هل صحيح أن هناك قيدا حديديا علي مصر يتمثل في تصور أن واشنطن وحدها هي المصدر الذي لا مصدر بعده للمعونة لمصر; وأن الخلاص من هذا الضلع من المربع الحديدي لا يأتي إلا من خلال التأكيد علي أن هناك مصادر أخري؟. القضية هكذا مغلوطة, وتضع العربة أمام الحصان لأن الضلع والقيد الحديدي هو هل لا بد لبلد مثل مصر أن تعيش علي المعونات الأجنبية ذ- وحتي عالمي. صحيح أن دولا أخري حصلت علي معونات ساهمت في خروجها من مأزق تاريخي حاد, فحصلت أوروبا الغربية علي مشروع مارشال حتي انتعشت ومن بعدها توقفت المعونة, وحصلت كوريا الجنوبية علي معونات من واشنطن بعد انتهاء الحرب الكورية ولكن المسألة كلها توقفت بعد أقل من عشر سنوات. ولكن الأمر في حالتنا طال حتي بات مهينا, سواء استخدمته أمريكا في الضغط علينا, أو حتي ظل ضامنا للسلام المصري الإسرائيلي, أو بقي علي حاله وكفي. لن نناقش هنا عما إذا كانت هناك مصادر أخري للمعونة أم لا, فقد جربنا المعونات السوفيتية ولم يكن فارقها كبيرا من حيث الشروط عن تلك الأمريكية. وزادت هذه الأخيرة أنها كانت أفضل نوعا, وأطول زمنا, وجاء منها تكنولوجيا قادرة علي المنافسة في السوق العالمية, والأهم أنها جذبت معها معونات أخري من باقي دول المعسكر الغربي مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وحتي كندا واستراليا والمؤسسات المالية الدولية من البنك إلي الصندوق. ولكن القضية ليست أبدا شروط وكميات المعونة, وبالتأكيد فإن مشهد الأسابيع الماضية في العلاقات المصرية- الأمريكية مما يرفع الرأس, ولكن أصل الموضوع كله هو متي تفطم مصر من الحاجة إلي المعونة الأمريكيةوالغربية والشرقية مثلها مثل بقية دول العالم التي لجأت إلي نفسها وعمالها وطاقاتها ومواردها الكثيرة. والحقيقة أنني أجد صعوبة كبيرة ليس فقط في فهم الطرح القائم علي وجود مصادر أخري للمعونة, بدلا من أن يكون هناك حديث جاد عن مصادر جادة للاستثمار, واستغلال ما لدينا من منابع للثروة تحدثنا كثيرا عنها, ولكننا وضعنا أمامها دائما عقبات ربما كان أهمها طريقة التفكير القائمة علي إدارة الفقر وليس تنمية وإدارة الثروة. الأولي تقوم علي دعم الفقراء أو تقديم المعونة, ومن ثم لا توجد مشكلة في أن يقوم وطن أيضا علي الدعم والمعونة. والثانية تقوم علي تحقيق التراكم الرأسمالي, وتخليص الناس من الفقر بخلاصهم من حياة الدعم بدخولهم حياة العمل. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد