ولا نتعامل مع دور النشر الإسرائيلية «طلعت الشايب» من أهم المترجمين في الوطن العربي، حيث قدم للمكتبة الغربية نحو ثلاثين عملاً في مختلف المجالات. منها «فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي» و«الحرب الباردة الثقافية» و«الفنون والآداب تحت ضغط العولمة».. حول «مؤتمر الترجمة وتحديات العصر» ومشروعه الخاص وقضايا ومشاكل الترجمة.. دار هذا الحوار.. في رأيك هل حقق مؤتمر «الترجمة وتحديات العصر» المرجوء منه؟ إلي حد كبير فقد طرح موضوعات متعددة تتعلق بدراسات الترجمة من ناحية النظرية والتطبيق مروراً بتجارب عدد كبير من المترجمين من مصر والعالم. وذلك له فائدة لكل من يقومون بالترجمة انطلاقاً من أن الترجمة ممارسة دؤوبة وقد شارك في المؤتمر مترجمون عن لغات متعددة وقدموا أوراق بحثية جديدة في مادته واعتقد أن هذا المؤتمر من أفضل المؤتمرات التي عقدت عن الترجمة في العالم العربي. فقد قدم لأول مرة نهجاً جديداً باحتواء البرنامج علي محاضرات وليست حلقات نقاشية فقط. حيث كانت المحاضرة الافتتاحية للدكتور هاشم صالح عن مشروع نقد العقل الإسلامي من خلال الترجمة العربية ومحاضرة أخري عن المترجمين بعنوان «صناع التاريخ والهوية الثقافية» للدكتور جان دوريل ومحاضرة ثالثة بعنوان «المورسيكون وحوار الحضارات» قدم كل محاضرة وعقب عليها أستاذ متخصص في موضوعها واستضاف المؤتمر عدداً من المترجمين المصريين والعرب الذين نشر المركز القومي ترجمات لهم فكانت فرصة للتحاور عنها ومناقشاتها مما يفيد الطرفين المترجم والمتلقي. كما أوحت نقاشات ومداخلات الجمهور بموضوعات أخري توضع في الحسبان لمؤتمرات قادمة. وأيضاً صدر كتابان الأول يحتوي علي ملخصات الأبحاث والثاني عن السير الذاتية للمشاركين وقريباً تصدر الاسهامات الكاملة في كتاب مستقل. خيانة المترجم ماذا عن مقولة أن المترجم خائن وهل تتفق معها؟ كان من بين المحاور محور بعنوان «الترجمة والمترجم وقضايا أخري» مثل تكوين المترجم الثقافي هل صحيح أن المترجم خائن؟ وفي رأيي أن مفهوم الخيانة مفهوم ملتبس فالبعض قد يعتقد أن الخيانة تعني أن النص ليس مترجما ترجمة حرفية. وقد تعني أن المترجم يتدخل بالنص سواء بالحذف أو الإضافة وقد تعني أن النص المترجم لا يحدث الأثر نفسه الذي يتركه الأصل لدي القارئ باللغة الأصلية. وقد تعني الخيانة أن النص لابد من أن يفقد شيئاً ما عند تحويله من لغة إلي لغة وذلك لاختلاف طبيعة اللغتين. فإذا عرفنا ما المقصود بالضبط من من يطلق هذا الحكم الذي هو ترجمة للطرفة الإيطالية «الترجمة خيانة» نستطيع أن نفسر أو نعلق علي هذا الحكم الذي يطلق جزافا في معظم الأحيان علي عملية الترجمة. المشكلة أن المترجم الجيد عندما يقوم بالترجمة لابد أن يضع في اعتباره أن قارئ ترجمته أو المتلقي لها. يختلف تماماً عن قارئها أو متلقيها بلغتها الأصلية. كما أن المترجم نفسه يشرع في عملية الترجمة وهو مدجج بثقافته الخاصة وبقدر قل أو كثر من الإلهام بثقافة اللغة الأصلية ولذلك نقول إن المترجم ليس «آلة» أو «جهازاً» لتحويل النصوص بشكل ميكانيكي من لغة إلي أخري. وأنا أعتقد أن الترجمة يمكن أن تكون خيانة إذا كان المترجم لا يفهم ثقافة اللغة الأخري المنقول عنها ولا يجيد اللغتين. أو عندما يتدخل بالحذف أو الإضافة لأسباب مختلفة مثل الجهل أو التحيزات الفكرية والدينية. لماذا تكرر كلمة الجهل. هل هناك بالفعل مترجمون جهلاء؟ الترجمة عمل جليل وبدون المترجمين ما كان للحضارة الإنسانية أن تتواصل وأن يكون العالم علي ما هو عليه الآن. ولكن أن يتصور البعض أن الترجمة عمل يمكن أن يقدم عليه شخص ما لمجرد أنه درس لغة أجنبية أو أنه يمكن أن يستخدم القاموس أو لأنها مصدر للكسب فهذه كارثة. الترجمة مثل أي حرفة يوجد بها الخبير ومتوسط الموهبة والعاجز عن الآبانة والتوصيل. ولو أن الترجمة تعني فقط معرفة أو اجادة اللغتين لكان لدينا في مصر علي الأقل 5 ملايين مترجم. فنحن نتعلم اللغات الأجنبية منذ مطلع القرن التاسع عشر. عندما بدأ أول مشروع نهضوي في مجال الترجمة وأقصد مشروع رفاعة الطهطاوي. ولكن المشكلة أن التواصل لم يكن مستمراً وأن الخط لم يكن صاعداً وإن كانت أبرز العلامات علي الطريق بعد رفاعة مشروع طه حسين ومشروع الألف كتاب الأولي والمشروع القومي للترجمة اذ تطور إلي ما يعرف بالمركز القومي للترجمة الآن. السمة البارزة في هذا التاريخ لحركة الترجمة كانت هيمنة لغتين رئيسيتين للترجمة عنهما الإنجليزية والفرنسية والحقيقة أنهما مهيمنتان علي الترجمة في الوطن العربي ككل بسبب الاستعمار من قبل الدولتين. وكانت الإنجليزية والفرنسية هما ما يتعلمهما الطلاب في المدارس العربية. نقطة مهمة أريد أن اتطرق لها هي أن البداية والنهاية في الترجمة إذا كنا نتكلم عن الترجمة من اللغات الأجنبية إلي العربية هي درجة اتقان المترجم للغة العربية أكثر من اتقانه للغة الأجنبية. لماذا؟ لأنه يكتب نصاً عربياً لقارئ عربي ولا يعرف المتلقي العربي ان كان النص مكتوباً كذلك بلغته الأجنبية أم لا. خطة المركز القومي للترجمة كيف يضع المركز خطة الترجمة؟ خطة المركز متعددة المصادر أولاً للمركز هيئة استشارية تضم أكثر من خمسين متخصصاً في مختلف اللغات والمعارف. يقومون باختيار الكتب في المجالات المختلفة وعن الثقافات المختلفة ويرشحون لها المترجم والمراجع المناسب. ثانياً- يتقدم المترجمون باقتراحات لترجمة عناوين محددة يجدونها الأقرب إليهم تخصصاً واهمية وتعرض المقترحات علي المكتب الفني للاختيار منها. ثالثا- المركز لديه اتفاقيات مع المراكز الثقافية الأجنبية العاملة في مصر. وهي تقوم باقتراح لترجمة أعمال صادرة لديهم للاختيار منها علي سبيل التبادل الثقافي. رابعاً- نحن علي اتصال دائم بكبريات دور النشر العالمية ولدينا تعاون معهم حيث نتلقي منهم قوائم أحدث الإصدارات للاختيار منها أيضاً. ولاحظ أن ذلك يتم بالنسبة لمختلف الثقافات ومختلف اللغات. وهو ما أدي إلي هذا التنوع الملحوظ في عدد اللغات المترجم عنها. وعدد المجالات المعرفية. الترجمة عن العبرية هناك أخبار كثيرة عن قضية الترجمة عن العبرية فهل يترجم المركز عن العبرية بالفعل؟ بالنسبة للترجمة عن العبرية. نحن نترجم عن كل لغات العالم بما في ذلك اللغة العبرية ومن يراجع قائمة الإصدارات سوف يلاحظ كتباً مترجمة عن العبرية. والتحفظ الوحيد لدينا هو ألا تكون الكتب المترجمة عن العبرية أو عن أي جانب من جوانب الحياة في إسرائيل صادرة عن دور نشر إسرائيلية. ذلك لأننا ندفع لدور النشر حقوق الملكية الفكرية بموجب اتفاقيات رسمية. وحيث إننا لا تعامل لنا مع دور النشر الإسرائيلية نترجم أي مادة عن أي لغة عن أي دار نشر في العالم. ليس لدينا محظورات في الدين والجنس والسياسة لأن إصدارات المركز القومي تهدف إلي تقديم الاتجاهات والمذاهب الفكرية المختلفة للقارئ العربي وتعريفه بها. باعتبار أن هذه الأفكار المتضمنة في الكتب هي اجتهادات أصحابها في ثقافتهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز. لماذا يغيب التنسيق عن الهيئات المنوطة بالترجمة في مصر؟ حتي الآن الهيئات الرسمية التي تصدر كتباً مترجمة في مصر تتبع وزارة الثقافة والمركز القومي للترجمة - الهيئة العامة للكتاب- هيئة قصور الثقافة، أكاديمية الفنون، ولابد من تنسيق العمل بين هذه المؤسسات من أجل أن تصبح الترجمة الصادرة عن هذه الهيئات مشروعاً مؤسسياً مخططاً. حيث يمكن أن تتوزع الاختصاصات وتلافي تكرار العناوين. وهي يمكن أن يحدث تنسيق بين الدول العربية في الترجمة؟ إذا كان بالإمكان تطبيق ذلك في مصر فمن الصعب تطبيقه علي مستوي العالم العربي. لأسباب متعددة. هل هناك أي تنسيق في أي مجال بين الدول العربية حتي يكون موجوداً في الترجمة؟ فبعض الدول علي سبيل المثال لا تسمح بدخول ولن تسمح بدخول بعض الأعمال المترجمة في مصر. المؤسسات المعنية بالترجمة في كل دولة عربية تضع نصب عينيها القارئ المحلي. والمؤسسات العربية المعنية بالترجمة تتبع سياسات وتوجهات دولها الكتاب المترجم في مصر عن طريق وزارة الثقافة يباع بأقل من سعر التكلفة. لأن الوزارة تدعم الترجمة كما تدعم الدولة رغيف الخبز. حقوق المترجم ماذا عن حقوق المترجم المادية؟ هل تعلم أن مصر الآن تدفع للمترجم أعلي أجر في العالم العربي. ففي شهر مارس الماضي وافق السيد وزير الثقافة علي اقتراح المركز القومي للترجمة بدفع قيمة مكافأة الترجمة لتكون 40 قرشاً عن الكلمة في حدها الأقصي دون حد أقصي للكتاب أيا كان حجمه. ما الرؤية التي تحكم اختياراتك للترجمة؟ أنا أترجم في الإنسانيات. علم الاجتماع السياسي والسياسة وكتب العولمة والتنمية وقضايا العالم الثالث وحوار الثقافات والإبداع القصصي والروائي. كل كتبي التي ترجمتها من اختياري بعد أن أكون قد قرأتها بالإنجليزية. تترد مقولة إننا في حاجة إلي ترجمة العلوم فقط.. لماذا؟ نحن في حاجة إلي ترجمة كل المعارف. وان كانت الحاجة أكثر لترجمة ما ينقص المكتبة العربية، العلوم الحديثة والثقافة العلمية، ولكن مهم ترجمة كل شيء. كتب التقارب بين الأديان فنحن جزء من العالم. كيف تختارالكتب التي تترجمها؟ أهمية الموضوع، وعلاقته بنا وأهمية الكاتب، الظرف التاريخي الذي صدر فيه الكتاب. علي سبيل المثال كتاب «صدام الحضارات» لصموئيل هنتنجتون. ويتناول موضوعاً مهماً. بؤرته أن الخطر الأكبر الذي يهدد العالم سيكون من قبل الحضارتين الإسلامية والكونفوشيوسية، الظرف التاريخي طرح قضية امكانية التعايش والتعاون بين الثقافات المخلتفة وما إذا كان العالم بالفعل مقدماً علي صدام بين الحضارات كذلك هو أن الكتاب صدر في الغرب بعد أن انفردت أمريكا «والحضارة الغربية» بالهيمنة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وأهمية المؤلف أن صموئيل هنتنجتون كان أحد الخبراء الذين يستعين بهم صاحب القرار السياسي لإيجاد غطاء فكري لما يقوم به. ومثلاً كتابي المترجم «حدود حرية التعبير» للمستشرقة السويدية «مارينا ستاج» ويتناول تجربة كتاب القصة والرواية في مصر في عهدي عبدالناصر والسادات ويطرح عدة قضايا مهمة مثل الرقابة والقمع والسجن والنشر في الخارج وهجرة الكتاب إلي أخره مع عدد من دراسات الحالة لكتاب وأعمال تناولت كل هذه القضايا. وأحدث كتبي «الاستشراق الأمريكي». يتعرض لقصة العلاقة بين أمريكا والشرق الأوسط منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. نحو فهم العولمة الثقافية وماذا عن الكتاب الذي تترجمه حالياً؟ كتابي القادم «نحو فهم العولمة الثقافية» صدر في بريطانيا العام الماضي ويتناول قضايا العولمة وتأثيرها علي الثقافات المحلية. ومحاولة الهيمنة ثقافياً علي الدول النامية، أو التابعة أو الضعيفة اقتصادياً. كيف تري مستقبل الترجمة في مصر؟ أنا متفائل جدا لأن الدولة مهتمة بقضايا الترجمة، ويتمثل ذلك في إنشاء المركز القومي للترجمة العربية بعد مشروع محمد علي ورفاعة الطهطاوي كذلك الإقبال المتزايد نشهدها من الأجيال الجديدة لدخول مجال الترجمة والتطورات المتلاحقة في وسائل الاتصال بين دول العالم تفرض وتسهل عملية نقل المعارف عن طريق الترجمة التي كانت دائماً جسراً للتواصل بين الثقافات. وهناك زيادة اهتمام الآن أشبه بالمنافسة بين عدد كبير من الدول العربية في هذا المجال ويتجلي ذلك في عدد الإصدارات والمؤتمرات والجوائز.. في مجال الترجمة. ما تقييمك لإضافات دور النشر الخاصة بمصر؟ إضافات دور النشر الخاصة لحركة الترجمة قليلة لأنها تهدف إلي الربح وهذا حقها بالطبع. وهذا الهدف يفرض عليها اختيارات تضمن لها رواجاً أو تعتقد ذلك أي أن قضية كون الترجمة مشروعاً للتنمية الثقافية ليست حاضرة لديها.