من الممكن تفهم ضرورة تشديد إجراءات الأمن لمواجهة أعمال العنف والإرهاب التى تضرب فى كثير من أرجاء العالم، لكن من غير المنطقى قبول منع السلطات الصينية موظفى الدولة والمدرسين والطلاب والعاملين فى المستشفيات وغيرهم من المسلمين من صوم رمضان بدعوى أنه يضر بالصحة واعتقال المحجبات فى اقليم شينجيانج ذى الأغلبية المسلمة. فقد اشتكى طلاب جامعات ل «بى بى سي» من إجبارهم على تناول الطعام مع الأساتذة فى نهار رمضان وقالوا إن من يرفض يعاقب بحرمانه من درجات علمية قد تؤثر على مستقبلة الوظيفي. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن النظام يأمر قيادييه الشيوعيين المحليين بفرض قيود صارمة على الأنشطة الدينية خلال رمضان خاصة ارتياد المساجد. أما وكالة أنباء أسوشيتدبرس فقالت إن تطفل قوات الأمن والاضطهاد الثقافى وحرمان «الويغور» من حقهم فى الموارد الطبيعية للإقليم وتوطين منتمين لقومية «الهان» أكبر العرقيات الصينية فى اقليمهم من أسباب الاضطرابات. كما يتهم عسكر خان نائب رئيس مؤتمر «الويغور» العالمى الذى يتخذ من ميونيخ بألمانيا مقرا له بكين بالتعامل مع عرقية «الويغور» التى تشكل أغلبية سكان شينجيانج كإرهابيين وتحظر انتقال أى منهم من مدينة إلى أخرى إلا بتصريح. «الويغور» واحدة من 56 قومية فى الصين ويقدر عدد أفرادها بتسعة ملايين مسلم فى إقليم شينجيانخ الذى كان يطلق عليه «تركستان الشرقية» قبل أن تضمه بكين عام 1949، وتحاول منذ ذلك الوقت ادماجه سياسيا واقتصاديا وثقافيا فى المنظومة الثقافية الرسمية للدولة، بينما يجاهد سكانه المسلمون الناطقون باللغة التركية للحفاظ على هويتهم وثقافتهم وممارسة شعائر دينهم بحرية فى إطار حكم ذاتى لإقليمهم تحت سيادة الدولة.لكن مساعيهم قوبلت بالقمع و مراقبة ممارسة الشعائر والتحكم فيها واعتقال شخصيات مدافعة عن حقوقهم مثل عالم اللغويات عبدالله أيوب والباحث الهامى توتى بتهمة الدعوة لانفصال الاقليم رغم أنهما طالبا فقط بسلطات أوسع للاقليم. السلطات الصينية بدأت فى مايو الماضى حملة أمنية تستمر عاما للقضاء على عمليات الإرهاب التى أعقبت تفجيرا انتحاريا راح ضحيته 39 شخصا فى إحدى أسواق «أورومتشي» عاصمة الاقليم وتم اعتقال المئات ومحاكمتهم وإعدام بعضهم وسجن الآخرين بتهم عديدة من بينها الانتماء لمنظمات ارهابية والتحريض على الكراهية العرقية والقيام بأعمال قتل وحرق عمدا.كما أعلنت أنها فككت 40 جماعة إرهابية ومتطرفة واعتقلت 400 شخص، وعثرت على 200 عبوة ناسفة. ومن أبرز أحداث العنف الأخرى طعن عدة أشخاص بالسكاكين حتى الموت فى محطة قطارات «كونمينج» فى مارس الماضي، وحادث مماثل راح ضحيته 13 شخصا فى بلدة على الطريق المؤدى إلى الحدود مع باكستان والهجوم الذى وقع فى ميدان السلام السماوى فى بكين عام 2012، وتم إعدام مرتكبيه الثلاثة. ورغم مليارات الدولارات التى أنفقتها بكين على تنمية الإقليم الواقع فى شمال غرب الصين فإن أحوال مسلمى «الويغور» لم تتحسن كثيرا لأن مشروعات التنمية جذبت المزيد من أبناء عرقية «الهان» للاقامة فى شينجيانج والحصول على فرص العمل والوظائف التى كان يتطلع اليها «الويغور» مما أثارغضبهم. يضاف الى ذلك استمرار السلطات فى قمع احتجاجاتهم والتضييق عليهم فى ممارسة شعائر دينهم مما دفعهم الى اللجوء لأعمال متطرفة باستهداف مرافق عامة يسقط فيها أبرياء فى هجماتهم بعد أن كانوا يستهدفون أفراد الشرطة ومسئولين بالحكومة فقط، الأمر الذى يخشى معه أن يتحول النزاع الى صراع بين «الويغور» وأبناء عرقية «الهان».وقد تعهد الرئيس الصينى شى جين بينج بتخفيف وطأة الفقر بالاقليم باستيعاب العمال المحليين وقال إن زيادة الاستثمار بالمنطقة ضرورية وكذلك تشجيع سكانها على العمل داخلها،ولكن لم يظهر لذلك أثرعملى بعد. ومع تصاعد عمليات العنف من جانب « الويغور» والعنف المضاد من السلطات لا يبدو أن المشكلة ستحل قريبا. وكلما تم تشديد القيود زاد ضغط البخار المكتوم الذى يؤدى للانفجار، خاصة عندما يتعلق الأمر بممارسة شعائر الدين التى يكفلها قانون حقوق الانسان الدولي..فالسلطات تمنع مثلا تعدد الزوجات الذى تبيحه الشريعة الإسلامية وترفض منحهم الحكم الذاتى المنصوص عليه فى الدستور الصينى حسب قول «المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة». ويشعل النزاع أكثر اعتقال الآلاف خلال الأشهر الخمسة عشر الأخيرة واستمرار اختفاء المئات من الويغور منذ اضطرابات يوليو 2009 حسب المنظمة الألمانية و«المؤتمر العالمى للويغور فى المنفي» اللذين اتهما السلطات بقتل المئات وطالبا باطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المختفين.وزاد البعض باتهام السلطات بتهجير المسلمين من شينجيانج وتوزيعهم على الأقاليم الأخرى بهدف تذويبهم وإضعاف قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم، بينما ذكر تقرير صادر فى برلين أن التضييق على السكان زاد الإقبال سرا على ممارسة شعائر الإسلام. يحدث كل ذلك ومنظمة التعاون الاسلامى تغط فى نوم عميق وكذلك حكومات 56 دولة اسلامية تستورد بمليارات الدولارات سلعا من الصين وتصدر لها مواد خام استراتيجية فى مقدمتها البترول وبلغ حجم تجارتها مع الدول العربية عام 2011 وحده 222 مليار دولار، ثم تزعم أنها لا تملك لهم شيئا!. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى