إلي فاطمة قنديل .. التى أنثوا القنديل إكراما لها !!.. «عبد الرحمان..!!« كان صوت قنديل رخيما عميقا أحست كأنه يصعد من قلب البئر. وقفت في أعلي السلم علي سقف الحاصل ترقب المعجزة التي تتم في الكرم. قفزت من السطح الغربي يامنة أبو العلا، ثم سكينة، ثم بزادة، ثم.. ولم تحس بهم ست أبوها فقد كان قلبها مربوطا بسلبة إلي صوت رجلها وكانت تحس بخشونة الحبل وهو يحز قلبها حزا، بينما كانت عيناها علقة بالخنزيرة التي تميل ببطء نحو الحفرة التي بدت سوداء أكثر من ذي قبل. أصبحت النسوة كتلة متلاصقة سوداء يدعين في سرهن فقد كان الرجال هم أزواجهن أو آباءهن أو اخوتهن فكن يحملن نفس الخوف ويدعين نفس الدعوات. بينما توافد الرجال. دفعوا الباب ودخلوا دون استئذان، فكان رجال القرية جميعا جاءوا ليرقبوا الحدث الخطير، حتى »حسن سماعين« الأعمي أمر زوجته أن تقوده إلي حيث الرجال حيث أوقفته إلي جانب الباب الصغير من داخل الكرم وعادت مهرولة تلثم وجهها خجلا من الرجال لتصعد السلم الطوبي إلي سطح الحاصل منضمة إلي كتلة السواد. بدأت الخنزيرة الثقيلة في الانزلاق. وبدأت الحبال تشد ظهور الرجال فيرتفع صوت قنديل محذرا مشجعا وقد شاب صوته قليل من قلق حاول أن يخفيه. ومع كل بيت من الأغنية كانت الخنزيرة تنزل بقدر معلوم ثابت. يا مصبّر.. صبِّر صابرينك اتحمل والمولي يعينك أهي هانت يالله يا رجالة تسلم لي همم الرجالة ويا خايف دهوس علي خوفك تتعشي.. من لحم خروفك كان الرجال قد نسوا الخروف، بل ونسوا أسماءهم، والبيت الذي يقفون في قلبه، صارت أعمارهم معلقة بين السَّلب الملفوف علي ظهورهم وبين كتلة الخشب الدائرية الثقيلة، إن أي تهاون أو لحظة سهو كفيلة بأن تسحبهم الخنزيرة معها إلي قاع الهوة فيقتلون. نزّ العرق، وسالت الدماء علي الظهور وظهرت بقع حمراء علي القمصان القطنية القصيرة. لا مجال للتراجع. إما أن تستقر الخنزيرة في القاع علي مهل وإما الموت. كانت النسوة يدركن ذلك، فوجفت قلوبهن وانتفضت أبدانهن فرقا ورعبا ولم يكن من شيء يبعث بعض الطمأنينة في هذا الجو الرهيب الثقيل المفزع سوي صوت قنديل الجهوري الذي كان يقود الرقصة المؤلمة بغنائه الرجولي. طالت البئر واستطالت كأنها مشوار لا سبيل إلي انقضائه وقد كلت الأجساد وتقوست الأعواد ولم يكن الغناء بقادر علي مواصلة عطاء بعض من القوة وقد خار الجميع وانبثقت الدماء بعد أن كانت بقعا. لم يكن علي قيد الحياة سوي قنديل ينظر إلي قاع البئر يقدر المسافة الباقية وهو مستمر في الغناء فيترجرج الصوت في الحفرة العميقة ليخرج منها أكثر ارتفاعا وحدة وتعددا فكأن ألف قنديل يغنون. أوقف قنديل الرجال بحركة من يده فتوقف الرجال المعلقة بهم الدائرة الجهنمية. صاح فيهم: «أين عزم الرجال»؟ ما لكم ترتعدون؟ باقي قصبة، راح الكثير ما بقي إلا القليل. الهمة يا شباب.. هيا...» الهمة الهمة من الله والقوة القوة علي الله يا منجي بفضلك نجينا بسلامة يارب ترسينا وينظر في البئر صائحا: ووصلنا الله يوصلنا حصلنا هوه يحصلنا وحين أحس الرجال بملامسة الخنزيرة لقاع البئر اندفعوا حتي كادوا ينقلبون جميعا داخل الهوة السوداء، وبالأيدي التي دميت بدأوا يفكون الأغلال، وحين أدركت النساء انتهاء المهمة انطلقت الزغاريد المتوترة عالية للسماء كأنها عويل جماعي واندفعن يهبطن السلم الطوبي نحو الكوانين يبحثن عن أواني كبيرة لصنع الشاي لكل هؤلاء البشر الذي ضاق بهم اتساع الكرم. بينما رقد الرجال كل في مكانه وقد امتص العرق ظمي الأرض، يتقلبون محاولين فك تلبكات الأجساد التي كفت مفاصلها عن الحركة وصاروا في لحظات مجرد مخلوقات طينية. أما قنديل فصاح: »السكين يا ست. الخروف يا ولد..» وعلي طرف الفوهة السوداء سمي باسم الله وذبح الخروف موجها الرقبة نحو القاع ضاغطا بركبتيه علي أرجل الكبش لتنبثق الدماء متجهة إلي أسفل نحو الخنزيرة..!! كانت المرحلة التالية هي الأكثر صعوبة وتوترا ورعبا، أشرف علي إتمامها خبراء من كل أطياف القرية زحفوا من »العجمية« و »الفارسي« والسواحلية و»النزيلة« وفد الرجال حبا في قنديل وحبا في العمل نفسه إثباتا للشجاعة والخبرة. جاءوا متطوعين، ربطوا أنفسهم في السلبة، سموا وتعذبلوا وتشهدوا وسلموا مصائرهم لصف من الرجال وانزلقوا إلي داخل الهوة التي تشبه قبرا يتسع لعشرين جملا، والرجال يفرطون في الحبل قبضة قبضة لينزل رجلهم تحت إشراف قنديل المفرقص فوق حافة الهوة كعمود الميزان بين الطرفين. هكذا نزل الرجال الأربعة واحدا إثر آخر كانت المياه الجوفية في الأسفل قد بدأت تتصاعد وغمرت ركب الرجال وكانت الخنزيرة قابعة هناك واقفة علي سيفها مستندة إلي طمي الجدار. كان لابد من عدلها علي الوضع الصحيح الوجه أعلي والظهر أسفل . وكان لابد من وسطنتها باستواء فلا يصبح جزء منها عاليا وآخر منخفضا، يدفسون الطين السائب تحت الجوانب الغاطسة ويطلبون من قنديل أن يرسل بعض كسر قوالب الطوب الحمراء فينزلها لهم في مقطف من الخوص المضفر عن طريق الحبال أيضا، ولم يعدم الرجال أن يجدوا في ظلام القاع لحظات للتفكه مطالبين بردمهم في هذا القبر دون تكلفة تكفين وتشييع وأصر أحدهم علي أنه المكان الوحيد الملائم للابتعاد عن »أم قويق« التي زوجه أبوه منها قسرا. كانوا يضحكون تطفر الدموع من عيونهم وهم يمارسون عملهم الثقيل، وكان اقتراب الآخرين من فم الفوهة يهيل عليهم التراب والحصي أحيانا فيصيح قنديل آمرا إياهم بالابتعاد صائحا: »أتريدون دفنهم؟ هل صدقتموهم؟ لقد ذبحنا الضحية. أمس ولم تعد البئر في حاجة لضحية جديدة« فتعلوا الضحكات من داخل البئر وخارجها مجلجلة عصبية إذ كان الجميع مهموما في كيفية جذب هؤلاء الرجال مرة أخري من القاع. بحصافته أمر قنديل بإنزال مقاطف الطوب الأحمر، وأمر من في الأسفل برصه من جانب واحد من البئر وهكذا بدأ من الأسفل يرصون الطوب في نظام محكم ليكونوا جدارا قويا بادئين من الاتساع للضيق مخلفين ما يشبه السلم علي الجدار الذي تجاوز ارتفاعه منتصف الحفرة. ثم بدأ الربط في