الصباح تشمّر أكمامها لتضيف إليه الماء وتعمل فيه جاهدة مرة أخري بمفرفتها إلي أن يتفكك يساعدها في ذلك احتفاظ الطحين ببعض نخالته، وبعد يوم آخر يصبح السائل السميك خمرا تفِّرق منه علي جيرانها يحتسونه بالسُّكَر أو بدونه، ونشرب منه نهارا جهارا وننتشي. وبعض الخبثاء الكبار من أبنائها كان يحتفظ بنصيبه في ماعون بمكان قصي لا تصل إليه يد أو عين حتي تحتد لذعته فيصبح خمرا حقيقية، تتندر عليهم في براءة حين تراهم يتطوحون من السُّكر »الحلال«. وفي أعياد المسيح كانت تدبِّر القروش ثمنا للشموع والبرتقال وأعواد القصب والصلبان الجريدية ليشارك أولادها نصاري القرية في رفع الصلبان المضيئة في عيد ميلاد سيدنا المسيح!! هذا ولم يخطر ببالها يوما أن تسأل: »في أي الأعوام نحن« فلم تكن تعلم أن للسنين أرقاما بل هي الحياة كتلة واحدة تذهب المواسم لتعود لذلك عاشت ورحلت دون أن تعرف عمرها وكم قضت علي هذه الأرض. لقد أدت صلاتها بالآيتين اللتين حفظتهما. ظلت تكررهما في كل صلاة منذ أول مرة وقفت فيها بين يدي الله إلي آخر مرة أدتها وهي جالسة بعد أن لم تعد الركبتان بقادرتين علي حملها. كانت تحمد الله بعد الصلاة وبعد الطعام وبعد شرب البوظة وبعد أن يعود ابن من أبنائها، في السراء والضراء، وحتي بعد أن تتثاءب.
تزوَّج الحاج قنديل من ست أبوها. كانت امرأة حية نشطة مؤمنة حادة الطباع في رقة. تعمل كالرجال وتملأ البيت الكبير بالحركة والصخب. أما الحاج قنديل، فقد كان رجلا مهيبا فاضلا يحترمه الكبير والصغير في القرية ويعملون لغضبته ألف حسب. كان حين يهل من علي رأس (الدرب الطويل) يتنحنح بصوته العميق الآمر فيسمعه الناس من أول الدرب إلي آخره. فتردّ النساء أبواب الدور ويتسترن، ويتوقف الأطفال عن اللعب حتي يسمعوا باب البيت العريض ذا الضلفة الواحدة المكونة من ألواح خشبية متراصة لا ينفذ من بينها الهواء يزيقّ تزييقته المعروفة المعلنة فتعود النساء لفتح أبوبهن وتبادل سمرهن ويرجع الأطفال إلي لهوهم الذي انقطع.
تزوج قنديل من ست أبوها بعد أن بني هذا البيت المهيب. كان البيت أربعة قراريط هندسها قنديل. قيراطان للبيت، وقيراطان للكرم. أما البيت الذي يقال إنه حمل مواده علي كتفه العفي فإنه يتكون من ديوان للرجال مرتفع في منتصفه مدخل لا باب له، تنزل من عتبته إلي (السوباط) المسقوف جيدا بأنصاف النخيل القائمة علي سيفها والتي تحمل جريد النخل المضفّر بالحبال التي لم تفقد متانتها لأكثر من تسعين عاما، وسطح طيني سميك حَمَلته »فُلوُق« النخيل وحزم الجريد جيدا مما سمح ببناء حجرة فوقه أطلق عليها اسم الغرفة يصعد إليها الصاعد بسلم طوبي كُسِي بطبقة طينية، وأمام الغرفة كانت هناك تلك المساحة المسورة المكشوفة التي كانت فاطمة أب قنديل ترشها صيفا بعد العصر لتفرش حصيرا تستلقي عليها ليلا تقرأ النجوم وتفكر في خلق السموات والأرض وتتأمل بدهشة بريئة أفعال الرب.
كان »السوباط« هو الملاذ ومخزن الظل في نهارات الصيف القائظ في أبنود. كان يكفي أن يرش بجرة ماء ظهرا ليصير رطبا رحيما ليشتد فارق الحرارة بينه وبين الفناء درجات ودرجات.
أما «الديوان« الذي إلي جوار الباب فلأنه بلا منافذ سوي ذلك المخرج الذي يقود إلي »السوباط« فكان الموقد الشتوي الدافيء حيث يشتعل المَنْقَد، وتُشْوَي »خبائط« »الذرة العويجة« ذات الطعم المسكر في ذلك الزمن الذي كانت كل نباتات الأرض وهباتها تعلن عن طعمها الخاص وكأنها تتسابق من أجل الفوز أو الصاق الطعم في اللسان والذاكرة.
كذلك بَنَي قنديل الحاصلين المتجاورين يتجه باباهما نحو البحري فقد قرر ألا يبني غرفا أخري إلا حين تجيء له »ست أبوها« بجيش الأولاد في السنوات المقبلة. خلْف السوباط بني الفرن ثم بني سورا صغيرا يفصل البيت عما يسمي »بحري« وهو مكان شونة التبن وحظيرة الماشية التي كان يحلم باكتظاظها لتطعم أبناءه لبنا وسمنا.
هذان هما القيراطان اللذان بني عليهما البيت.
أم القيراطان الآخران فقد أقام سورا بطول البيت يفصل بينهما، تدخل إليهما من باب صغير في منتصف السور أطلق عليه (باب الكرم) لابد لمن أراد المروق منه أن ينحني شديدا، وكأنه صنع خصيصا لدخول وخروج الأطفال. أما السور فقد غرست فيه بمهارة وعلي امتداده «قفاع« الجريد الشوكية في أعلاه ليشكل حاجزا عسيرا لمن يحاول اجتيازه إلي داخل البيت سواء كان إنسانا أو وحشا.
لقد فكر قنديل في كل شيء ببصيرة وبنظرة عميقة إلي المستقبل. فقط بني (أصفاطا) طينية كبيرة وصغيرة زرعها في أماكن عديدة من فضاءات قيراطي البيت راعي في اختيار أماكنها أن لا تعوق حركة البشر أو الماشية وألا تضيق فراغات البيت علي الناس في المناسبات والأفراح وبالذات حين يكبر الأبناء ويتزوجون أما النصف الثاني من البيت فقد أطلق عليه اسم (الكرْم) وقد زرع به ستة عشرة نخلة.
تزوج »قنديل« من »ست أبوها« في عرس متواضع، اجتمع الرجال وزغردت النساء وعلت أصواتهن بالأغنيات التي كبرت معهن، وعقبال المحبين، وامتد منديل النقوط ليمتلئ بالريالات والبرايز الفضة بل والقروش، وهلل المهلل بأسماء المنقطين ومبالغهم كي تُّردَّ في مناسباتهم السعيدة المقبلة، وجيء بست أبوها علي جمل من حيّ الحدادين إلي الدّوب الطويل. كانت نحيلة بشكل لافت لكن الوجه كان مليحا والعينان مشعتين بيقظة لافتة أيضا، بينما لبس قنديل ملابس فاخرة: قطنية وعباءة سوداء غالية أتي بهما من السويس وحذاء إنجليزيا اشتراه من لصوص كامب الإنجليز، وعمامة ذات شاش نظيف فوق طاقية مخرزة بثقوب ذات أنساق هرمية تستقر علي خطين متعرجين يرمزان لماء النيل كما ورد في رسوم الفراعين.
صعدت السلم الذي يفصل بين السوباط والحاصلين وبعد أن استقرت صعد قنديل. سمعت النسوة صهيل نحنحته قادمة أسفل السلم فودّعن العروس ونزلن ليصعد قنديل إلي الغرفة وليلقي بعد ساعة بمنديل الدم ليهلل الأهل ويغنون أغنية »البكارة«:
قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشي
بنتك أصيلة نوّرت الفَرشة
قولوا لأبوها إن كان جعان ياجي ياكل
بنتك أصيلة.. نورت الحاصل.
لم يكن هناك أب ليتعشي ولينظر إلي السماء شاكرا بنته التي حافظت علي شرفه.
في صباحيته نزل »قنديل« نشطا شأنه دائما في كل صباح وكأن جديدا لم يجد. خلع ملابس الأمس وظل بسرواله الطويل وصديريته القطنية. فتح باب الكرم وانحني ودخل. جلس في ركن يتأمل المساحة الخالية ويرسم في مخيلته ويهدّ. يغير المكان ويحتوي المساحة في عينيه من جديد، وحين جاء الطعام من بيت العروس أصر علي جلسته وعلي مشاركة الزائرين له طعامه.
في اليوم التالي جاء بالرجال فعملت الفئوس في نزع طبقة تزيد علي النصف متر من تربة القيراطين فتكومت جبال عدة من تربة الكرم الخصبة. أتي بأحمال التبن وبالملائين واشتغل الطوابون في دق الطوب بينما الرجال المختصُّون بدأوا في فحت البئر وجعلوا من ترابها جبلا خاصا دق طوبه طوابون آخرون متخصصون.
حين جف الطوب اشتغل البناءون في الصعود بذلك السور المهيب حول البيت بأكمله فارتفعت الجدران كأنها المعبد لتحيط بالبيت من جهة جنينة علي غزالي المزروعة رمانا وبلحا وليمونا وهو الجانب البحري الذي تقع تحته الشونة والجانب الغربي الذي يجاور بيت »أبو العلا« والجهة الشرقية التي تفصل بين الكرم وبيت »الحساني« وهو »حلبي« استقر في أبنود وعاش هو وأبناء عمومته في هذا الطرف النائي من القرية ويعيشون جميعا علي صيد الأسماك من النيل يبيعونها لبائع السمك الوحيد في القرية الذي كانوا يشكلون مصدره الوحيد، وكنت تراهم الحساني وتمساح وحسن يشقون الدروب في الصباح بسنانيرهم ذات الغاب الطويل ليعودوا بالرزق بعد العصر فكان سمكهم يشكل العشاء لمن يشتريه وأبدا لم يأكل أحد في هذه القرية سمكا علي الغداء إلا لو اصطاده بنفسه.
أما الجانب القبلي من البيت فلم يكن في حاجة لسور إلا في الجزء الخاص بالكرم فجدار الواجهة كان يمتد من عند الباب مارا بالحاصلين حتي السور الذي يشكل «الزرّب« الفاصل بين البيت والكرم. لذا استكمل البناءون الجزء المتبقي والممتد من جدار الحاصل الشرقي حتي لامس طرف السور عند بيت الحساني صياد السمك.
تم بناء السور كله بالطوب الأخضر بمونة الطينة المعجونة بالتبن والماء، وكان قنديل خبيرا بالبناء وأشرف علي كل ذلك بنفسه، ينهر المتكاسل، وينبه إلي نقصان المواد في الخلطة. كان الرجال يرتعدون من زمجرته وصوته الرهيب ويعملون له ألف حساب. لكنه في ميعاد الطعام كان يجلس بينهم متواضعا كريما ضحوكا يهش الغربة ويتأكد من أن بطونهم امتلأت.
أما ست أبوها فلم تكن تسلك كعروس. منذ صباحيتها أيضا نضت عن بدنها الثياب الملونة وأشرفت علي بناء الغرف وأمرت بجلب »الوقيد« وأحمال البوص واشترت مواجير وزعافات قبرم وطواجن وصفحات وصحون ونزلت إلي العمل تثبت لرجلها أنه لم يتزوج بخاملة كسولة. تخبز وتطبخ للرجال وجاءت »يامنة أبو العلا« و»بزادة« جارتاها ليساعدانها وحين تذوق قنديل طعامها أدرك أن لست أبوها »نفسا« في الأكل وأنه تزوج المرأة المناسبة فقد لفت نظره نشاطها غير المفتعل وحرارة الجهد المخلص والمشاركة الواجبة الأصيلة وكان يحس بسرور خفي حين يمتدح الرجال الخبز والطعام والشاي.
استغرق دق الطوب وجفافه وقيام السور شهرا كاملا كان قنديل يعود إليها في كل ليلة يستحم في الحاصل، تضع له الطشت والليفة والصابونة وحلة الماء الدافيء النحاسية وتنصرف إلي نفسها. لكنها رويدا رويدا بدأت التلكؤ وهو ينزع عنه الجلباب الترابي، مرة بحجة الملابس المتسخة، ومرة بحجة نسيان شيء في الحاصل. أدرك قنديل ذلك فبدأ يطلب منها صب الماء علي رأسه، ثم طلب منها أن تحك له ظهره بالليفة وترك يدها تسقط حتي آخر مؤخرته ولمست أشياءه مرة دون قصد ثم لمستها بقصد، وبعد أن يجفف جسده كانا يصعدان إلي الغرفة بعد أن تكون قد سبقته في الحموم.
حين جف طوب تراب البئر بني الطوابون (قميرا) رصوا طوبه بنظام صارم رقيق محسوب. تركوا في داخله فتحات أشبه بالأنابيب وأبوابا سفلية يدخل منها بوص الحرق الذي أتي به الجمال أحمالا هائلة وكان يلقي إلي داخل الكرم من فوق سور الزرب الشوكي إذ لم يكن باب الكرم الصغير يصلح لذلك.
