حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أوكسفام: أرباح مليارديرات مجموعة العشرين في عام واحد تكفي لانتشال جميع فقراء العالم من براثن الفقر    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    ترامب يعلن عن لقاء مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب في البيت الأبيض    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    ياسر ثابت: واشنطن تلوّح بضغط سريع ضد مادورو... وفنزويلا مرشّحة لساحة صراع بين أمريكا والصين وروسيا    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رسالة علمية :المعونةسيف علي رقاب المصريين

‏ عجيب حقا الشعب المصري فإن إصالته المشهود لها دائما سواء من الاصدقاء أو الاعداء لاتظهر في أروع اشكالها الا في المصائب أوالمصاعب أو في الأوقات الصعبة, وعلي سبيل المثال فما إن برزت إلي السطح قضية التمويل الاجنبي الذي استهدف زرع الفتنة الطائفية ومانتج عنها بعد موقف قضاء مصر الشامخ منها من تهديد أمريكي بقطع المعونة عن مصر الا وقد تحركت المنظمات الأهلية ومعها الهيئات العلمية للجامعات لتعلن وبإصرار الرفض الكامل للموقف الأمريكي وطرح مبادرات لإلغاء المعونة الأمريكية ليس من طرفها ولكن برغبة مصرية.
فعلي الجانب الشعبي كانت مبادرة الداعية الشيخ محمد حسان والتي لقيت قبولا جماهيريا في الداخل والخارج والتي توجهت بتبني الأزهر لها بعنوان لاللمعونة الأمريكية والتحرر من قيودها ومواجهة ضغوط واشنطن.
وبالتزامن مع هذا الجهد الشعبي نجد هناك صوت أخر يخرج من الجامعة في صورة رسالة ماجستير تحت عنوان المعونة الامريكية هل من رؤية جديدة, وأثر برنامج المعونة الأمريكية علي التنمية البشرية في مصر وهذه الرسالة أعدتها الباحثة سارة محمد الخشن بمركز الدراسات المستقبلية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء, وأشرف عليها الدكتور جودة عبدالخالق وزير التموين والتجارة الداخلية والدكتور أشرف العربي مستشار وزير التخطيط والتعاون الدولي ونالتها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وشارك في المناقشة الدكتور محمود عبدالحي مدير معهد التخطيط سابقا.
الرسالة جاءت في موعدها لتضع النقاطة فوق الحروف في قضية قومية تشغل الرأي العام حاليا وتحدد المعونة مالها وماعليها.
قالت الباحثة:ان مصر تعد من اكبر وأهم الدول المتلقية للمعونة التي تتنوع مصادرها لمصر بين نحو35 جهة مانحة تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية حيث بلغ اجمالي قيمة المعونة الاقتصادية التي قدمتها أمريكا لمصر في الفترة1975 2010 نحو عن28 مليار دولار بنسبة نحو54% من إجمالي معونة الحكومات الأجنبية لمصر. كما أن مصر تعتبر ثاني أكبر دولة متلقية للمعونة الأمريكية بعد إسرائيل, حيث تقدم الولايات المتحدة معونتها لإسرائيل ومصر في ضوء قاعدة3 لإسرائيل مقابل2 لمصر. وفي معرض تقييمنا لبرامج المعونة الأمريكية, كشفت الدراسة عن أن المنافع التي يحصل عليها الجانب المصري ليست بالدرجة التي تروج لها دعاية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إذا ماقورنت بالمنافع الأكبر التي تؤول إلي الجانب الأمريكي من رجال أعمال ومصدري القمح وموظفي الوكالة وخبراء ومستشاري البرامج التنموية,ناهيك عن المكاسب السياسة. فبداية: تتميز المعونة الأمريكية لمصر بمجموعة من السمات الرئيسية التي تعكس الحقيقة أن المنتفع الأول من هذه المعونة هو أمريكا وليس مصر, ويؤكد علي ذلك مايلي:
أولا: المعونة الأمريكية لمصر أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية, ويدلل علي ذلك أن السنوات التي حدثتها تغيرات هيكلية وتغيرت فيها إستراتيجية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر مثلا عقب أحداث سياسية مهمة: مثل توقف المعونة الأمريكية لمصر عام1967 مع النكسة واستئنافها مرة أخري عام1976 مع ظهور نوايا السلام مع إسرائيل, ثم البداية الحقيقية لبرنامج المعونة عام1979 عقب توقيع اتفاقية السلام ومع البدء في تبني سياسات الانفتاح. وأخيرا التحول الكبير في إستراتيجية المعونة وتوجهاتها مع بداية الألفية الثالثة مع تغير النظرة الأمريكية الأولويات الإصلاح في الدول العربية والإسلامية. وهاهي تطرح من جديد فكرة وقف المعونة كسلاح ضغط علي الجانب المصري تزامنا مع قضية التمويل الأجنبي المطروحة حاليا.
ثانيا: المعونة الأمريكية تخدم الاقتصاد الأمريكي بالدرجة الأولي, فالمعونة الأمريكية تساهم في الحفاظ علي مستوي النشاط الاقتصادي الأمريكي وتسويق الفوائض الزراعية والصناعية والحفاظ علي مستويات التشغيل. وتعمل المعونة علي تغذية ودعم بعض القطاعات الأمريكية, من خلال قناتين رئيسيتين هما برنامج الاستيراد السلعي, والمعونة الغذائية, واللذان يحظيا بنصيب الأسد من إجمالي المعونة الأمريكية الممنوحة( يمثلا نحو60% من قيمة المعونة) ولايتم المساس بهما تقريبا حتي في ظل الاستراتيجيات الحديثة التي تهدف إلي خفض المعونة, ذلك لما لهما من عوائد إيجابية علي الاقتصاد الأمريكي. ومما يدلل علي ذلك أنه عندما قرر الكونجرس الأمريكي خفض المعونة لمصر, جاء الخفض كله علي حساب برنامج المشروعات دون المساس تقريبا بهذه البرامج. هذا إلي جانب المنافع التي تعود علي الاقتصاد الأمريكي من خلال امتيازات بعثة المعونة الأمريكية لمصر( وهي أكبر بعثة علي مستوي العالم) والإعفاءات الضريبية والجمركية التي يتمتع بها رجال الأعمال الأمريكيون حال عملهم تحت مظلة برنامج المعونة.
وأخيرا, فإنه ليس من الخفي أن جزءا ليس بالقليل من ارتباطات المعونة الأمريكية يعود مباشرة إلي الخزانة الأمريكية تحت مسمي الأرصدة غير المسحوبة, يصل أحيانا إلي ما يزيد علي90% من إجمالي قيمة مخصصات المعونة. ويكون نتيجة إما لتعنت الإدارة الأمريكية في بعض الشروط أو لبيروقراطية الإدارتين الامريكية والمصرية أو لعوامل فنية أخري. وهو الأمر الذي يمثل ضعفا في كفاءة إدارة برنامج المعونة, وقد طمأن أحد تقارير الوكالة الأمريكية الكونجرس بشأن الفائدة الاقتصادية المباشرة التي تعود علي الاقتصاد الأمريكي من المعونات:80% من أموال المعونات يعود إلي أمريكا. كما ذكر التقرير أن أمريكا هي الأسوأ من بين21 دولة غنية من حيث الأثر التنموي للمعونة الاقتصادية التي تقدمها لدول العالم الثالث, بسبب اشتراط إنفاق هذه المعونة في شراء سلع وخدمات أمريكية.
ثالثا: المعونة الأمريكية لمصر يتم تقديمها وفقا لشروط إصلاحيةConditions وترتبط حدة وصرامة هذه الشروط بالعلاقات السياسية المصرية الأمريكية بالدرجة الأولي وقبل أي اعتبار. وتنعكس هذه الشروط بطبيعة الحال علي حصول مصر علي المبالغ المخصصة لها أو إرجاعها إلي الخزانة الأمريكية حال عدم تنفيذ الشروط. كما أن طبيعة البرامج الأمريكية والمشروطيات ترتبط بالتوجهات السياسية الخارجية للإدارة الأمريكية, مثل مراجعات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر, والتي تمت نتيجة للتغير في إستراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وعلي أثرها تم زيادة مخصصات المعونة الموجهة لبرامج الديمقراطية والإصلاحات السياسية بشكل جلي. كما كانت فترة إدارة الرئيس بوش من أكثر الفترات تشددا في مشروطيات المعونة الأمريكية نتيجة لتدهور العلاقات المصرية الأمريكية آنذاك. وقد انعكس الحال مع تولي الرئيس, باراك أوباما والإدارة الأمريكية الجديدة وتحسن العلاقات المصرية الأمريكية, حيث جاءت المعونة الأمريكية لمصر لأول مرة دون مشروطيات عام.2010
رابعا: المعونة الأمريكية في مصر تتميز بالطبيعة الانتشارية, أفقيا( توسيع الانتشار الجغرافي في العديد من المحافظات المصرية) ورأسيا( التوغل في غالبية القطاعات والهيئات والمؤسسات الاقتصادية والإدارية المالية والاجتماعية) وتعمل الطبيعة الانتشارية للمعونة الأمريكية ببعديها علي تحقيق هدفين رئيسيين من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية: الأول هو جمع المعلومات! والثاني هو تحقيق التواجد المحسوسhighvisibility علي مستوي القري والمراكز, وهو ما يعد دعاية لبرنامج المعونة الأمريكية لمصر. وقد زادت هذه السمة وضوحا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر, حيث أصبحت الوكالة الأمريكية تبحث عن البرامج ذات المردود الشعبي, وانعكس ذلك بوضوح في زيادة ارتباطاتها للبرامج ذات الطبيعة الشعبية لبرامج التعليم والصحة وتعزيز الديمقراطية والحوكمة, لزيادة الوعي بحجم المساعدة التي تقدمها أمريكا, خاصة بعد أن ثبت أن برامج البنية الأساسية والسياسات الاقتصادية الكلية كانت دائما ذات عائد سلبي من حيث التقدير الشعبي للمساعدة الأمريكية لمصر.
وحول أثر المعونة الأمريكية علي التنمية البشرية في مصر قالت الباحثة: نجد أن قطاعات التنمية البشرية قد حظيت بنصيب ضئيل من إجمالي المعونة الأمريكية المقدمة لمصر سواء التحويلات النقدية, أو البرامج التنموية, مقارنة ببرامج دعم مناخ الأعمال وأنشطة القطاع الخاص. وحتي مكونات برامج التعليم والصحة كانت دائما تعمل علي دعم أنشطة القطاع الخاص, وكانت معظم مخصصاتها تتوجه إلي الأنشطة الإعلامية وبرامج التوعية والإرشاد ودعم منظمات المجتمع المدني, هذا في حين أن التوزيع غير العادل للمعونات وتوجيه مخصصات في خدمة النخبة علي حساب الفقراء هو أحد أهم الاسباب التي تؤدي الي عدم فعاليتها كما أوضحت الكتابات النظرية.
الشروط الأمريكية ضد الفقراء ولصالح النخبة
بالنظر إلي مشروطية المعونة الأمريكية, نجد أن برنامج المعونة الأمريكية يتميز بالمشروطية, الشديدة في حين أن التوجهات الحديثة والعديد من الدراسات التطبيقية قد انتقدت فكرة المشروطية وأشارت إلي عدم تأثيرها أو تأثيرها السلبي علي فعالية المعونة في كثير من الأحيان. وعن طبيعة هذه المشروطية, فقد أشارت الدراسة إلي أن المعونة الأمريكية يتم ربطها بشروط تتمحور حول إصلاح القطاع الخاص وخصخصة شركات قطاع الأعمال والبنوك وإصلاح النظام القضائي وغير ذلك من الشروط التي هي بعيدة كل البعد عن توجيه المعونة في صالح الفقراء أو لأغراض التنمية البشرية. في وقت أكدت فيه الكتابات النظرية والتجارب الواقعية أن الأثر الإيجابي للمعونة يتوقف علي مدي إنفاقها بشكل فعال في مصلحة الفقراء وأنه إذا كان لابد من الشروط فلتكن شروطا في مصلحة الفقراء, حتي يتحقق العائد الإيجابي للمعونة علي التنمية البشرية.