السلب مرة أخري ليسحبوهم واحدا واحد ليظلوا لأيام طويلة يداوون الآثار ويكبسونها برماد الفرن المحترق الذي يلهب الجروح، وينامون في دورهم عراة يذب أولادهم وأزواجهم عن جلودهم جيوش الذباب، لا يستحمون ولا يقتربون من نسائهم في صبر عجيب تدربوا عليه طويلا، كان قنديل خلال ذلك لا يكف عن إرسال مئونتهم وأجرهم كأنهم مازالوا يعملون. نسيت ست أبوها حكاية أنها عروس. بل نسيت بيت أبيها وأهلها الذين لاحظوا تغيرها وانهماكها في عالم قنديل السحري، بل ان بعض خالاتها وعماتها غضبن واعتبرن أنها تتجاهلهن غير مدركين أنها كانت تحمل هم الرجال داخل البئر وخارجها، وخوفها وتوقعها لحدث قد يحدث فتنقلب الحياة إلي فجيعة، وحين كان جزء من الفوهة أو جدرانها يهيل ويسقط علي الرجال كان قنديل يصيح » أستر يارب« فتتزلزل جدران البيت الجديد ومعه قلب ست أبوها التي تسارع في قفز درجات السلم الطوبي إلي سطح الحاصل مرتعدة الفرائص تكشف شعرها للسماء داعية الرب أن يمنع وقوع البلوي، كما لا تهتم وهي بعد جديدة في بيتها بأن قدمها ناشفة ودخولها شؤم في بلد يزعجها ألا تمنح الألقاب، وما كان لديها الوقت أو روقان البال لشرح كل ذلك لأهلها الذين كانوا يدخلون ويخرجون دون أن تحس بهم. أو كانت فقط تشير لهم إلي مكان الطعام والشاي في هرولتها من هنا إلي هناك. أمهر بناء في بيت الطواب، هو الذي صعد بالجدران الدائرية للبئر نزل بالحبال هو ومساعده. كانت »المونة« تعجن في الأعالي وتنزل في مقاطف الخوص وتستقر علي السلالم الطوبية بعيدا عن ماء الأرض، بني دائرته الصاعدة في المنتصف مخلفا جزءا من الخنزيرة في كل الدائرة، تاركا مقدار طوبة فارغا علي بعد مدة رجل ليصنع منها مرقي للصاعدين ومنزلا للنازلين في المستقبل أنهي عمله في يومين فخورا بارتسام الدهشة علي وجوه الجميع. ظلت الهوة الدائرية حول البئر المبنية فارغة مفزعة. أمر الطواب ألا يقترب أحد منها حتي تجف جدران بئره. بعد جمعتين أشرف الطواب بنفسه علي إفراغ الرمال النقية من كل جانب حتي امتلأت الفراغات ولم يعد ثمة هوة قال: الرمال هي المصفي الطبيعي للماء كي يدخل البئر نقيا ونزل هو هذه المرة ولكن علي مراقي بئره المبنية دون جهد يذكر لنزح المياه المختلطة بطينة المونة ولم كل بقايا الطوب والحصي حتي بانت الخنزيرة من الأعالي في ضوء النهار كحجر الطاحونة الأبيض النقي. ثم بني الكتفين المهولين وركب »علي النجار« البكارة الخشبية ذات الأذرع الثمانية أربعة في اليمين وأربعة في اليسار، وعلق السلبة والدلو. كان قنديل أول من ذاق الماء. حين ذاق حلاوته شرب الدلو بأكمله وكأنه يغسل كل شقاء الرحلة وتوتر الرجال وآلامهم وتجشأ بصوت ارتج له الكون قائلا: النيل علي بعد خطوات، فكيف لا يكون بئر قنديل عذبا، ثم أنزل الدلو مرة أخري وأخرجه ودعا الرجال المتحلقين للشرب لإشهادهم علي حلاوة ماء بئر قنديل!! كانت لقنديل هواية انفرد بها وتفرد فيها دون أهل القرية جميعا، وهي أنه حين كان يأكل بلحة ويعجب بها وقد كان خبيرا في النخل والبلح، فإنه يحتفظ »بالفصا« أي نقي البلح. يمضغ البلحة جيدا ويمصمص »الفصاية« حتي تتخلص من كل سكرها وزوائدها، ثم لا يأنف أن يضعها في جيب صديريته لا يعير التفاتا لعيون القوم المحترمين من حوله وفيما بعد حين عرفوا السبب، بطل العجب، بل إنهم كانوا يفخرون بأن إحدي نخلاتهم شال قنديل »فصايتها« في جيبه. كان قنديل يختار أماكن زرع نقاياته ويغرسها بنفسه واضعا شق البطن إلي أسفل وظهر النثاية نحو الأعلي، وإذا ما التقي صاحب الحقل يوما أرشده إلي المكان الذي زرعها فيه وأوصاه بما يفعل. كان يعرف نخل قريته نخلة نخلة أسماءها فلكل نخلة في القرية اسم اكتسبته عبر رحلتها الطويلة. كان يميز جيد النخل من رديئه . كان يكره النخل الذي ينبت عشوائيا، أو نقل الفسائل من نخل رديء أو مجهول كان يشير إلي السنوات الطوال التي تلتهمها نخلة الصعيد حتي تطرح، وكان يقول إنه الخطأ الذي لا يمكن اصلاحه في قوم يعز عليهم اقتلاع نخلة الجدار المائل يمكن هدمه وبناؤه في يوم. أما النخلة المنتظرة لعشر سنوات والتي تمتد جذورها لتفسد من الأرض دائرة باتساع ظلها فيجب أن تكون جيدة بل ونادرة لتعوض بوار الأرض من حولها. يمر أحيانا في حقول الناس يرمق بابتسامة خفيفة ورضا قلب وامتنان لا حدود له عشرات النخلات التي غرسها بنفسه »فصاية« وتعهدها بطريقته الماهرة الماكرة التي لا يعرفها غيره في البلدة بل وفي البلدان المجاورة. سره الذي ألهم به في لحظة عشق خاصة للنخيل فقام يجربه ولما نجحت التجربة احتفظ بالسر لنفسه. أعد قنديل قيراطي أرض الكرمه للزراعة قسمهما أحواضا وجداول. أرض طينية عفية« رمي نيل« ليست في حاجة إلي تسميد أو تسبيخ كان واثقا من أنها سوف ترعي محصولها بنفسها.. رش الشعير في الأحواض ودهوسه وسوي التربة ثم اخرج من جيب صديريته نقي لبلح عدة كانوا كما هم: ستة عشر »فصاية« كان يعرف كل واحدة منها جيدا. يعرف أمها وأرضها وطعمها ونوعها . اختار الأطراف لبلحات الرطب، والأواسط للبلحات التي ستجفف علي أمها أو تنشر فوق سطح الغرفة في الشمس القاسية لتشكل الزاد السنوي. غرسها بعناية، البطن لأسفل، والظهر الذي في منتصفه النقطة متجها نحو الشمس والهواء. وضع مع كل »فصيلة« لقمة وكبشة حناء وملعقة سكر، ودعا لنخلاته بالعطاء والإفادة وطول العمر وردم بعد أن عرف الأماكن جيدا!! الشعير في نفس الوقت. تندفع اليه ست ابوها بالشاي، وفي موعد الغداء تقاسمه الجلسة واللقمة في ظل الناطورين اللذين يحملان البكرة الخشبية في رقمة الظل الوحيدة. حين احتشدت سنابل الشعير الحادة قوية مشرئية كثيفة حتي لم يعد ثمة نقطة من أرض الكوم إلا وحملت حملها. حملت ست ابوها حملها الأول. استبشروا واستبشرت واستبشر الأهل وأهل القرية، وجاءت »شكشكة« الداية حين دهم الوجع ست ابوها، وهكذا في ليلة في نهاية الشتاء جاءت الداية حين دهم الوجع ست ابوها، وهكذا في ليلة في نهاية الشتاء جاءت الي الدنيا »فاطنة قنديل«. اسمها فاطمة. عاشت