تحت عنوان ترجمة الحرب انطلقت في السابع من نوفمبر الجاري فعاليات ملتقي الترجمة الدولي الواحد والثلاثين في مدينة آرل بجنوب فرنسا. شهد المؤتمر لقاءات مفتوحة بين المتخصصين والهواة في مجال الترجمة الأدبية في الفترة من7 إلي9 نوفمبر. يعد هذا الملتقي هو الوحيد عالميا وتنظمه منظمة أطلس)(ATLAS التي تعني بشئون الترجمة الأدبية في فرنسا ومقرها باريس والكلية الدولية للمترجمين الأدبيين(CITL) ومقرها مدينة آرل. كما هو الحال طوال ثلاثين عاما, تختار الجهة المنظمة عنوانا للملتقي, وكان العنوان هذا العام ترجمة الحرب إذ لا يمكن للترجمة كنشاط إنساني أن تنفصل عما يجري في العالم, وإذا كانت معظم القلاقل والحروب تدور علي الجانب العربي والأفريقي من البحر الأبيض المتوسط إلا أن صداها يتردد في الجانب الآخر منه وفي جميع أرجاء المعمورة. حيث عني المنظمون بنقل شهادات الفارين من الحروب وابطال حالات اللجوء الانساني والسياسي المتعددة والتي كان أغلبها بلا شك من نصيب بلادنا العربية. ألقي كلمة الافتتاح إلي جانب عمدة مدينة آرل, برنارد هوفمان رئيس منظمة أطلس والذي قال في كلمته أن الحرب تبدو واحدة من أهم الأنشطة الانسانية. فتاريخنا مليء بحكايات الحروب. وإذا اعتبرنا أن القرن العشرين كان قرن الإبادات الجماعية, فالقرن الواحد والعشرين هو بلا شك قرن اللاجئين. وحين نتحدث عن ترجمة الحروب, فكم نحب أن نترجمها بعدل كامل, كم نحب أن تترجمها في سلام! ولا يكفي أن نترجم الكتب التي تحدثت عن الحروب بعناية, بل ينبغي أن نعرف كيف ولماذا كتبت. كانت أيام المؤتمر فرصة لتأمل العلاقة بين الحرب واللغة, وإذا كانت ندوة الإفتتاح من نصيب رواندا ويوغوسلافيا فإن الجلسة الختامية كانت من نصيب سوريا, إذ دعي المؤتمر بعض اللاجئين السوريين للحديث عن تجربتهم مع ما يدور علي الأرض ورحلة الانتقال فيما لا يتحدثون لغة الأرض التي وصلوا إليها. تناولت المائدة المستديرة الختامية ما كتبته الكاتبة السورية جومانة مراد, حيث نشرت شهاداتها عن الحرب وهي ما تزال في دمشق, جومانة مراد هو الاسم المستعار الذي اختارته لنفسها كي تنشر يوميات الحرب وهي علي الأرض, وكانت تنشر شهاداتها باللغة الفرنسية علي بلوج خاص بها وتحكي جومانة أنها كانت ترسل خطابات لصديقتها الفرنسية المترجمة ناتالي بونتومب التي كانت تعيش في دمشق لمدة عشر سنوات قبل أن تعود إلي باريس بعد اندلاع الأحداث في2011 فيما تقوم ناتالي بترجمة الخطابات وإعادة ارسالها لجومانة وتقوم الأخيرة بنشر ما تريد علي البلوج الخاص بها. جومانة معروف أنها معارضة يسارية ومعتقلة سابقة ومدرسة لغة انجليزية في المدارس الحكومية الثانوية في دمشق. وتضيف انها أرادت النشر باللغة الفرنسية لأنها تعرف أن الاستخبارات السورية ليس لديها وقت للقراءة بالفرنسية وانها كانت تنتظر التعليقات الفرنسية علي صفحتها وتقوم بترجمتها مستخدمة جوجل وإذا