لاشك أن أحد أهداف الدولة العبرية، هو الوصول إلى أحواض الأنهار العربية لتوفير المياه التى تحتاجها فى فلسطينالمحتلة، إذ تسعى للحصول على 10% من إيراد نهر النيل سنويا، وهو ما يمثل 8 مليارات متر مكعب من المياه، يمكن أن تسهم فى حل مشكلة المياه فى إسرائيل.. والحقيقة أن أطماع الصهيونية فى مياه النيل ترجع إلى عام 1903، عندما تقدم الصحفى اليهودى «تيودور هرتزل» أبوالصهيونية السياسية إلى الحكومة البريطانية، بمشروع تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب فى فلسطين عبر سيناء، وفى عام 1974، أعد المهندس الإسرائيلى «أليشع كالي» مشروعا لمحاولة نقل جزء من مياه النيل إلى قلب إسرائيل من خلال توسيع ترعة الإسماعيلية لزيادة معدل تدفق المياه داخلها، حتى يسهل سحبها من أسفل قناة السويس إلى داخل إسرائيل، وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، طلبت الحكومة الإسرائيلية من الرئيس الراحل «أنور السادات» شق ترعة السلام من النيل إلى صحراء النقب، إلا أن الحكومة المصرية رفضت ذلك لعدة أسباب، منها أن مياه النيل هى لدول حوض النيل، لا يجوز نقلها لأى بلد خارجه، والبعد عن سياسة «تسعير المياه» التى تسعى إسرائيل جاهدة إلى إقرارها لصعوبة تنفيذها من الناحية الفنية، لأن المياه ليست سلعة كغيرها مثل الحديد والبترول. ومن ناحية أخري، فقد سبق لإسرائيل، أن تقدمت بمشروع قرار إلى المؤتمر الدولي، الذى عقدته الأممالمتحدة حول المياه عام 2009، وطالبت فيه باعتماد المياه «سلعة»، إلا أن المشروع فشل فى المصادقة عليه، لاعتراض مصر والسودان، واللافت فى هذا الصدد أن إسرائيل كانت تريد من وراء هذا المشروع تحقيق العديد من الأهداف، منها الحصول على مياه النيل عن طريق شرائه مثل أى سلعة، من أى دولة من دول حوض النيل، ومحاولة الضغط السياسى على مصر، وتهديد الأمن المائى المصري، المتمثل فى نهر النيل، كلما تعارض الموقف السياسى المصرى مع المصالح الإسرائيلية فى المنطقة، ومحاولة الضغط الاقتصادى على مصر، بتكبيدها سداد مبالغ ضخمة لدول المنبع فى حال اعتماد المياه سلعة قابلة للبيع والشراء، وهو ما يعكس تأثيرا سلبيا على تطوير مشاريع مصر الزراعية، خاصة أنها تسعى لاستصلاح أراض زراعية جديدة، فى حاجة إلى مزيد من المياه. وفى هذا السياق تبنت إسرائيل استراتيجية «المساعدات الإنسانية» إلى دول منابع النيل، على اعتبار أن ذلك يصب فى مصلحتها، ويدعم علاقاتها بدول القارة السمراء، وهو ما أكده فى السابق أول رئيس وزراء لإسرائيل «ديفيد بن جوريون» فى إحدى كلماته أمام الكنيست الإسرائيلى عام 1962، بقوله: إن المساعدات التى تذهب إلى القارة الإفريقية ليست «عملا خيريا»، بل تخدم مصالح إسرائيل فيها. وإذا كانت إسرائيل تتعاون مع دول حوض النيل فى إقامة العديد من السدود، وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبي، بخبث ودهاء، لتخفيض حصة مصر من مياه النيل كورقة ضغط على مصر، فإن الحكومة المصرية لا تمانع على وجه الإطلاق فى إقامة أى سدود فى دول حوض النيل، مادام ذلك لا يؤثر على حصتها المائية السنوية «55.5 مليار متر مكعب»، خاصة أنه سبق لمصر أن وافقت على إقامة سد «تكيزي» فى إثيوبيا لتوليد الطاقة الكهربائية. صلاح عبدالرحيم محمد المنصورة