بالرغم من أن جامعة الدول العربية أنشئت بقرار علي مستوي القمة, لم يشعر أصحاب هذا القرار بالحاجة إلي تضمين ميثاقها اجتماعا دوريا, أو حتي غير دوري لمؤتمرات القمة. كان معظم الدول السبع المؤسسة للجامعة عام1945 في حال حيوية سياسية داخلية. لم يكن أي منها ديمقراطيا بالكامل أو بما يكفي. ولكن حيوية التفاعلات السياسية والاجتماعية الداخلية في دول مثل مصر وسوريا والعراق ولبنان حينئذ كانت تعبيرا عن وجود مجتمعات قادرة علي التأثير في صنع مستقبلها, وبالتالي في تحديد مصير أمة في مرحلة بحث عن هويتها القومية. ولذلك لم يكن هناك موضوعيا مايوحي إلي قادة هذه البلاد بأنهم يمسكون بين أصابعهم مستقبل شعوبهم ومصير أمتهم. فكان منطقيا, والحال هكذا, أنهم أقروا ميثاقا لايجعل الجامعة التي أسسوها في قبضة أيديهم, ولايضع مؤتمرا يجمعهم فوق هياكلها التنظيمية كافة. غير أنه لم تمض سنوات حتي تغير المشهد العربي اجتماعيا وثقافيا, وصارت المجتمعات مستعدة لتسليم مقاليدها ومصائرها إلي حكامها طواعية أو إكراها. ولما كان لكل مشهد مقتضيات, فقد أدي هذا التغير إلي ازدياد الشعور بالحاجة إلي حضور قيادي علي رأس العمل العربي المشترك الذي أنشئت الجامعة من أجله. فالقرار أصبح بين يدي الحكام, كل من بلده, علي سبيل الحصر في معظم البلاد العربية أو فيها كلها إلا مايعتبر استثناء من القاعدة. ولذلك أصبحت مؤتمرات القمة العربية تقليدا مستمرا منذ أن دعا الرئيس جمال عبدالناصر إلي قمة القاهرة في يناير1964. وأصبحت هناك مؤتمرات عادية وأخري استثنائية أو طارئة, بالرغم من عدم وجود أساس لذلك في ميثاق الجامعة العربية, قبل تعديله لينص علي عقد هذه المؤتمرات سنويا. ومنذ ذلك الوقت, تعود كثير من المواطنين علي أن ينتظروا مؤتمر القمة الذي يجتمع فيه قادتهم, ويعلقوا آمالا عليه. وربما يعود ذلك إلي ارتباط مؤتمرات القمة لفترة طويلة بالقضايا الكبري والتهديدات الملحة, منذ أن كانت مواجهة المشروع الإسرائيلي لتحويل مجري نهر الأردن هي التي أدت إلي انعقاد القمة الأولي, وظل كثير من العرب ينتظرون مؤتمرات القمة ويأملون فيها خيرا بالرغم من فشل الكثير منها وتواضع النتائج التي انتهي إليها بعضها. ومضي الزمن, فصار منتهي الأمل هو أن يعقد مؤتمر القمة ويمر بسلام, فلا يضيف إلي مشاكل العرب المتزايدة جديدا, وبالرغم من عدم وجود استطلاعات منهجية توضح اتجاهات الرأي العام العربي تجاه مؤتمرات القمة الآن, فالأرجح أن الكثير ممن كانوا يعلقون عليها آمالا في أن تقدم حلولا أصبحوا يبدون لامبالاة تجاهها بعد أن كشف انعقادها الدوري سنويا حدود جدواها. فقبل التوافق علي دورية مؤتمرات القمة, كان هناك اعتقاد واسع في أن عدم وجود موعد محدد لها يؤثر سلبا في قدرتها علي حل المشاكل ويقلل فاعليتها. ويصعب القول أنه لم يكن هناك أساس موضوعي لهذا الاعتقاد. فقد افتقدت مؤتمرات القمة, التي عقدت قبل إقرار الانعقاد الدوري عام2000, أهم عناصر نجاح أي عمل مشترك علي أي صعيد وهو متابعة مايتم اتخاذه من قرارات فعندما ينفض مؤتمر أو اجتماع دون أن يكون معلوما موعد المؤتمر الذي يليه, يصعب إيجاد آلية متابعة محددة وفاعلة. كما أن الظروف حالت دون عقد القمة في أوقات كانت الحاجة إليها ملحة, ولذلك مر, مثلا, عقد التسعينيات بكل ماشهده من أخطار في مرحلة مابعد حرب الخليج الثانية دون أن ينعقد مؤتمر القمة إلا مرة واحدة عام1996. ومن هنا فقد خلق قرار الانعقاد الدوري للقمة عام2000 تفاؤلا, خصوصا أنه جاء بعد سنوات عربية عجاف. ولكن هذا التفاؤل أخذ في الانحسار بسرعة قياسية لأن السنوات التي مضت منذ ذلك الوقت وعقدت فيها تسعة مؤتمرات قمة سنوية بين2001 و2009 لم تكن أفضل, بل أسوأ حالا. فقد تبين أن عدم وجود قواعد متفق عليها لإدارة العلاقات العربية هو جزء من خلل بنائي في هذه العلاقات من ناحية, وفي كثير من نظم الحكم العربية وطريقة تعاملها مع الخلافات بينها من ناحية ثانية. وخلل من هذا النوع, وعلي هذا المستوي, لايكفي عقد مؤتمر سنوي لإصلاحه. كما اتضح أن المشكلة ليست في قلة اجتماعات القادة القادرين علي اتخاذ القرارات, وإنما في النمط السائد للعلاقات بينهم وافتقاده الحوار والمصارحة والمكاشفة فضلا عن أزمة غياب الثقة المتبادلة التي قال الأمين العام للجامعة السيد عمرو موسي قبل أيام أنها بلغت ذروة جعلت العلاقات العربية تتأثر بتوافه الأمور. وكانت بداية فقدان الأمل في جدوي القمة العربية الدورية في عام2002 عندما ردت إسرائيل علي مبادرة قمة بيروت السلمية باجتياح مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وجاء الأداء العربي في قمة شرم الشيخ2003 عشية غزو العراق دافعا إلي مزيد من فقدان الشعور بجدوي هذه المؤتمرات بعد أن أظهرت مدي ارتباك الدول العربية. وتواصل هذا الارتباك في قمة تونس2004 التي أرجئت لشهرين. وبعد قمتين أقل من عاديتين في ظروف فوق عادية( الجزائر والخرطوم2005 و2006) اشتد الانقسام العربي خلال وبعد الحرب الإسرائيلية علي لبنان. وعندئذ فشل الرهان علي القمة الدورية. فقد انتهت قمة الرياض2007 دون أي تقدم في معالجة الانقسام, الذي تفاقم بعدها ووضع قمة دمشق2008 في مهب الريح قبل أن تعقد بمستوي تمثيل شديد الانخفاض. وجاءت قمة الدوحة2009 في أجواء انقسامية زادها العدوان علي غزة سخونة. وبالرغم من بعض التقدم الذي أحرزته الجهود السعودية باتجاه الحد من الانقسام, لايتوقع المواطن العادي في أي بلد عربي خيرا في قمة سرت التي ستعقد بعد أيام فقد انتهي ماكان باقيا من أمل في مؤتمرات القمة التي أصبحت تجسيدا لأزمة النظام العربي الرسمي وتعريف من لم يعرف أنها آخذة في التفاقم عاما بعد آخر. فقد أصبحت مؤتمرات القمة جزءا من مشكلة النظام العربي الرسمي, وليست جزءا من حل ممكن لهذه المشكلة, علي نحو يؤدي إلي ازدياد الاعتقاد في عدم جدواها. ولن يكون ممكنا تغيير هذا الاقتناع الشائع الآن في المجتمعات العربية دون مراجعة جوهرية للأسس التي تقوم عليها العلاقات بين من يحكمون هذه المجتمعات. فقد ثبت أن المباديء العامة لاتكفي لبناء علاقات عربية صحيحة لايمكن التطلع إلي إقامتها بدون أسس موضوعية علي الأرض في الاقتصاد والتعليم والعلم والثقافة وغيرها من المقومات اللازمة لخلق مصالح عربية مشتركة حقيقية في الواقع وليس فقط علي الورق. وإلي أن يحدث ذلك,ستبقي مؤتمرات القمة جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل.