تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم 16 يونيو 2025    الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال رئيس هيئة أركان الحرب في إيران    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الثلاثاء بالمواعيد والقنوات الناقلة    تشكيل الهلال المتوقع أمام ريال مدريد في كأس العالم للأندية    بدء لجان امتحان مادتي اللغة الأجنبية الثانية والاقتصاد بالثانوية العامة    انتشار أمني بمحيط مدارس 6 أكتوبر لتأمين امتحان اللغة الأجنبية الثانية للتانوية العامة    «الأرصاد» تكشف حالة الطقس على القاهرة وجنوب الصعيد اليوم    الجد بدأ.. توافد طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ على اللجان لأداء امتحان اللغة الأجنبية الثانية    رغم حرارة الطقس.. أولياء الأمور يرافقون أبناءهم في ثاني أيام الثانوية العامة    طلاب الأدبى بالثانوية الأزهرية فى الأقصر يؤدون امتحان الفقه اليوم.. فيديو    تركي آل الشيخ يكشف كواليس زيارته لمنزل الزعيم عادل إمام    ابن النصابة، تعرف على تفاصيل شخصية كندة علوش في أحدث أعمالها    تفتيش الطلاب والطالبات علي أبواب لجان امتحانات الثانوية العامة في الدقهلية    وزير دفاع أمريكا: نتبنى موقفا دفاعيا في المنطقة.. ونحافظ على يقظتنا واستعدادنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهات نارية في كأس العالم للأندية 2025    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    انقطاع واسع في خدمة الإنترنت في طهران    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    سلوفاكيا تجلي مواطنيها ومواطنين أوروبيين من إسرائيل عبر الأردن وقبرص    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    ماكرون: نؤيد وقف إطلاق النار ومستعدون ل مفاوضات نووية جديدة مع إيران    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
من أنشاص إلي سرت‏:‏ التحديات والخيارات
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 10 - 2010

أتي في المادة الأولي من الدستور المصري أن مصر جزء من الأمة العربية وتعمل علي وحدتها‏;‏ وهكذا أتي كتاب السياسة والقانون في مصر بفريضة لها صفة مبدئية تحدد الهوية من جانب‏,‏ وعملية تجعل تحقيق الهدف سياسة مصرية من جانب آخر‏.‏ وبينما كان الجانب المبدئي لا يشكل معضلة كبري سواء لأن مصر لغتها العربية‏,‏ أو لأنها واقعة أرادت أو لم ترد في إقليم عربي‏,‏ أو لأن تاريخها الطويل رغم تقلب الأزمان كان مكونا من تفاعلات جرت مع الكيانات العربية الأخري‏;‏ فإن الجانب العملي مثل حقيقة مرهقة‏.‏ وكان الجانب الأول هو ما صار في أدبيات القوميين العرب من المصريين تحت مفهوم ضرورات الجغرافيا والتاريخ‏,‏ وما جري في مفاهيم الإستراتيجية المصرية تحت عنوان الأمن القومي العربي‏;‏ أما الجانب الثاني فقد انطوي علي حقائق مؤلمة‏.‏
وبرغم أن هذه المفاهيم تصادمت أحيانا مع الاتجاه المتوسطي للهوية المصرية التي رأت في مصر جزءا من الحضارة الغربية علي الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط بعد أن بات معلوما العلاقة بين الحضارة المصرية القديمة‏,‏ والحضارات الهيلينية والرومانية التالية عليها‏;‏ إلا أن الواقع المصري كان علي الأقل منذ قرب نهاية الحرب العالمية الثانية قد اتجه نحو العالم العربي لكي يربط مصير مصر به‏.‏ وكانت نقطة البداية في القاهرة عندما تم إنشاء جامعة الدول العربية في‏22‏ مارس‏1945,‏ أي قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية‏,‏ وقبل أن يفكر أحد في إقامة الاتحاد الأوروبي‏,‏ وعندما انعقدت القمة العربية الأولي في أنشاص في‏28‏ مايو‏1946‏ صار الأمر كله علي ما واجهه من عقبات معبرا عن حقائق سيادية‏.‏
بعد ذلك مرت رياح كثيرة بالصحراوات العربية‏,‏ انعقدت فيها‏35‏ قمة ما بين عادية وطارئة وغير اعتيادية حسب ما كان من مسميات‏,‏ وبرزت فيها تحديات كبري ظهر أغلبها في علاقات العرب مع دول الجوار‏,‏ وفي كل الأوقات كان صراعهم مع إسرائيل سببا للوحدة والخلاف معا‏.‏ ولم تسلم الفكرة العابرة للوحدات السياسية الوطنية القطرية من تحدي فكرة أخري عبرت هي الأخري حدود عالم آخر متعدد الوطنيات تبنته جماعات سياسية إسلامية رأت في وحدة الدين ما يفوق وحدة القومية‏.‏ وفي وقت من الأوقات بدت الخلافة السنية هي جوهر العروبة وأصلها‏,‏ وهو الذي سرعان ما خلق حالة من الاغتراب لدي غير المسلمين من ناحية‏,‏ وحالة أخري من الابتعاد لدي أنصار المذهب الشيعي من ناحية أخري‏.‏
وفي كل الأحوال فإنه بعد عقد واحد من بداية القرن الحادي والعشرين فإن العالم العربي يبدو وكأنه قد فقد بلدين مهمين كانت فكرة العروبة جزءا أساسيا من مكوناتهما وهما العراق الذي كان التخلي عن الفكر القومي العربي شرطا أساسيا لبقائه موحدا‏;‏ والآخر كان السودان الذي فشل حتي الآن في إقناع الجنوبيين بأن عروبة البلاد لا تمنع بقاء وحدتها‏,‏ وبقي الخلاف كبيرا حتي بات الانفصال هو أكثر الاختيارات ترجيحا‏.‏
وعلي أي الأحوال فإنه رغم مرور أكثر من ستة عقود ونصف عقد علي إنشائها‏,‏ مازالت جامعة الدول العربية هي الكيان الوحيد الباقي الذي يعبر عن وجود رابطة سياسية من نوع ما تربط بين الدول العربية وبعضها وتجعلهم حقيقة أو خيالا يرتبطون في بيت واحد رغم ما واجهته من نفس التحديات التي تتعلق بهيكل النظام الإقليمي العربي والأزمات المنبثقة عنه‏.‏ وأكثر من ذلك ظلت الجامعة تتصاعد في أنشطتها مع تطور عملها‏,‏ وظلت قائمة حتي الوقت الراهن رغم كل ما عصف بها من خلافات‏,‏ الأمر الذي دعا إلي طرح أفكار ومطالبات حول ضرورة إصلاح الجامعة وإعادة هيكلتها علي نحو يضمن فاعليتها ومراجعة السياسات الماضية‏,‏ والبدء في تطبيق أساليب عمل جديدة‏.‏
بمعني آخر فإن قضية الجامعة لم تعد لها علاقة بخلل في فكرتها‏,‏ وإنما أصبح الأمر راجعا إلي مدي كفاءة الآلية التي تعمل بها‏,‏ حيث إن ميثاق الجامعة لم يجر عليه تعديل إلا في صورة ملحقين أضيفا إليه في صورة بروتوكول خاص بإقرار اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وقعت عام‏1950,‏ وبروتوكول وقع عام‏2000‏ خاص بقرار عقد القمة العربية كل عام أو ما عرف بدورية انعقاد القمة‏.‏
وفي هذا الإطار‏,‏ تعقد القمة العربية الاستثنائية بمدينة سرت الليبية خلال الفترة من‏8‏ إلي‏10‏ أكتوبر الحالي‏,‏ حيث تتواكب مع عقد القمة العربية الأفريقية الثانية التي تستضيفها سرت أيضا‏,‏ بحضور ممثلين عن‏60‏ دولة عربية وإفريقية‏,‏ وتناقش مشروع استراتيجية الشراكة العربية الإفريقية‏,‏ علي المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية‏.‏ في حين تناقش القمة العربية جدول أعمال يتضمن بندين أساسيين‏:‏
أولهما‏,‏ مشروع الهيكل الجديد لجامعة الدول العربية والأجهزة الرئيسية التابعة لها الذي تقدمت به اللجنة الخماسية الرئاسية‏,‏ المؤلفة من مصر باعتبارها كبري الدول العربية وليبيا الرئيسة الحالية للقمة العربية وقطر الرئيسة السابقة للقمة العربية والعراق الرئيسة القادمة للقمة العربية واليمن صاحبة مقترح اتحاد الدول العربية‏,‏ حيث انتهت القمة الخماسية التي استضافتها ليبيا في نهاية يونيو الماضي إلي ضرورة إحداث ذلك التطوير‏.‏
أما البند الثاني فهو دراسة مبادرة أو مذكرة الأمين العام لجامعة الدول العربية التي طرحها في قمة سرت في مارس الماضي بشأن إنشاء رابطة تضم الدول العربية مع الدول المجاورة لها في إفريقيا وآسيا وأوروبا‏.‏
ولمن لا يعرف فقد صدر عن قمة طرابلس الخماسية في يونيو الماضي‏17‏ توصية لتطوير منظومة العمل العربي المشترك‏,‏ وضعت في الاعتبار استيعاب المقترحات والمبادرات التي قدمتها‏16‏ دولة عربية‏,‏ ومن أبرزها‏:‏ عقد القمة العربية مرتين في العام‏;‏ قمة عادية وأخري تشاورية تعقد في دولة المقر أي في مصر‏,‏ وعقد قمم عربية نوعية تكرس لبحث مجالات محددة علي غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية مثل عقد قمة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي‏,‏ وإنشاء مجلس تنفيذي علي مستوي رؤساء الحكومات يتولي الإشراف علي تنفيذ قرارات القمة العربية والمتعلقة بالمجالات التنموية‏,‏ وكذلك مسئولية الإشراف علي أنشطة وبرامج المنظمات المتخصصة والمجالس الوزارية القطاعية‏,‏ وإقامة مجلس لوزراء الاقتصاد والتجارة‏,‏ وكذلك بحث الحاجة لإقامة مجالس وزارية قطاعية أخري مثل مجلس لوزراء المالية والاستثمار‏,‏ والإسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة لإقرار النظام الأساسي للبرلمان العربي الدائم‏,‏ وتكليف وزراء الخارجية والعدل العرب بإعادة دراسة النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية‏,‏ وتكليف الأمانة العامة بتقديم نشاطات وبرامج منظمات العمل العربي المشترك والمجالس الوزارية المتخصصة لضمان فاعلية هذه الآليات والتنسيق فيما بينها بما يسمح بالتركيز علي المشروعات القومية التي تعود بالنفع علي المواطن العربي‏.‏
وتبحث هذه القمة أيضا في التوصيات الصادرة عن قمة سرت الماضية‏,‏ وخاصة فيما يتعلق بإعادة تشكيل مجلس السلم والأمن العربي بما يضمن فعاليته وزيادة عدد الأعضاء مع مراعاة التوازن الجغرافي عند تشكيله وتوسيع مهامه وإقامة الآليات المنصوص عليها في نظامه الأساسي‏,‏ وقيام الدول العربية بتأهيل مفرزة في قواتها المسلحة للمساهمة في عمليات حفظ السلام‏,‏ واعتماد نظام المفوضين في عمل الجامعة العربية علي أن يصبح أمينها العام رئيس المفوضية العربية ويعاونه عدد من المفوضين يشرف كل منهم علي قطاع محدد‏:‏ الشئون الخارجية وشئون الدفاع وشئون الأمن والشئون الاقتصادية والتجارية وشئون الطاقة والقطاعات الاقتصادية الخدمية وشئون الزراعة والمياه والبيئة والشئون الاجتماعية وشئون التعليم والبحث العلمي والثقافة والإعلام العربي والشئون القانونية والمجتمع المدني‏.‏ ودعت تلك التوصيات أيضا إلي إنشاء جهاز تنسيقي عربي للإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة في حالات الطوارئ والكوارث والأزمات الإنسانية والنزاعات والحروب وفقا لقرار مجلس الجامعة علي مستوي القمة رقم‏319‏ بتاريخ‏23‏ مارس‏2005.‏ ويتم تنفيذ كل الخطوات المؤدية لتطوير منظومة العمل العربي المشترك والتبعات المالية المترتبة علي ذلك وفق برنامج زمني‏,‏ يقترب من خمس سنوات‏.‏
لاحظ هنا أن كل هذه الأهداف طموحة للغاية بالنسبة لوتيرة العمل العربي المعروفة‏,‏ وهي‏,‏ ولا شك‏,‏ يوجد فيها قدر كبير من المفارقة مع الواقع العربي الراهن سواء فيما يتعلق بالمفاهيم أو ما له علاقة بالسياسات العملية للدول العربية‏.‏ وعلي أي الأحوال فإن هناك وجهتي نظر إزاء تطوير العمل العربي المشترك‏:‏
الأولي تهدف إلي إحداث تعديل جذري وشامل بوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي أو جامعة الوحدة العربية بدلا من جامعة الدول العربية‏,‏ حيث ينص الإعلان الليبي علي أن يكون لجامعة الوحدة العربية الشخصية القانونية الدولية والأهلية الكاملة علي أساس التكافؤ والتكامل بين أعضائها والاتفاق علي ميثاق جديد تنفذ عناصره في إطار زمني محدد‏,‏ وهو ما تتبناه دولة اليمن بخلاف ليبيا‏.‏
أما وجهة النظر الثانية فهي تتبني رؤية تدريجية للإصلاح والإبقاء علي مسمي جامعة الدول العربية في المرحلة الراهنة وإرجاء بحث إقامة الاتحاد في أعقاب تنفيذ خطوات التطوير وتقييمها‏,‏ وهو ما أيدته مصر باعتبار أن الجامعة هي قاطرة العمل العربي المشترك‏,‏ ودعا الرئيس مبارك في القمة الخماسية الماضية إلي الاحتفاظ باسم الجامعة العربية مع إضافة كلمة‏(‏ اتحاد‏)‏ ليكون الاسم الجديد المطروح اتحاد الجامعة العربية‏.‏
وفي الحقيقة فإن التيار الواقعي في الكتابات العربية يري أن هناك صعوبة في الارتقاء بالجامعة إلي الاتحاد العربي حيث إن ثقافة الاستقلال والسيادة أضعفت ثقافة الاتحاد والوحدة‏,‏ وتعلو السيادة الوطنية فوق المصالح القومية‏.‏ ولم تكن الأفكار الحالية الداعية لإصلاح النظام الإقليمي العربي هي الأولي من نوعها‏,‏ بل طرحت في فترات سابقة‏.‏ فقد تلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية سبعة مشروعات من مصر والسعودية واليمن والأردن وقطر والسودان وليبيا لتطوير الجامعة العربية والأجهزة الملحقة بها‏,‏ وذلك خلال العام‏2003,‏ وتم تشكيل مجموعة عمل خاصة‏,‏ برئاسة نائب الأمين العام للجامعة العربية‏,‏ لدراسة هذه المبادرات والمشروعات‏,‏ وتم إعداد بنك معلومات يضم كل ما طرح من وثائق ومقترحات لتطوير الجامعة منذ ميلادها‏.‏ وركزت معظم المشروعات المقدمة علي تغيير الميثاق أو إضافة ملاحق جديدة له‏,‏ بينما ركز المقترحان الليبي واليمني علي منظومة عمل جديدة للعمل العربي المشترك‏,‏ بما في ذلك تغيير اسم الجامعة‏,‏ ولم يسفر عن تلك المحاولات تحول ملموس أو تغير بارز في مسار العمل العربي المشترك‏.‏ كما أن العبرة ليست بالمسميات سواء اتحاد أو جامعة‏,‏ وإنما بشركاء الاتحاد ومدي توافر إرادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية للتطوير وتغيير ما جرت عليه السياسة العربية علي مدي عقود طويلة‏.‏
أما اقتراح إنشاء رابطة جامعة لدول الجوار الجغرافي العربي الذي طرحه السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية فإنه يبدو من الناحية السياسية مستلهما من تجربة سياسة الجوار التي يتبناها الاتحاد الأوروبي وتدخل فيها الدول العربية الواقعة علي البحر الأبيض المتوسط‏,‏ كما أن ضروراتها الاستراتيجية تخلق عناصر لتوازن القوي في منطقة الشرق الأوسط خاصة مع النشاط السياسي والاستراتيجي المتزايد لكل من إيران وتركيا‏.‏ والمعضلة هنا أن سياسة الجوار مهما كانت مبرراتها تأتي بينما العلاقات البينية بين الدول العربية ليست في أفضل حالاتها‏,‏ كما أن دولة مثل إيران ربما سوف تحمل النظام العربي كله بما لا طاقة له به وبدلا من مشاركته في تصحيح التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل‏,‏ فإنها بما تفعل يؤدي إلي مزيد من الخلل معها‏.‏ ومثل هذه الخطوة في كل الأحوال لا ينبغي لها أن تسبق‏,‏ بل تلحق تطوير الأوضاع العربية‏,‏ لأن أزمة العمل العربي المشترك ليست في غياب النصوص أو غياب المشروعات العربية‏,‏ وإنما تكمن في التنصل من التنفيذ حتي في القرارات التي تم الاتفاق عليها بالفعل بل تلك التي حظيت بإجماع عربي‏.‏ كما أن هذا الاقتراح الخاص بدول الجوار يمكن تحقيقه علي أرض الواقع من خلال تطوير علاقات الصداقة والتعاون وفق الأطر الإقليمية والدولية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وكتلة عدم الانحياز‏.‏
ولكن هناك اتجاها آخر يري أن فكرة رابطة الجوار لا يمكن النظر إليها من منظور صراع أو حتي تنافس الأدوار في الإقليم‏,‏ وإنما الهدف من إنشاء الروابط هو خلق تعاون أوثق بين الدول العربية ودول الجوار‏,‏ بما يخدم المصالح العربية ومصالح تلك الدول‏.‏ وبالتالي‏,‏ فإن ثمة ضرورة لخروج التفكير العربي عن نمطه التقليدي في التعامل مع هذه النوعية من الأطروحات‏,‏ والذي يمكن أن يجني نجاحات في المستقبل‏,‏ ويسلط الضوء علي ما يسمي ب الإقليمية الجديدة‏,‏ مع الإشارة إلي بعض النماذج الناجحة مثل الآسيان في آسيا وميركوسور في أمريكا اللاتينية‏.‏
وقد عبر عن ذلك التوجه الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسي حينما قال إن اتفاقيات التعاون هي محاولة لإعادة إحياء التفاهمات بين الجامعة وعواصم صناعة القرار في العالم‏..‏ كما تشكل إضافة للتعاون بين الجامعة العربية والمنظمات الإقليمية عبر القارات‏.‏ ويستند هذا الاتجاه إلي بعض الحالات التي نجحت فيها الجامعة العربية كتجمع إقليمي مع أطراف أخري‏.‏ فقد نجح منتدي التعاون العربي الهندي في الارتقاء بحجم التعاون التجاري بين الدول العربية والهند إلي‏110‏ مليارات دولار عام‏2009,‏ بعد أن كان‏40‏ مليارا عام‏2004.‏ وفي إطار منتدي التعاون العربي الصيني‏,‏ فإن التجارة البينية بين الصين والدول العربية بلغت‏107.4‏ مليار دولار في العام‏2009‏ مقارنة مع‏36.4‏ مليار دولار في عام‏2004.‏ وقد استضافت طوكيو في‏6‏ ديسمبر‏2009‏ منتدي اقتصاديا عربيا يابانيا‏,‏ تحت شعار فصل جديد للازدهار المشترك‏,‏ وهو الأول من نوعه حيث وقع عليه الأمين العام للجامعة مع وزير الخارجية الياباني كاتسويا أوكادا ووزير الاقتصاد والتجارة والصناعة ماسويكي ناوشيما ويهدف إلي تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية وتطويرها‏.‏ فضلا عن ذلك‏,‏ يحقق منتدي التعاون العربي التركي قفزات للأمام‏,‏ لدرجة أن وزير المالية التركي محمد شيمشك أشار إلي أن عقد بلاده اتفاقيات تجارة حرة مع الدول العربية أدي إلي ازدياد الحجم التجاري خمس مرات في العام‏2009‏ مقارنة بما كان عليه الوضع في عام‏2002.‏ كما أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في افتتاح أعمال المنتدي العربي التركي الخامس في منتصف يونيو الماضي عزم بلاده علي دعم التعاون الاقتصادي مع الدول العربية‏,‏ وقال نريد أن تخرج العربة من تركيا لتصل إلي المغرب دون أن تقف عند أي بوابات حديدية‏.‏ كما تم التوقيع علي المنتدي العربي الروسي في ديسمبر‏2009,‏ لتفعيل الشراكة بين الجانبين‏.‏
مثل هذه الحوارات العربية بين وجهات نظر مشروعة ولها ما يبررها في الواقع تفرض نفسها علي القمة العربية التي تجري اليوم‏;‏ وعلي الأرجح إن هذا الفرض سوف يمتد عند انعقاد القمة العربية الإفريقية غدا باعتبارها واحدة من تطبيقات سياسة الجوار الجغرافي‏.‏ وبقي أن ننظر في النتائج التي تفرزها هذه القمة وتلك حتي نري في أي اتجاه ذهب بندول السياسة العربية الذي سوف يحاول في ذهابه وإيابه البحث عن نقطة وسط بين توجهات عدة‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.