الوطن في القرآن الكريم, هو أرض النصرة, والتي تغني المواطن مما هو في حاجة إليه من الأشياء, وهذا ما نفهمه من قوله تعالي في سورة التوبة:( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين. إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت). وإذا كان النص الكريم قد سما بالموطن أن يكون للمسلمين وحدهم, فإنه سبحانه عاد ليؤكد هذا المعني في سورة المائدة:( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) كما يؤكد القرآن الكريم أن الناس جميعا ذرية رجل واحد هو آدم فيقول عز وجل:( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) ويكشف القرآن الكريم أن الدين الإسلامي, ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة من مسيرة الدعوة إلي الله, فيقول تعالي:( وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد) وجاءت السنة لتكون تطبيقا عمليا للأسس التي تضمنها القرآن الكريم. لذلك كان من أهم آثار الهجرة ذلك الدستور الذي حرص رسول الله_ صلي الله عليه وسلم_ علي أن يضعه ليكون نظاما للحياة العامة في المدينة, ويكون الأساس المتفق عليه للمجتمع الجديد, وقد تضمن هذا الدستور مبدأ حق المواطنة, وقبول المجتمع الإسلامي للتعددية الدينية, حيث نص كتاب الرسول الكريم:( وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين, لليهود دينهم, وللمسلمين دينهم). كما حرص هذا الدستور علي أن يؤكد أن المجتمع الإسلامي يقبل أيضا التعددية العرقية, وأن جميع المواطنين متساوون في كل الحقوق. فينص كتاب رسول الله, علي أن( ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف, وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف, وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف, وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف, وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف, وأن ليهود بني ثعلبة ما ليهود بني عوف. وبعد هذا كله حرص دستور المدينة علي أن يؤكد وحدة كل سكان المدينة الوطنية, فينص:( وأن علي اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم, وأن بينهم النصر علي ما حارب أهل هذه الصحيفة) ثم ينتقل هذا الدستور إلي مبدأ في غاية الأهمية, وهو حسن المعاملة, حيث تنص صحيفة الدستور:( وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم). لذلك فإن ما جاء به حادث كنيسة القديسين بالاسكندرية, هو حادث من نوع جديد علي الإسلام, وعلي مصر بالذات, فهو حادث يخالف كل تعاليم الإسلام قرءانا وسنة, أما الحادث بالنسبة لمصر فهو ما لم تعرفه مصر في تاريخها الطويل, فلم يكن المصريون دعاة تفرقة, أو أصحاب ميول طائفية ومذاهب فلسفية تدعو إلي الانعزال الطائفي في المجتمع, ولم نجد في تاريخ مصر أي حادثة فردية من حوادث التعصب الطائفي ارتفعت إلي مرتبة الجماعة, فاحترام المقدسات عموما أمر أملته طبيعة هذا الشعب علي تاريخهم الطويل, حتي كانت الوحدة الوطنية في مصر بديهية تاريخية. واعتقد أن في محافظة المصريين مسلمين ومسيحيين علي المعابد اليهودية في مصر واحاطتها بكل احترام. رغم ما ينتهكه اليهود الصهاينة في فلسطين من حرمات المسلمين والمسيحيين لأعظم شاهد علي أن ما حدث بالاسكندرية ليس من طبيعة هذا الشعب بتاتا, وهو ما نلتمس فيه جميعا عزاءنا.