مشكلة المشاكل فى مصر أن هناك لغة مفقودة بين الحكومة والقطاع الخاص، فعلى الرغم من أن الحكومة لديها خطة استثمارية طموحة تضع نصيبا للقطاع الخاص بها لا يقل عن 70%، إلا أنها حتى الآن يحلو لها العزف المنفرد دون مشاركة حقيقية لمنظمات الأعمال لتبادل الرؤى والأفكار. والنتيجة أن القطاع الخاص يعمل وفق أجندته الخاصة، والحكومة تعمل وفق إمكانياتها المحدودة. واليوم ومصر تتجه لتنظيم أكبر قمة إقتصادية فى شرم الشيخ فى فبراير المقبل، لا مفر من مشاركة للمؤسسات الوطنية الخاصة سواء فى التنظيم أو الرأى والمشورة، ومن أهم المؤسسات المصرية التى تحولت إلى بنك إستثمار إقليمى تأتى المجموعة المالية /هيرمس والتى آلت على نفسها عقد مؤتمرين سنويين أحدهما عالمى فى أوروبا وتحديدا فى لندن، والآخر إقليمى فى دبى حتى فى أحلك الظروف السياسية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وحول رؤية هذا البنك فى كيفية التحرك والعمل خلال الفترة المقبلة كان هذا الحوار على خلفية النجاح الكبير لمؤتمر المجموعة الذى عقد الشهر الماضى فى لندن وحقق أعلى نسبة مشاركة من الشركات العربية والعالمية والمصرية.. كيف يمكن الاستفادة من قدرات هذه المؤسسة المصرية التى تطورت خلال السنوات الأخيرة لتصبح السمسار الأول فى معظم العواصم العربية التى تعمل بها .. هذا ما حاورنا به الأستاذ كريم عوض الرئيس التنفيذى المشارك فى المجموعة .. بداية.. أستاذ كريم .. هل حان الوقت للمستثمر العالمى للعودة إلى مصر؟ الحقيقة أن المستثمر العالمى ينظر للسوق المصرية نظرة جادة باعتبارها من أهم الاسواق الناشئة فى المنطقة، ولكنه ظل خلال السنوات الثلاث الماضية فى حالة ترقب، واليوم وبعد مؤتمرنا الأخير فى لندن يمكننا القول بأن الحكومة المصرية بما اتخذته من إجراءات حركت شهية المستثمر العالمى الذى بدأ بالفعل فى اتخاذ خطوات فعلية للاستثمار فى مصر خلال الفترة المقبلة. قبل أن نتحدث عن الإجراءات التى إتخذتها الحكومة .. كيف ترى نتائج مؤتمر لندن الأخير؟ مؤتمر لندن الرابع كان أكبر مؤتمر نظمناه منذ 2010، شاركت فيه 71 شركة من 12 بلد بالمنطقة العربية ، منها 26 شركة مصرية، التقت بنحو 117 مؤسسة مالية تدير ما يقرب من 8 تريليونات دولار أصولا حول العالم. ولمسنا تفاؤلا كبيرا بالسوق المصرية حيث إن نسبة صعود المؤشرات فى السوق كانت كبيرة منذ يونيو 2013 وحتى الآن، وكان هناك طلب أكثر من العرض خلال الفترة من 2011 وحتى 2013، وكثير من الشركات المصرية توسعت فى الخارج، وقامت بزيادات فى رؤوس أموالها، وعادة نقيم المؤتمر فى يومين، وهذا العام إضطررنا لإقامته فى 3 أيام نظرا لكثافة المشاركة. ذكرت الإجراءات التى اتخذتها الحكومة وكانت محل إهتمام المستثمر العالمى والإقليمى .. ما هى تلك الإجراءات من وجهة نظرك؟ أداء الحكومة المصرية والعديد من الإجراءات وجد ترحيبا كبيرا من المستثمر العالمى ، ومن أهم هذه القرارات الرفع التدريجى للدعم عن الطاقة، والنظرة المستقبلية التى وضعتها الحكومة لتنفيذ هذه الاستراتيجية على مدى خمس سنوات، والإعلان عن ذلك، هذا أعطى قدرا كبيرا من الشفافية أمام المستثمر . نفس الأمر بالنسبة للضريبة 5% على الدخول الكبيرة، وقصرها على ثلاث سنوات، هذا أيضا اعطى رسالة طمأنة للمستثمر بأن الحكومة ليست حكومة جباية ولكنها حكومة تعرف ما تريد وترغب فى عبور مرحلة مؤقته . هذه القرارات الشجاعة من الحكومة صائبة 100%. ودعم ذلك سياسات البنك المركزى بأدوات السياسة النقدية مما أعطى طمأنينة للمستثمر خاصة فى مسألة حرية دخول وخروج رؤوس الأموال والعوائد، أيضا إستقرار سعر الصرف رغم كل الضغوط أمر يزيد من الطمأنينة للمستثمرين. أيضا القرار والقانون الخاص بقصر الإعتراض فى التعاقدات مع الحكومة على طرفى التعاقد، هذا أعطى ضوءا أخضر لكل من يرغب فى الإستثمار فى المشروعات القومية التى تكون الدولة طرفا فيها. هذه المشروعات تعنى وظائف جديدة، ودخول لأسر كثيرة ، ومزيد من الإستهلاك، ومزيد من دوران عجلة الإنتاج، وأيضا المزيد من الإستثمارات الأجنبية التى تمنحنا قدرة وقوة أكبر لإستقرار سعر الصرف وزيادة حجم السوق، وتنمية البلد. وماذا كان رأيهم فى الضريبة على الأرباح الرأسمالية ؟ للأسف القرار تم إتخاذه دون حوار كاف، وحتى الآن لم تصدر لائحته التنفيذية، هذا القرار ليس مشكلته الضريبة أو سعرها، ولكن صعوبة إحتسابها وتعقيدات ذلك، كنا نرى مثلا زيادة ضريبة الدمغة 1 فى الألف، كان تطبيقها أكثر سهولة وأكبر فى العائد. الضريبة على الأرباح الرأسمالية تحتاج لحركة بيع وشراء نشطة للغاية، وصعود مستمر فى الأسعار، ولكن بظروف السوق المصرية، الحصيلة لن تكون ذات قيمة يعتد بها، وبالتالى ضررها أكبر من نفعها. وما رأى المستثمر العالمى فى مشروع قناة السويس الجديدة؟ تلقينا استفسارات كثيرة من مؤسسات مالية عالمية حول سبل مشاركتها فى المشروعات المستقبلية على محور القناة القديمة، وسبب هذا الإقبال يرجع مرة أخرى لذكاء القيادة السياسية فى دعوة المصريين للاكتتاب فى شهادات استثمار القناة، فعلى الرغم من إمكانية تدبير البنوك ال60 مليار جنيه فى ساعات محدودة إلا أن اللجوء للناس ، والإنتهاء من جمع 64 مليار جنيه فى 8 أيام عمل أعطى رسالة قوية للمستثمر العالمى بأن الشعب المصرى ملتف حول قيادته ومستعد للتضحية من أجل بلده بكل ما يملك. المستثمر العالمى يدخل إذا كان أهل البلد أنفسهم مستثمرين فى مستقبلهم، وهذا هو ما حدث. أيضا مشروع محور القناة سيعمل على دخول مشروعات كثيرة متنوعة وأهم ما فى الأمر هذه الدفعة الكبيرة لقطاع المقاولات الذى يدعم أى اقصاد. المشروع على المستويين القومى والعربى قوى للغاية، وأهم ما فى الأمر هو فتح مشروعات تنمية المحور لكافة المستثمرين فيما عدا الأمور الأمنية، وهذا المشروع سيتحول لأهم مركز يغذى شرايين التجارة فى العالم أجمع. هل لكم دور فى الترويج لهذا المشروع؟ لو طلبت الحكومة منا أى دور سنقوم به بكل ترحيب. فنحن شركة مصرية لها حضور إقليمى قوى ، وسنساعد بكل ما يمكننا المساعدة به. الحكومة طرحت أيضا مشروعات لوجستية مهمة فى قطاع النقل، ما رأيكم فى هذا؟ الحكومة المصرية بدأت فى إستغلال الموقع الإستراتيجى لمصر، ولن تكون هناك حركة تجارة ناجحة دون إضافة طاقة طرق جديدة، ومن هنا فإن طرح مشروعات طرق تضيف 10% من حجم الطرق الحالية هذا مشروع سيحدث نقلة نوعية مهمة، أيضا مشروعات الكهرباء، والتعريفة الموحدة للكهرباء للمستثمرين أول خطوة لدخول القطاع الخاص فى مشروعات الطاقة سواء عادية أو متجددة، شمسية أو من طاقة الرياح. ماذا تحتاج مصر لجذب المستثمر الأجنبى، هل القوانين أم صندوق النقد الدولى؟ صندوق النقد سيصل لمصر أجلا أو عاجلا، فمصر فى حاجة للصندوق، ليس بهدف التمويل ، ولكن للحصول على شهادة دولية تعطى طمأنينة للمستثمر العالمى. والأمر الآخر مصر تحتاج لطمأنة المستثمرين أن أموالهم محفوظة، وأن تعاقداتهم مع الحكومة تتمتع بالحماية والإحترام، ومن أهم الأمور أيضا حماية المسئول الحكومى متخذ القرار ، لأن الأيدى المرتعشة لن تبنى بل تهدم وتضيع الفرص، أخطر الأمور ليست محاسبة المسئول عن قراره بالموافقة على إستثمار ما، ولكن محاسبته على تضييع فرصة للاستثمار، فما فاتنا من كسب أكثر أهمية مما يمكن أن يلحق بنا من خسارة يمكن تعويضها أو معالجتها. كيف نعالج الاقتصاد الموازى؟ مسألة صعبة للغاية، فحجمه كبير جدا، ووجوده يعنى أن 70% من المجتمع لا يدفع الضريبة، والبداية لابد أن تكون من قاعدة المهنيين من أطباء ومحاسبين ومحامين ومهندسين، فالبائع المتجول لا يهمنى كثيرا، ولكن دخول المهنيين للوعاء الضريبى ستحقق طفرة، وأحد الأفكار أن يتم الدفع لهم ببطاقات الدفع الإلكترونية، فبدون أن يدخل جميع أطراف المجتمع النظام المصرفى لن يظهر ثلثا الاقتصاد للعلن. ونحن لا نهدف من التعرف على هذا الاقتصاد جمع الضرائب، فالضريبة فائدة لدافعها، ولكن الهدف أن نرفع مؤشرات مصر الاقتصادية ، وهذا يزيد من جاذبيتنا للاستثمار. ومن الحكمة أيضا أن نفرض ضرائب محدودة للغاية على المهنيين والخارجين عن النظام الضريبى لجذبهم وليس لإخافتهم. أخيرا ما هى توقعاتكم للمؤتمر الإقتصادى فى فبراير المقبل؟ وهل انت متفائل؟ نتوقع نجاحا كبيرا، فالحكومة لديها قصة نجاح، وهذا التجمع الضخم بحضور الرؤساء والقادة وكبريات مؤسسات الإستثمار يأتى فى توقيت مناسب. مصر تحتاج مستثمرين وليس مانحين، ومن هنا فوضع أجندة إستثمار واضحة الملامح سيحقق الهدف المطلوب.. ونعم أنا متفائل، صحيح التحديات السياسية والأمنية لازالت قائمة، ولكن هذه التحديات موجودة فى العديد من الأسواق، وهذا لم يمنعها من العمل الجاد والصمود فى أحلك الظروف.