أثارت السقطة المهنية التى وقعت فيها مذيعة بإحدى القنوات الخاصة منذ أيام، قضية الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي، وقد الزمت المادة (24) من الدستور المصرى الصادر فى شهر يناير 2014 كل الجامعات بتدريس القيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة. لذا تحرص كليات ومعاهد وأقسام الإعلام على تدريس اخلاقيات مهنة الإعلام لطلابها فى اطار المقررات الدراسية التى يدرسها الطالب طوال أربع سنوات، لذا فإنك نادرا ما نجد خطأ مهنيا أخلاقيا ينزلق اليه الإعلاميون الذين درسوا الإعلام فى الجامعة وعرفوا أصوله وقواعده، أما هؤلاء الذين لم يدرسوا أصول وقواعد المهنة وتسللوا إلى استديوهات القنوات الفضائية الخاصة فى غسق الليل، فقد شق البعض منهم طريقه وأثبت كفاءته وتلك قلة تعد على أصابع اليدين، أما الغالبية العظمى فتحتاج إلى إعادة تأهيل، خاصة بعد أن أصبح الإعلام مهنة لها نظرياتها وقواعدها وأصولها المعتبرة فى تنظيم دول العالم. وقد يقول البعض: إن الإعلام الخاص لديه الأجندة التى يعمل فى إطارها ويتمتع بالحرية التى قد لا يتمتع بها اعلام الدولة أو ما يمكن أن يطلق عليه «الإعلام القومي». إلا أنه يجب التأكيد على أن الحرية ليست مطلقة ويجب أن تراعى المسئولية الاجتماعية، ومن هذا المنطلق ظهرما أطلق عليها «مواثيق الشرف الإعلامي» منذ عام 1913 بهدف تحسين الأداء الإعلامي، وبذلت محاولات كثيرة على مدى ما يقرب من قرن كامل، لوضع قواعد سلوك مهنى للصحفيين والإعلاميين، ولعل ما حدث يوم الجمعة 18 يوليو الحالى، ليدل دلالة واضحة على أن حرية الإعلامى ليست مطلقة، بل هى مرتبطة بالسياسة التحريرية الصارمة للوسيلة الإعلامية فقد قررت شبكة cNN الاخبارية الأمريكية التى تعد أكبر وأهم شبكة أخبارية فى أمريكا والعالم منذ أسسها «تيد تيرز» عام 1980سحب مراسلتها فى قطاع غزة بعد أن وصفت الإسرائيليين السعداء بغزو القطاع بأنهم «حثالة» ورأت إدارة الشبكة أن المراسلة أقحمت رأيها فى التغطية الاخبارية وهو ما يتنافى مع قواعد المهنة. وفى اليوم نفسه قررت شبكة NBC الأمريكية سحب مراسلها فى غزة أيضا لأنه نشر رسائل قصيرة على موقع »تويتر« يصف فيها جريمة قصف أربعة أطفال باعتباره شاهد عيان فى موقع الحادث. ورغم احتجاج العديد من المنظمات الإعلامية الدولية على سلوك هاتين الشبكتين الأمريكيتين تجاه مراسليهما اللذين انتقدا اسرائيل فى حربها على غزة، إلا أن المسئولين فى هاتين الشبكتين أصروا على موقفهم بإدانة أى مراسل يقحم رأيه فى التغطية الأخبارية للأحداث. إذ ان هناك قاعدة مهنية شهيرة تقول: إن الخبر ملك المتلقى أما الرأى فهو ملك صاحبه فى مختلف المجالات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية والرقمية بعد أن أصبح الإعلام فى مصر مهنة من لا مهنة له، وأصبح حقلا فسيحا «يبرطع» فيه بعض الشواذ فكريا، وأقصد بالشذوذ الفكرى ذلك الفكر غير المنضبط الذى يتنافى مع قيم المجتمع ويفتقر إلى الحس الوطني.وقد نص الدستور المصرى الجديد فى المادة المشار اليها على أن من بين اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام «وضع الضوابط والمعايير» اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومقتضيات «الأمن القومي» ويكفى أن نرجع إلى دستور ووقائق الاتحاد الدولى للمجالس الصحفية والإعلامية WAPC للاسترشاد بها فى انشاء الهياكل الثلاثة التى نص عليها الدستور (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام المرئى والإذاعى والرقمى المملوك للدولة) وتلك قضية تحتاج للتوقف أمامها طويلا فى مقال آخر. أستاذ الإعلام بجامعة بنها لمزيد من مقالات د. عبدالله زلطة