شعرت أن المعني غير متجانس كانت ترسل إلي صديقتها الفرنسية من أجل الحصول علي ترجمة دقيقة. ثم تم تجميع هذه الرسائل ونشرها في كتاب في فرنسا. فيما استطرد الحاضرون في الاسئلة حول التغير الذي يمكن أن يطرأ علي محتوي الشهادات عند ترجمتها وعما إذا كانت الترجمة قد ساهمت في نشر ما يحدث علي الأرض بإيجابية أم أخلت بحالة التكثيف والحيوية المتدفقة من الكتابة باللغة الأصلية. كما تضمنت الفعاليات مشاركة من رواندا للحديث عن حرب الإبادة التي يعانها الروانديون. وتضمنت إحدي جلسات المؤتمر تحليل لكتاب فرويد شقاء الحضارة. لم يكتف المنظمون بعرض صور حية مما يدور علي الأراضي التي تعاني الحروب بل انطلقت التساؤلات التي تخصهم, في محاولة لفهم علاقتهم بما يدور من حيث كيف يتغير الحديث عن الحروب عند مروره من بلد المصدر إلي بلد الاستقبال, كما تساءلوا عن المغزي من حقيقة أن فرنسا هي واحدة من أهم مصنعي الأسلحة التي تستخدم في الحروب رغم أنها لم تشهد حروبا علي أرضها منذ سبعين عاما, وعما يعرفونه حقا عن كل هذه الصراعات التي تزلزل شعوبا عدة من حولهم؟ وعن كيفية العيش في سلام وسط كل هذه الحروب. تعود فكرة إقامة المؤتمر إلي عام1984 بمبادرة من بعض المترجمين الأدبيين الاعضاء في جمعية المترجمين الأدبيين في فرنسا(ATLF) بالتنسيق مع الإدارة المحلية لمدينة آرل. والسبب في اختيار مدينة آرل لإقامة الملتقي يرجع في المقام الأول إلي وجود دار نشر آكت سود علي أرض المدينة والتي تضع الترجمة الأدبية ضمن أولوياتها منذ انشائها, كذلك إلي تأسيس كلية المترجمين الأدبيين وبعد إقامة هذا الملتقي اصبحت مدينة آرل هي معقل الترجمة الأدبية الرصينة بكافة أوجهها عالميا وقبلة المترجمين الجادين. كانت الفكرة في البداية تتلخص في بعض اللقاءات بين المتخصصين في مهنة الترجمة. ثم تطور الأمر مع الوقت إذ اصبح الهدف هو إقامة تظاهرة ثقافية تضم كل المولعين بالأدب الأجنبي والترجمة من العالم أجمع ولذلك تضمن الملتقي ورش عمل من لغات متعددة تقام ليوم واحد ويديرها واحد من أهم المتخصصين في الترجمة لهذه اللغة, كانت اللغة العربية حاضرة هذا العام في ورش الترجمة حيث أدار الورشة المترجم إيف جونزاليز كيجانو المتخصص في ترجمة الأدب اللبناني والعراقي إلي الفرنسية, كما حضر المؤتمر المترجم خالد عثمان الذي ترجم من قبل أدب نجيب محفوظ وأعمال جمال الغيطاني وأخيرا عزازيل ليوسف زيدان إلي الفرنسية. كما تنظم مؤسسة أطلس مسابقة للمترجمين طلاب المدارس الثانوية في الإقليم ويتم تسليم الجائزة للفائز أثناء انعقاد الملتقي كانت المشاركة هذا العام من لغات الانجليزية والكوورية والاسبانية والايطالية والصينية ولأول مرة تشارك اللغة العربية في المسابقة لهذا العام, حيث شاركت طالبتان فرنسيتان من أصول مغربية بنصوص صغيرة مترجمة من العربية إلي الفرنسية وفازت سلمي بنداريس وأسماء بودجاط بجائزتين.