يقترب الأول من مايو من عمال المراجل البخارية وهم جالسون بلاعمل على مقهى فى «منيل شيحة» بطريق القاهرةأسيوط يطل على شركتهم العائدة من فساد الخصخصة بحكم قضائى نهائى وبات .ولسان حالهم يقول بأى حال عدت ياعيد . تفرقت السبل بعمال واحدة من الصناعات الاستراتيجية المتصلة بصميم الأمن القومى للبلاد والقادرة على المساهمة فى حل أزمة الكهرباء التى تضرب مصر وستضربها بقوة أكبر بحلول هذا الصيف ,وهى أزمة تقتحم علينا يوميا بيوتنا .لكن هؤلاء العمال إذا استمعت لهم لأدركت مدى تعلقهم ببعضهم وبالشركة والصناعة وبالعمل ودوران عجلة الانتاج وبخدمة هذا الوطن. ولأدركت ايضا كيف انهم وكل هذه المعانى ومعها حكم القضاء الصادر فى 21 سبتمبر 2011 فى واد، والحكومة والإرادة السياسية فى واد آخر. بدأت رحلة عمال المراجل مع انشاء الشركة فى عام 1962 . وكان الجيل الأول من الطبقة العاملة البازغة بمنطقة «منيل شيحة» يتكون من نحو مائة مواطن جاءوا من أصول فلاحية . سواء أكانوا من أقارب نحو ثلاثين من صغار الحائزين اصحاب 33 فدانا زراعيا منتزعة كمنفعة عامة لاقامة المصنع، أو من القرى المجاورة بمحافظة الجيزة. ولقد تكفل مركز للتدريب الصناعى داخل الشركة بتأهيل العمال كفنيين مهرة . ولا أدل على نمو الصناعة ومعها طبقتها العاملة من أنه عشية خصخصة الشركة فى عام 1994 بلغ عدد العاملين المثبتين نحو 1200 علاوة على نحو 300 من العمالة المؤقتة . كما أصبح لإدارة النقل فى الشركة 12 خط أتوبيس يحمل يوميا العمال من مختلف ضواحى القاهرة الكبرى. وقبيل الخصخصة كانت الشركة تلبى احتياجات السوق المحلية، وتصدر الى الخارج، وتدخل فى مشروعات إنشاء محطات كهرباء مع الخبرة اليابانية . وكان بامكان عمالها ان يجنوا بين ثلاثة وأربعة اشهر أرباحا سنوية من شركة لم تكن خاسرة فضلا عن مزايا الرعاية الاجتماعية والصحية، بما فى ذلك رحلات المصايف. ولما جاءت الخصخصة بصفقة بيع لمستثمرين أجانب ومحليين وصفها حكم القضاء بأنها» الفساد الفاحش» بدأ عصر تدمير المصنع والصناعة ومعهما الطبقة العاملة بالشركة. والى جانب فتح باب استيراد الغلايات من الخارج وتخفيض الرسوم الجمركية عليها، وهدم مركز التدريب بالشركة و محاولة اخلاء أرضها لاقامة مشروع سياحى فوقها، جرى مبكرا مخطط التخلص من العمال المهرة.واضطر عمال الشركة الى خوض أول إضراب بعد أشهر قليلة من الخصخصة فى محاولة للدفاع عن حقوقهم وعن الصناعة . ولجأت ادارة الشركة الى فصل نشطاء العمال أو دفعهم الى الاستقالة وأكملت التخلص من غالبية عمال المصنع بفرض المعاش المبكر والخروج بتعويض مالى . وبحلول عام 1997 جرى التخلص من نحو 700 من العمال . وبتعويضات تتراوح بين 7 آلاف و 18 ألف جنيه استكمل العديد من خبرات هذه الصناعة الاستراتيجية مشوار الحياة باقامة مشروعات صغيرة بمحال بيع البقالة والخضراوات والملابس أو تشغيل تاكسيات الأجرة. ولحق بعضهم ممن تعثرت مشاريعهم هذه بزملاء لهم كعمالة رخيصة غير ماهرة بمحلات الكشرى وما أشبه .وانخرط آخرون فى أعمال فنية موسمية مثل تركيب الغلايات المستعملة أو اللحامات. ماتبقى من عمال المراجل البخارية ككتلة صلبة متماسكة بعد خصم الوفيات أيضا يقدر عددهم بنحو 260 عاملا. انتقلوا فى عام 2008 من مصنعهم فى منيل شيحة الى الشركة الوطنية للصناعات الحديدية (إحدى شركات أوراسكوم) فى مدينة السادس من أكتوبر. وكان على هؤلاء فى تلك المحطة من رحلتهم ان يعملوا فى أشغال أقل مهارة أو يعانوا من البطالة المقنعة. وكى يجرى استكمال تدمير مصنع وصناعة المراجل جرى نقل ماكيناته الى السادس من أكتوبر أيضا. تشتيت الطبقة العاملة فى المراجل على هذا النحو لم يمنعها من المقاومة. فقد تصدى نشطاء العمال على مدى العقد الأول من هذا القرن لمحاولة المستثمر إخلاء أرض الشركة تمهيدا لاستغلالها سياحيا بواسطة شركة عقارية أنشأها لهذا الغرض .لكن الضربة الكبرى فى مسلسل المقاومة جاءت بعد ثورة 25 يناير 2011 مع رفع الدعوى القضائية ببطلان الخصخصة . ولقد رفع الدعوى خمسة من العمال والمهندسين بينهم ثلاثة من ضحايا تشريد التعويضات، وآخر من العمالة المؤقتة .وكان الخامس من بين من استمروا فى العمل بالشركة الوطنية للصناعات الحديدية. لكن فور صدور الحكم التاريخى بعودة الشركة الى الملكية العامة وبإعادة العاملين الى أوضاعهم السابقة قبل 1994 مع منحهم كامل مستحقاتهم وحقوقهم قامت «الشركة الوطنية» بطرد من تبقى لديها من عمال المراجل. وبعد 17 شهرا فى الشارع الحقتهم حكومة هشام قنديل مؤقتا فى مطلع عام 2013 بشركة «ناروبين» للكاوتشوك بشبرا الخيمة ليستكملوا رحلة البطالة المقنعة. وعلى المقهى نفسه امام الشركة المغلقة التى تتقاعس الحكومات المتعاقبة عن تسلمها من المستثمر انتخب عمال المراجل فى فبراير الماضى لجنة نقابية مستقلة تجمع اشلاء طبقتهم العاملة. تضم أربعة من العمال الذين ذهبوا الى «ناروبين» وسبعة ممن شردهم المعاش المبكر والتعويض والفصل. وهم لديهم تصور واضح لكيفية إعادة تشغيل شركتهم بتكلفة نحو 50 مليون جنيه وبنحو 500 من عمالها المهرة المدربين. وهم على استعداد لتدريب عدد مماثل لضمان عودة المصنع للعمل بكامل طاقته. لكن قبيل عيد عمال 2014 بأيام لم تكن هدية الحكومة تشغيل الشركات العائدة من فساد الخصخصة، ولا تطبيق قرار الحدين الأدنى والأعلى للأجور، ولا تعديل قانون عمل جائر ضد العمال وحقوقهم، ولا اصدار قانون الحريات النقابية.بل جاء تعديل تشريعى ليحصن التعاقدات بين الحكومة والمستثمرين من طعن العمال والمواطنين عليها امام القضاء. وكأنها تنكر أصلا استعادة شركات مصر المسروقة. لمزيد من مقالات كارم يحيى