وقد أشار تحليل الأهمية النسبية للمعونة في مصر إلي ضآلة أهميتها النسبية وتناقص مساهمتها الحقيقية في الاقتصاد المصري بشكل عام, بسبب الانخفاض في قيمها الاسمية والحقيقية( حيث انخفضت القيمة الحقيقية للمعونة بنحو88,5% خلال الفترة1979 2010) وتناقص مساهمتها في الاقتصاد القومي سواء من حيث تناقص نصيبها إلي إجمالي موارد النقد الأجنبي أو إلي الناتج المحلي الإجمالي( لم تمثل في أعلي قيمها ما يزيد علي5% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي) هذا إلي جانب تناقص نصيب الفرد من المعونة الأمريكية( والذي أصبح لا يتجاوز3.2 دولار للفرد بعد أن كان يزيد عن21 دولارا في السنوات الأولي للبرنامج) هذا في حين أشارت العديد من الكتابات إلي أن الأهمية النسبية للمعونة تعتبر عنصرا حاكما في مدي فعاليتها, وأن المعونات تكون غير فعالة في الدول التي تتلقي معونات اقل من15% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبإلقاء الضوء علي التوجه المستقبلي للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية والتي تمثل المعونة الأمريكية أحد أهم ركائزها الفاعلة نجد أن مستقبل المعونة الأمريكية لايزال مرهونا بالتحولات المستقبلية في العلاقات المصرية الأمريكية المرتبط بشكل رئيسي بطبيعة نظام الحكم القادم في مصر وأيديولوجيات السلطة القادمة. ولذلك فإن الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية في الفترة الحالية هو الوقوف علي مسافة واحدة من كافة التيارات المصرية المحتمل توليها للحكم مستقبلا في مصر, بما في ذلك تيار الإخوان المسلمين, وهو الأمر الذي دعا الإدارة الأمريكية أن تصرح أثناء وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أنه لا نية لتقليص حجم المعونة الأمريكية لمصر خلال الفترة القادمة
خدمة التوجهات الاستراتيجية الأمريكية
وفي محاولة لتوجيه الإدارة الأمريكية للمسار المستقبلي الأمثل والسياسات الخارجية الملائمة للفترة القادمة, يري بعض المحللين أن الإدارة الأمريكية يتعين عليها توجيه الدعم المباشر لانتقال السلطة إلي حكومة وطنية ورئيس مدني منتخب يخدم التوجهات الاستراتيجية الرئيسية للإدارة الأمريكية المتمثلة في:
الإبقاء علي اتفاقية السلام, إتاحة المرور بقناة السويس, واستمرار التعاون العسكري بين البلدين. هذا في حين يري بعض المحللين الآخرين أنه من الضروري زيادة وتعزيز الديمقراطية ودعم كافة القوي السياسية الصاعدة حتي وأن كانوا الإخوان المسلمين( وقد سبقت الإشارة إلي حجم المخصصات التي تم توجيهها لخدمة هذا الهدف في الفترة القادمة) في حين يري فريق ثالث أن الغموض الذي يحيط بمستقبل الدولة المصرية والأيديولوجية الحاكمة لها يفرض علي الإدارة الأمريكية تجميد موقفها من التطورات المصرية في المرحلة القصيرة المقبلة عند الوضع الحالي, مع استمرار توجيه الدعم بشكل عام ومتساو للقوي السياسية المصرية, خاصة بعد ما حققته إدارة أوباما من مكتسبات في استعادة العلاقات الدبلوماسية الطبية مع الجانب المصري بعد سنوات من التدهور شهدتها فترة الرئيس السابق بوش, وبالتالي لايجب الدخول في دعم طائفة دون غيرها لأن الفئة الحاكمة مستقبلا في مصر لايمكن حتي الآن التكهن بطبيعتها أو توجهاتها أو الأيديولوجيات الحاكمة لها.
ومن ثم, فبناء علي ماسبق من نتائج حول طبيعة ومساهمة برنامج المعونة الأمريكية لمصر ودوافعه, واستنادا إلي المرحلة الجديدة التي ستدخلها مصر في المستقبل القريب والتي بطبيعة الحال ستتضمن إعادة النظر في العلاقات الخارجية خاصة مع الجانب الأمريكي, نطرح في السطور التالية رؤية لأهم السياسات الضرورية لاستمرار برنامج المعونة الأمريكية لمصر بشكل أكثر فعالية إذا ماأراد له صانعو القرار الاستمرار والبقاء في المستقبل وأيا كان شكل وطبيعة وأيديولوجية حكم البلاد في المرحلة المقبلة, وهو ما يمكن تسميته ب حوكمة برنامج المعونة الأمريكية لمصر, حيث يقصد بالحوكمة:
خلق بيئة مواتية يتم فيها تقييم ومتابعة أداء برنامج المعونة الأمريكية لمصر ومكوناته المختلفة والعوائد المتحققة منه ومدي كفاءة أداء مشروعات البرنامج والإدارة المالية للبرنامج وإدارة عملية التفاوض.
