في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عانت أم كلثوم (1898 - 1975) بسبب إصابتها بمرض فرط نشاط الغدة الدرقية، وكان العلاج المتاح وقتذاك الاستئصال الجراحى للغدة، لكن هذا الحل كان سيؤثر على عصب الحنجرة، بما يهدد كوكب الشرق بفقدان صوتها، لذا اضطرت للسفر إلى الولاياتالمتحدة للعلاج في مستشفى البحرية الأمريكية، وبعد نحو 40 يومًا زارتها «آخرساعة» في المستشفى.. كواليس الزيارة التى نعيد نشرها بتصرف محدود فى هذا التقرير، تكشف مفاجأة عن بدء تعلم أم كلثوم للغة الإنجليزية أثناء فترة تواجدها في الولاياتالمتحدة. بدأت أم كلثوم تعليمها حين كانت طفلة في كُتّاب قريتها «طماي الزهايرة» بمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وكان شقيقاها يتعلمان بالمدارس، والتحقت هى الأخرى بالمدرسة لكن نظرًا لضيق ذات اليد خرجت منها ليكمل شقيقها الدراسة. ورغم مغادرتها المدرسة كانت أم كلثوم متمكنة من قراءة وكتابة اللغة العربية الفصحى، وتقرأ وتحفظ وتجوِّد القرآن، الذى يعتبر أهم العوامل التى ساعدتها على غناء القصائد الفصيحة. ◄ حوار «البرافدا» وتردد كثيرًا أن علاقة أم كلثوم باللغة الإنجليزية كانت «ضعيفة جدًا»، وكانت لا تجيدها، ويستدل البعض على ذلك بواقعة حدثت قبل وفاتها بخمس سنوات، وتحديدًا فى عام 1970 حين طلب مراسل جريدة «البرافدا» الجريدة الشهيرة والأولى بالاتحاد السوفيتى وقتذاك إجراء حوار صحفى مع كوكب الشرق، ما دفعها لأن تطلب من سعد الدين وهبة أن يحضر معها جلسة الحوار ليتولى الترجمة، وبالفعل كانت تسمع ترجمته وتراها أقل من كلامها فتقول له: «هو أنا بعُك فى الكلام؟»، فرد عليها سعد: «ليه يا ست، كلامك عظيم وإجابتك موفقة»، فعلقت: «بحسب.. عشان أنا بلاقى كلامك بالإنجليزي قليل، لكن أنا كلامي بالعربي كتير»، فضحك سعد وهبة وقال لها: «العربية بحرها واسع، ويلزمها أحيانًا اختصار لمّا نحولها إلى إنجليزية».. ورغم عدم إجادة أم كلثوم الإنجليزية فإن المعلومات المتوافرة عنها تشير إلى أنها كانت تتحدث الفرنسية بطريقة جيدة نتيجة زياراتها الكثيرة إلى فرنسا، وإقامتها حفلات شهيرة هناك، حيث أصبح لها جمهور من الجاليات العربية ومن الفرنسيين أيضًا. ◄ اقرأ أيضًا | 6 أفلام صنعت أسطورة أم كلثوم في السينما.. حكايات نادرة من رحلة الكوكبَة على الشاشة ◄ بداية تعلمها الإنجليزية لكن الرجوع إلى أرشيف «آخرساعة» يقودنا إلى معلومة جديدة تشير إلى بواكير رغبتها فى تعلم الإنجليزية، حيث بدأت كوكب الشرق هذه المحاولة قبل نحو 22 عامًا من وفاتها، وكان ذلك تحديدًا خلال الفترة التى قضتها بالولاياتالمتحدة للعلاج فى أكبر المستشفيات الأمريكية، وحملت كواليس زيارة المجلة لها فى المستشفى هذه المعلومة فى سياق تقرير مقتضب عنها. جاء فى التقرير أن أم كلثوم جلست في الساعات الأولى من الصباح فى الصالون الملحق بحجرتها الخاصة فى مستشفى البحرية بواشنطن توجه رسالة إلى ملايين المعجبين بها فى أرجاء العالم العربى. وكان حول أم كلثوم عشرات من المصريين الذين يعيشون فى أمريكا.. وتردد على صالونها عشرات آخرون من العرب الذين يزورون واشنطن أو يقيمون فيها.. وتلقت ألوفًا من الرسائل والبرقيات تحمل لها التهانى بالعيد.. هذا كله غير مئات من المحادثات التليفونية التى تلقتها من القاهرة وعواصم العالم العربى. وجلست أم كلثوم وسط هذا كله سعيدة مرحة، فيما تحمل «آخرساعة» رسالتها إلى ملايين المعجبين فى العالم العربى. ◄ رسالة أم كلثوم وقالت أم كلثوم: لقد كنت أظن أن الناس فى مصر وفى العالم العربى كله إنما يعجبون بى من أجل غنائى لهم، ثم مرضت وتوقفت عن الغناء، وإذ بى أكتشف حقيقة أسعدتنى وملأت قلبى بالأمل، لقد اكتشفت أن هؤلاء المعجبين كلهم إنما يهتمون بشخصى أكثر مما يهتمون بغنائى.. إنى سعيدة بألوف الرسائل التى تصلنى كل يوم، وأكثرها من أفراد لا أعرفهم شخصيًا، ولا يعرفوننى شخصيًا، لم يسبق أن التقينا إلا عن طريق غنائى، وإعجابهم بهذا الغناء. واستطردت أم كلثوم: أقول لهؤلاء إنهم هم وحدهم وقبل كل شيء ساعدونى على الشفاء، ولسوف لا أنساهم ما حييت. وسكتت أم كلثوم ثم قالت: إذا كان هؤلاء الناس قد سعدوا من قبل بما كنت أغنى لهم، فإنى أدعو الله أن يعجّل بعودتى إليهم وقد زالت عنى كل آثار المرض، وعندئذ سأغنى لهم أكثر مما غنيت عشرين مرة. ◄ سعادة ومرح وكان بجوار أم كلثوم طبيبها الخاص الذى جاء معها من القاهرة الدكتور أمين حسن، الذى قال: لقد مرت أم كلثوم بمرحلة الخطر بسلام بسبب العلاج الخاص بالذرة، وتقرر أن تخرج من المستشفى لتتردد عليه بعد ذلك مرتين كل أسبوع فقط. وتدخلت أم كلثوم فى الحديث فقالت باللغة الإنجليزية التى بدأت تتعلمها عندما جاءت إلى أمريكا: «لقد كان كل شيء يسير على ما يرام.. لم يكن هناك ألم ولا تعب.. وكنت أشعر أنى أعيش فى أحد مستشفيات مصر، حيث يعرفنى الجميع ويعاملوننى معاملة طيبة».