أما حجارة الجير فقد أدخلوها بالمقاطف وفرشوها علي سطح (القمير) ووضعوا البوص المشتعل في الأبواب السفلية حتي التهم القمير ولثلاثة أيام جبال البوص التي لم تترك شبرا عاريا منها علي طول القيراطين اللذين يشكلان مساحة الكرم. تصاعد الدخان في سماء القرية في الوقت الذي كان »علي النجار« يحول ساق الجميزة العريقة التي اشتراها قنديل من نجع »الفارسي« إلي ألواح ليشكل من هذه الألواح (خنزيرة) دائرية عاشق ومعشوق دون استعمال »مسامير حدادي«. كان ينظر إلي المستقبل البعيد، لبئر ستعيش إلي الأبد لذا اختار الخنزيرة من خشب الجميز، إنها خبرة الفراعين التي تركوها للأحفاد، فهو الخشب الوحيد الذي يتعامل مع الماء، لا يطرده، بل يمتصه فيزداد صلابة، لا ينتفش فالانتفاش يعني الانفجار. آبار أبنود القديمة التي بنيت منذ قرون مازالت جديدة كأنها بنيت أمس.
كانت ست أبوها تنظر لرجلها الجديد بهيبة من اكتشفت أنها تزوجت ماردا قادرا علي تحقيق كل شيء. منذ اليوم الأول أدركت ببصيرتها أن قنديل مختلف. يعرف ما لا يعرفون. لا يسأل أحدا. يعطي الأوامر فقط ويراقب تنفيذها بدقة. رأت الأسوار تعلو ورأت البيت يتحول إلي قلعة. رأته يدور مع جدران السور العالي تأمله ويلمسه بكفه الحانية، وحين يحس بها إلي جواره يخاطبها دون أن ينظر نحوها أو يرفع عينيه عن البناء: »بيت أولادي وأولاد أولادي، يا لله
»شدي حيلك« تلملم نفسها في خجل وتتسحب خارجة من باب الكرم الصغير، لم تكن مضطرة لانحناءة كبيرة فقد كانت قصيرة وكأنه بني »الزَّرْب« وغرس فيه باب الكرم علي مقاسها قبل أن يراها.
نضج »قمير« الطوب. ترك أياما سكت بعدها عن نفث الدخان المتصاعد. ترك أياما أخري ليبرد بعد أن تحول الجير إلي تراب. كانوا قد سدوا مداخله وفتحات التهوية، نكشها بنفسه ليعيد فتح شقوقها ليتسرب الهواء إلي داخل المسارب حتي اطمأن إلي برودة الطوب الناضج. أمرهم بفك القمير ورصّ الطوب حول الهوة العميقة. جاء بكبش ليوم دق الخنزيرة، حين رأي الرجال الكبش استعر حماسهم. تحزموا بسلب الحبال وأحكموا ربطها حول خصورهم. قرأوا »الفواتح« ورفعوا الأكف للسماء. ربطوا السلب في قلب دائرة الخنزيرة الثقيلة التي سوف تحمل البنيان. الرجال الآخرون بدأوا في زحزحة الخنزيرة ودحرجتها نحو حافة الفوهة السوداء العميقة. كان صوت قنديل هو الذي يقدر المسافة ويعلنها. نصف الخنزيرة يغطي نصف الفوهة حين أمر نصف الرجال الذين يرفعون الخنزيرة أن ينضموا إلي اخوانهم المربوطين في السلب. اثنا عشر رجلا مربوطون بتلك الحبال الغليظة المتينة التي هي حبال مضفورة مع حبال. ولأول مرة تسمع ست أبوها زوجها يغني بصوته الرهيب ويرد عليه الرجال في تناغم حار رهيب كابتهالات العيد:
هيا هيلا
صلي علي النبي
يا مهّون
وحياة النبي
والدبة
وقعت في البير
وصاحبها
راجل خنزير
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
يوميات الأخبار
هكذا ولدتُ
يوميات الأخبار
هكذا ولدتُ
يوميات الأخبار
ورحلت فاطنة ..!!
يوميات الأخبار
ورحلت فاطنة ..!!
الخال يروى سيرته .. الحلقة الرابعة .. الأبنودى: سرقت كرسى القسيس لأنى وجدته مناسباً لمكتبى.. ولم يخب ظنى أبدًا بفضل بَركة القسيس!!
أبلغ عن إشهار غير لائق