فالحوكمة في هذا الصدد تشمل الإدارة الرشيدة للبرنامج وتوفير آليات التقييم والمتابعة الدورية والمساءلة في مختلف الجوانب والبرنامج الاقتصادية والاجتماعية والإدارية دراسة الأبعاد السياسية التي تحيط بالبرنامج ومدي تحكمها وتأثيرها في مخرجاته واستمراريته, ومراعاة التوازن بين المنافع الاقتصادية المتحققة من البرنامج والاعتبارات السياسية التي تحيط به وإعادة صياغة الأطر الاقتصادية والسياسية والتشريعية والادارية التي تحكم البرنامج وتؤثر فيه.
ويجب أن تبني أسس هذه الحوكمة الجديدة علي ركيزة أساسية, وهي أن يكون استمرار برنامج المعونة الأمريكية لمصر في ضوء فكرة استقلالية التنمية والتي تعني اعتماد التنمية علي القوي الذاتية للمجتمع, من قدرات بشرية ومدخرات وطنية, دون استبعاد اللجوء إلي الخارج للحصول علي معونات أو قروض أو استثمارات أو التكنولوجيا, علي أن يكون ذلك بشروط مواتية, ودونما قيود تجور علي حرية الإرادة الوطنية وفكرة تملك الخيار السياسي للدولة, وباعتبارها عوامل ثانوية تدعم الجهد الوطني ولكن لاتحل محله. كما يمكن استغلال التحسن النسبي في العلاقات المصرية الأمريكية مع تولي الرئيس باراك أوباما في مراجعة إدارة برنامج المعونة الأمريكية والشروط المرتبطة به وأسلوب إدارته وإعادة تقييم المطلوب من البرنامج في إطار علاقة المنفعة المتبادلة وحسابات العائد التكلفة. وقد اقترحت الدراسة مجموعة من السياسات المستقبلية نورد أهمها في السطور التالية:
1 البحث عن بدائل محلية لبرنامج المعونة الأمريكية تتسم بالاستدامة من أجل تقليص الاعتماد علي برنامج المعونة الأمريكية والتبعية الاقتصادية والسياسية التي قد تنتج عن هذا البرنامج. فمن ركائز التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات أن يعمل الاقتصاد المصري علي إحداث زيادة كبيرة في معدل الادخار المحلي. وقد كان ارتفاع معدلات الادخار سمة أساسية من سمات الدول الآسيوية التي يشار إليها كنماذج للنجاح الاقتصادي مثل هونج كونج وسنغافورة والصين. ومن ثم يجب أن يتسع دور الدولة مرة أخري في هذا الصدد بالعمل علي ضبط الاستهلاك والاستيراد بهدف رفع معدل الادخار المحلي.
2 إعادة تقييم برنامج المعونة الأمريكية لمصر برمته والمنفعة الحقيقية المتحققة من وراء المعونة الأمريكية بعد استبعاد العوائد والمنافع التي تعود علي الجانب الأمريكي, أخذا في الاعتبار ما يمثله هذا البرنامج من أهمية كأحد أهم أوراق الضغط التي تلعب بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لضبط إيقاع السياسة الخارجية المصرية بما يتفق مع أهدافها.
