حدث ما كان متوقعا، وتجاوزت أنشطة بوكو حرام حدود الأراضى النيجيرية، وبدأت تهدد الدول المجاورة مثل الكاميرون وتشاد، وأصبحت مثل الورم السرطانى الذى يتمدد فى غرب القارة الأفريقية، وفى حاجة إلى استئصال سريع وحاسم. وحالة الرعب من بوكوحرام، وهى الجماعة التى يعنى اسمها "التعليم الغربى حرام" ليست جديدة، فقد بدأت منذ تأسيس الجماعة رسميا قبل ستة أعوام، لكن قوة الجماعة الآخذة فى التعاظم، إلى الحد الذى تعبر فيه الحدود النيجيرية لمهاجمة قواعد عسكرية فى دول مجاورة وإبادة قرى بكاملها، كانت دافعا كافيا لدول غرب أفريقيا : نيجيريا والنيجر وكاميرون وبنين وتشاد، لكى تبادر بالتحرك لتكوين قوة إقليمية متعددة الجنسيات قوامها 8700 فرد من القوات العسكرية والأمنية، وحتى من المدنيين، لمحاربة هذا الخطر الذى يهدد الجميع على طريقة "داعش" فى المنطقة العربية، وهى خطوة إيجابية للغاية، وكانت مطلوبة منذ فترة طويلة، وبخاصة فى ظل التجاهل الغربى المتعمد والمريب لهذه الجماعة الإرهابية، التى بدأت بانتهاج حروب العصابات، وانتهى بها الأمر بعمليات ضد دول وعبر الحدود، مع اللعب تارة على وتر الدين، وتارة أخرى على وتر الانقسامات فى الجبهة النيجيرية الداخلية. فنيجيريا تعانى انقساما حقيقيا لا يمكن تغافله بين الشمال والجنوب، واللذين يبدوان وكأنهما دولتان داخل دولة واحدة، فالشمال يشعر بالتجاهل وضعف الإمكانات فى ظل ذلك الثراء الفاحش الذى ينعم به أهل الجنوب الذين تتفجر أراضيهم بالبترول، فضلا عن الانقسام الدينى بين الطرفين، حيث يتمركز المسلمون فى الشمال، فى حين يغلب المسيحيون على الجنوب. وحتى على الصعيد السياسي، فالرئيس جودلاك جوناثان، الذى يعتبر رئيسيا غير شرعي فى نظر الشماليين، هو الأقرب للفوز خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة التى تأجلت من فبراير الحالى لمارس المقبل، بسبب عمليات بوكو حرام، ليفوز بولاية ثالثة. كل هذا يدفع كثيرين فى الشمال - وفقا لتقارير مخابراتية - للتعاون مع بوكوحرام وتمويلها من أجل زعزعة حكم جوناثان، خاصة وأن الجماعة الارهابية لا تثير حفيظة الشمال فى ظل تركيز هجماتهم على الجنوب وكنائسه. أما على الصعيد الإقليمي، فلابد أن تكون هناك استراتيجية دفاعية واضحة المعالم ومتعددة المستويات إن كانت دول غرب أفريقيا ترغب حقا فى سرعة القضاء على بوكوحرام وحماية أفريقيا من خطر الإرهاب. فالحل لن يكون عسكريا فقط، لكن لابد من الأخذ فى الاعتبار عوامل أخرى أكثر تشمل الاقتصاد والعمل المخابراتى الجيد ومشاركة المجتمع، فضلا عن نوعية التدريب والتسليح الذى ستتلقاه تلك القوة الإقليمية، وإلا لن تسفر هذه الجهود إلا عن مزيد من القوة والثقة فى صفوف بوكو حرام نفسها. وفى هذا الصدد، تشير جينيفر كوك مديرة البرنامج الأفريقى بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية إلى أن أى محاولات للتصدى لبوكوحرام ستكون أكثر تعقيدا مرتين على الأقل من أى جماعات متطرفة أخرى كالقاعدة أو داعش مثلا، نظرا للطبيعة ذاتها فى غرب أفريقيا التى يغلب عليها الفوضى فى كل شيء، سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وتؤكد أن حكومة نيجيريا نفسها ما زالت تتردد حتى اللحظة فى إطلاع المجتمع على حجم الخطر الحقيقى الذى تمثله بوكوحرام، وهو ما يزيد الأمر تعقيدا ويجعل البلاد أكثر اقترابا من سيناريو الحرب الأهلية، ولا سيما بعد القرار الأخير بتأجيل الانتخابات الرئاسية. فالحكومة تؤكد أن قرار التأجيل لستة أسابيع جاء لانشغال قوات الأمن النيجيرية بالقتال ضمن صفوف القوة الإفريقية الإقليمية للقضاء على بوكوحرام، ومن ثم فإن هذه القوات لن تستطيع توفير التأمين اللازم للانتخابات، فى حين أن المعارضة تعتقد بأن التأجيل جاء لإتاحة مزيد من الوقت لجوناثان وحملته الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات، مؤكدة أن أى قوة إقليمية لا يمكنها فى ستة أسابيع إنجاز ما أخفقت فيه البلاد طيلة ست سنوات. وإذا انتقلنا إلى المستوى الدولي، سنجد أن الغرب - كعادته تجاه إفريقيا - يتجاهل منذ فترة طويلة مجريات الأحداث فى نيجيريا، بدعوى أنه لا يستطيع التعاون مع جيوش يراها تنتهك حقوق الإنسان، وهى حجة سخيفة، لأن الحرب على الإرهاب مقدمة على أى خلافات فى الرؤى وفرض القيم والمفاهيم، وهو نفس الخطأ الذى يقع فيه الغرب فى مناطق أخرى من العالم. ومن بين الأمثلة السيئة على تلك النقطة، إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى تلبية طلبات نيجيريا بالتعاون العسكرى والأمنى معها لمواجهة بوكو حرام، ومع ذلك، اكتفت واشنطن بالإعراب عن قلقها لمجرد أن الانتخابات النيجيرية تأجلت!وكل هذه التفاصيل المرتبطة بالمشهد الداخلى النيجيري، وعلى المستويين الإقليمى والدولي، تؤكد أن مواجهة بوكو حرام لن تأتى إلا من القارة الإفريقية نفسها، وبعد معالجة كثير من المشكلات الداخلية فى نيجيريا أيضا، والتى أدت لصعود بوكو حرام بهذه الطريقة. ولن تنفع إفريقيا أى حلول مستوردة، كما لن تنفعها المحاضرات والتعليمات الصادرة من العواصمالغربية. إذن، تأجيل الانتخابات النيجيرية ضرورة لالتقاط الأنفاس فى الداخل، وتشكيل القوة الأفريقية خطوة ناجحة لتنظيم صفوف دول المنطقة لمواجهة الإرهاب بشكل جماعى منظم، ويبقى فقط من الخارج أن يتعاون أو يصمت!