تحقيق: مروة البشير نادي الإسلام منذ مئات السنين ومن قلب صحراء لم تعرف معني الحضارة المدنية بقيم الحرية في الرأي و العقيدة والتفكير وطالب بحقوق الإنسان والمساواة بين البشر قبل أن تعرف البشرية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان1948. وقبل الثورة الفرنسية التي جاءت بقيم الاخاء والمساواة والحرية وقبل أيضا أن يأتي جان جاك روسو وتوماس هوبس ليتكلموا عن حق الإبداع والتفكير, فيما يطلق عليه الآن الفكر الليبرالي. يقول الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إن فكر الليبرالية في العصر الحديث يلتقي مع الإسلام في معظم جوانبه, وذلك علي أساس ان الإسلام يقر بأعظم أنواع الحرية وهي الحرية تجاه الخالق عز وجل, فمن المعلوم أن الإسلام قد أعطي حق كل إنسان في أن يعتنق الدين الذي يختاره عن بينه بشرط وجود الإرادة التي لاتخضع للإغواءات ولا الإغراءات, ومع ذلك أجاز الإسلام بنصوص صريحة أنه لا إكراه في الدين, ووجه الله عز وجل الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر, وفي مثل قوله تعالي: أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين, لذلك فإن ما دعا إليه المفكرون وأنصار النظم السياسية في العصر الحديث من حرية العقيدة والفكر والإبداع والتعبير وحرية التظاهر إنما هي جائزة بضوابط ألا تضر بالآخر وآلا تهدم القيم السامية والمقدسات الدينية, ولبرهان أيضا علي حرية العقيدة في الإسلام ما جاء في حجة الوداع حيث قدم الرسول صلي الله عليه وسلم في عبارة جامعة وكأنه بيان وإعلان عالمي قبل أربعة عشر قرنا من الزمان حيث قال:( أيها الناس ان ربكم واحد وإن أباكم واحد, كلكم لآدم وآدم من تراب, لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي). ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي أن هذا تأصيل لمبدأ آخر وهو المساواة بين البشر جميعا بغض النظر عن اختلافهم في الدين أو الجنس أواللون أوالوطن, يقول تعالي: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير, ومن المباديء التي يلتقي فيها الإسلام مع الليبرالية أيضا مبدأ الكرامة للجميع بصيغة الإنسانية ولعلنا نجد ذلك واضحا في قوله تعالي: ولقد كرمنا بني آدم, فالجميع مكرم عند الله سبحانه وتعالي, وهذا المبدأ ليس مجرد نظرية لا تجد لها مجالا في التطبيق العملي وإنما نجدها حقيقة مجسدة كما تطالعنا السنة العملية للرسول صلي الله عليه وسلم عندما مرت جنازة ليهودي علي الرسول ومعه بعض أصحابه فقام لها واقفا, فلما اندهش الصحابه وقالوا له: إنها ليهودي, فقال: أليست نفسا؟!, وقد أكد سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هذا المبدأ وهو الكرامة الإنسانية في قوله في رسالة بعث بها إلي واليه الأشطر:( الناس صنفان: اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). ومن مباديء الليبرالية أيضا التي أكدها الإسلام, مبدأ مساواة الناس جميعا أمام القانون وهذا واضح في قوله تعالي:وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين, ومبدأالحياد امام جميع اطياف الشعب ويقرها الإسلام في قوله: يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب, ومبدأ حرية التعبير ويقرها الإسلام في قوله تعالي:يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. ويري الدكتور محمد الشحات الجندي أن مثل هذه المباديء تقرر حقوقا وحريات تتفاخر بها الليبرالية المعاصرة ويعتبر أنصارها أنهم قد ابتكروا ما لم تعرفه الأنظمة السابقة علي المدنية الحديثة, ومما شجعهم علي ذلك حال المسلمين في الوضع الراهن والذي اعطي مفهوما خاطئا للغربيين عن أن هذا ليس نتيجة الإسلام, ولذلك فهناك حاجة ملحة نحو إحياء الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق وحضارة لتقديم نموذج إسلامي رشيد يعبر عن جوهر الإسلام.