3 إعادة النظر في هيكل برنامج المعونة الأمريكية لمصر وانحيازه الكبير لصالح القطاعات المالية والمصرفية, في وقت أصبحت القطاعات الاجتماعية محل أولوية المجتمع الدولي والدول النامية بشكل عام والحكومة المصرية بشكل خاص منذ أوائل التسعينات مع ظهور أول تقرير للتنمية البشرية بمصر, ومرورا بالتوجه المصري نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية, وانتهاءا بالخطة الخمسية السادسة التي تضع في أولوياتها تحسين مؤشرات التنمية البشري والتصدي للفقر. في حين لاتزال برامج الخصخصة ودعم القطاع الخاص تستحوذ علي النصيب الأكبر من هيكل برنامج المعونة الأمريكية من ناحية, ومن ناحية أخري يتم خفض مكونات المشروعات التي تخدم تحسين التنمية البشرية, بل وإلغاؤها أحيانا كما هو الحال بالنسبة لبرنامج الصحة.
4 إذا ماكان هناك بد من اعتماد مصر علي المساعدات الخارجية, فيجب العمل علي توسيع قاعدة الدول مانحة المعونات الخارجية بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية وتقليل نصيب المعونة الأمريكية من إجمالي المعونات الممنوحة لمصر وتنويع محفظة الدول المانحة للمعونات لمصر وذلك من أجل خفض عنصر المخاطرة الناتج عن استحواذ المعونة الأمريكية علي نصيب الأسد من إجمالي المعونات الممنوحة لمصر.
5 مراجعة التشتت الشديد الذي يتسم به برنامج المعونة الأمريكية والذي يمثل أحد سلبيات هذا البرنامج, ويقترح تخفيض عدد برامج المعونة وحصرها تحت هدفين أو ثلاثة مع زيادة الوزن النسبي لكل برنامج حتي يتم تعظيم الفائدة منه.
6 مشروطية المعونة الأمريكية هو أمر يحتاج إلي مراجعة وإعادة تقييم بشكل عام, بعد أن أثبتت العديد من الدراسات الاقتصادية الحديثة أن تمليك الدولة للقرار السيتسي هو الخيار الأمثل لتعظيم مخرجات المعونة, وبعدما ازدادت الشكوك حول جدوي هذه المشروطيات في تعظيم مخرجات البرنامج كما أن طبيعة مشروطية المعونة الأمريكية تجاه دعم القطاع الخاص هو أيضا أمر يحتاج إلي إعادة نظر, فالمشروطية إذا كانت ضرورية من وجهة النظر الأمريكية فلتكن مشروطية في صالح الفقراء وتحسين الأحوال المعيشية.
7 إعادة النظر في أسلوب التفاوض بين الجانبين المصري والأمريكي حول أسلوب صرف ارتباطات المعونة الأمريكية وعملية إدارة الأرصدة غير المسحوبة, كما يجب الأخذ في الاعتبار ضرورة وضع قيود زمنية علي عمليات الصرف علي كلا الجانبين الأمريكي والمصري تجنبا لحدوث تعطيل بيروقراطي للمعونة. إلي جانب ضرورة العمل علي تأهيل كوادر فنية محلية تقوم باستيفاء الدراسات المطلوبة لإنجاز المشروعات وفقا للمخطط.
8 يجب علي صانعي السياسات ومتخذي القرار إدراك حجم المساهمة الحقيقية الحالية لبرنامج المعونة الأمريكية في الاقتصاد المصري, مثل ما أشارت إليه نتائج هذه الورقة من انخفاض الأهمية النسبية لهذا البرنامج مؤخرا وتناقص أثره الحقيقي بشكل كبير لايستلزم التمسك به إلي حد قد يقود إلي الرضوخ إلي مشروطيته الشديدة التي قد تضر في بعض الأحيان بالاقتصاد المصري وباستقلالية القرار الوطني.
وعموما, يجب العمل علي تبني أسلوب فعال في تقييم برنامج المعونات الممنوحة لمصر بشكل عام والمعونة الأمريكية بشكل خاص باعتبارها مانحا رئيسيا يقوم علي المعايير التي وضعتها المؤسسات الدولية القائمة علي مثل هذه البرامج, مثل منظمة التعاون الاقتصادي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي, ويتم متابعة وتقييم برامج ومشروعات المعونة وفق هذه المعايير علي المستويات الكلية والجزئية وبالتنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة. ويقترح تفعيل وحدة بوزارة التعاون الدولي تقوم بهذه المهمة وفق أسلوب موحد ويتم التقييم بصفة دورية ومن قبل متخصصين ذوي خبرة ودراية بأحدث أساليب تقييم المعونات المتبعة لدي المؤسسات الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.