وهي لاتعرف سنة ميلادها، وكان يؤرخ لها بحقل الشعير الأول، وظل اسمها وسيرتها دائما مرتبطين بالكرم. جاءت فاطمة بيضاء ذهبية الشعر عسلية العينين كأهل قنديل وست ابوها. فرح الرجل بالعطية، وأيقن من أن ست أبوها سوف تملأ فضاء هذا البيت الواسع بالعيال. ظلت ست ابوها في »الغرفة« الفوقانية ونزل قنديل ليبيت في الديوان الي جوار الباب الكبير. في النهار يستقبل الأحباب وفي المساء يلقي علي بدنه ببرده الصوف الغنمي وينام. جاءت (سَكسَك) أخت قنديل لتقيم في البيت بديلا عن ست ابوها التي انكمشت في غرفتها خوف عيون الحاسدين، فالطفلة كانت جميلة ومختلفة عن كل بنات البلدة، تلمع بلون فضي مجلو كأنها سمكة »شلبة« خارجة لتوها من الماء. لم تكن ست ابوها ترتاح لمرأي أخت زوجها وكان لأقدامها وقع ثقيل، ولنظراتها أسرار مستترة تترك خلفها شيئاً من القلق. كأنها كانت تحسد ست ابوها علي فوزها بأخيها الذي كانت الدنيا من حولها تضرب الأمثال برجولته وشهامته وكرمه وقدرته علي ليّ رقبة الرزق نحوه. كانت تبعدها عن مشاركتها عجينها وطبيخها بدعوي أن تستريح وأن علي الصغير أن يخدم الكبير فكانت الأخري تستنتج نفور ست ابوها اللئيمة منها وتحس بيدها الخفية تبعدها عن حياتها وخصوصياتها، وربما فهمت ايضا أنها تتباهي بزواجها من قنديل ملمحة الي ترملها المبكر. هكذا نبتت المسافة بين المرأتين دون إفصاح ودون صدام معلن تململت ست ابوها في مرقدها العالي. كانت تشعر وكان دبيب أرجل نسيبتها الحافية علي تراب الأرض يصعد اليها في غرفتها العالمية مسموعا غامضا ثقيلاً ينغّص عليها ساعات النفاس ولم يكن يمحو كل ذلك سوي ذلك الشعر الذهبي والعيون العسلية والوجه الباسم لتلك الحورية التي ترقد الي جوارها في سلام عجيب. وحين دخلت عليها غرفتها فجأة »شوُهرت» فانقطع الحليب عن الثدي وأكملت فاطنة رضاعها بحليب الماعز. وأبدا لم تغفر ست ابوها ذلك حتي بعد ان رحلت (سكسك) عن الحياة. وحتي مفارقة ست ابوها الحياة بعد ذلك بزمن طويل طويل!! كان قنديل دائما يقول عنها: »أبنود بلد للصحبة وليس للرزق. الرزق هنا ... ك« وكان يشير بإصبعه الي الشمال الشرقي ويرسل بعيونه كي يتبعوها فيعرفون أنه يعني السويس »هنا الصدر الواسع الرحب وهناك الجيب العمران هنا تسمع صوت المحبة. في الصدور، وهناك تسمع شخللة الفلوس قبل أن تتجمع من مصادرها لتستقر في جيبك« هكذا ومن فلوس الميناء اشتري أرض (نجع اب يوسف) وبني مقام »الشيخ سعيد« ملحقاً به بيت، وبني هذه الدار المهولة من أجل ست أبوها!! »بلاد مكتوب علي جبينها الهجرة، إن ظلت في مكانها ماتت. أهلها منجبون يفرحون بالطفل إذا جاء ولايحزنون لو رحل. مكان النتنه الميتة يضغطون بإصبعهم ليغرسوا الحبة الحية فتتعاقب النباتات في الظهور. لايملكون الوقت للحزن. يفجعون إذا ما اضطروا الي رهن أو بيع قيراط أرض في كارثة مفاجئة تحل. ذلك لأن القيراط الذي يذهب لايعود، أما الطفل الذي يروح فلا تكلف إعادته سوي فك تكة اللباس«.