إن إصرار إدارة مجلة شارلى إبدو على إصدار عدد جديد وعلى غلافه رسوم مسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هو تصعيد خطير للإسلاموفوبيا التى كانت تقال همسا فى السابق أما اليوم، وبعد أحداث شارلى إبدو الدامية والتى نرفضها طبعا أصبحت تقال وتمارس علنا. وهنا فإن ما قاله شيخ الأزهر «المستنير» هو خير رد على ذلك وهو تجاهل هذه الرسوم! ولاشك أن دوائر العنصرية والتميز ضد العرب والمسلمين والإسلاموفوبيا، وتعنى الخوف المرضى غير المبرر من الدين الإسلامي، قد اتسعت وبات العالم، اذا لم يتم نزع فتيل هذه الأزمة بين الغرب والإسلام مهددا بنشوب حرب أديان قد لا تبقى ولن تذر. والحق أن أوروبا تخلط بين حرية التعبير والرأى والصحافة، وبين ازدراء الدين الإسلامي.. فلا أحد مع تضييق حرية الصحافة لكن لا أحد أيضا مع احتقار مشاعر مليار ونصف المليار مسلم.. ومن ثم فإن الأمر فى حاجة الى حكمة فى التعامل، ولا ننسى أن أيادى الإرهاب قد قتلت مع من قتلت حارسا ورساما عربيين! إذن العرب والمسلمون مستهدفون مثل الفرنسيين، سواء بسواء.. لكن ما نخاف عليه جراء تداعيات الأحداث الإرهابية، التى أصابت شارلى إبدو هو الجالية العربية والإسلامية فى فرنسا البالغ عددها نحو ستة ملايين شخص، بالإضافة الى 39 مليون عربى ومسلم فى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، ففى ألمانيا وقبل وقوع هذه الأحداث المؤسفة عمت مظاهرة ترفع شعار: لا لأسلمة أوروبا، وكأن الجالية العربية والإسلامية لا هدف لها سوى إدخال الأوروبيين الى حظيرة الإسلام.. وهذا غير صحيح! وفى الضواحى الباريسية التى يسكنها عدد من أبناء الجالية العربية والإفريقية، وسماهم «ساركوزي» عندما كان وزيرا للداخلية ب«الحثالة»، علقت إحد المقاهى ورقة مكتوبة باللغة العربية تقول فيها: ممنوع دخول السود والعرب والكلاب!، وهى قمة العنصرية التى تعترف بأنه لا توجد سياسة فرنسية رسمية، ترجمها كذلك لا توجد سياسة تمييزية ضد العرب.. لكن شعار هذا المقهى يدل على أن الممارسات الفردية (الكثيرة) لاتزال موجودة وتنذر بكثير من الشرور! أيا كان الأمر، فإن حادث شارلى إبدو قد ساعد فى طرح العلاقة بين الغرب والإسلام.. وأعاد مجددا السؤال: ما هو الإسلام.. ولماذا لم يحدث اندماج.. ثم ما هو الزوبان؟.. وللانصاف يجب أن نذكر أن جاك شيراك عندما كان رئيسا لفرنسا، اعترف أن حزبه لم يفعل أى شيء فى قضية الاندماج وقال أيضا إن الحكومات الاشتراكية وخصوصا فى زمن الراحل فرانسوا ميتران لم تفعل هى الأخري.. ومن ثم فإن معادلة الشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتفتا أهى الراجحة حتى الآن! لسنا نريد سكب مزيد من الزيت على النار، كما قد يحلو للبعض أن يقول ذلك.. ولكن بداية الحل يجب أن تكون «التشخيص الصحيح».. ووضع النقاط على الحروف دون مواربة.. فالمجتمع الفرنسى كرأى عام أكثر ميلا للعنصرية والتعصب.. والمجتمع العربى أيضا لم يأل جهدا للاندماج والحوار والتفاهم! أقول ذلك حتى لا يعتقد البعض أن الواجب سيكون فى هذه الحالة على الجانب الفرنسى فقط. ولست أنكر أن تداعيات حادث شارلى إبدو ستكون خطيرة أوروبيا.. فإسبانيا مثلا طالبت الاتحاد الأوروبى بإعادة النظر فى اتفاقية شنجن! والحق أن إعادة النظر هذه قد تجعل مستقبل هذا الاتحاد سيكون فى خطر لاسيما مع استيقاظ حركة المتشككين فى ماسترخت والرافضين للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو). أتساءل: وأين صوت العقلاء فى الغرب والدول الإسلامية.. على أوروبا أن تكف عن العناد.. وألا تخلط بين ازدراء الدين الإسلامى الذى يدين به ويحترم معتقداته أكثر من مليار مسلم، وبين حرية التعبير.. «فأنت حر ما لم تضر». إن فرنسا مستهدفة، دون شك، وقد حذرتها مصر كما حذرتها السعودية.. وكتبت التقارير الجزائرية تحذرها.. لكن الأمن الفرنسى لم يأبه لكل ذلك، فكانت الطامة الكبري.. لقد أكد مثنى وثلاث ورباع الرئيس السيسى أن الإرهاب الأسود لا دين له ولا وطن.. وانما هو آفة عالمية ومن ثم وجب أن تكون مكافحته عالمية أيضا. أوروبا، يا قوم، لم تعد فى مأمن، وها هى تدفع للأسف ثمن احتضانها للجماعات الإرهابية.. فها هى بريطانيا جنة الإرهابيين الإسلاميين، ترتعد فرائصها خوفا من تفجيرات إرهابية وكذلك واشنطن.. ولم يعد الشرق الأوسط معملا لتفريخ الإرهابيين كما كان الغرب يطلق عليه.. لا نسعى لتجزئة العالم ولن نكون سعداء بأن تكون أوروبا عدوة لنا فى جنوب المتوسط، فالبحر بيننا أداة اتصال لا أداة انفصال، لكن تنقية الأجواء مطلوبة بشدة لمصلحة شعوب العالم.. ومن ثم استعداء العرب والمسلمين بالرسومات المخزية لن يكون من الحكمة.. فالسحر قد ينقلب على الساحر كما علمتنا التجارب مع القاعدة وداعش وبيت المقدس والنصرة.. والسلام هو الأجدى لا العراك أو التطاحن.. وقبل أن يتحول الأمر الى كارثة وتصبح حروب الأديان واجبة وتتحول الأزمة الراهنة الى حمام دماء.. علينا أن نتعاون فى تجفيف منابع الإرهاب وأن تكف الدوائر العربية عن تسليح المعارضين والشواذ دينيا، فالمستقبل والسلام يجب أن يكونا ملك بنى الإنسان أينما كانوا!! لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي