لم تعد الطفولة عنوان البراءة، بعد أن صارت أبشع الجرائم ترتكب باسمها وفى حقها .. فالمجنى عليه طفل .. والجانى أيضا طفل فى نظر القانون حتى لو كان عمره قد تجاوز السبعة عشر عاما .. واغتصب ..وقتل.. وألقى ضحيته وسط أكوام القمامة فى النهاية. المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات مصر الأسبق يشير الى ان القوانين تنظم الانشطة فى المجتمعات وهى تواجه المشاكل التى تعترض المجتمع بحلول تختلف حسب الزمان والمكان ، وبالتالى فليس هناك قانون دائم الى الابد ، وانما القوانين تتغير كلما كانت الحاجة ماسة الى هذا التغيير . وبالنسبة للأطفال فإن الدول تختلف فى تحديد سن الطفل من بلد الى آخر، فالبلاد الباردة تختلف بطبيعة الحال عن البلاد الحارة ، وفيما يختص بالجرائم الجنسية بالذات فإن الفيصل فى ارتكابها هو سن الجانى ، والذى يدور فى البلاد الحارة كمصر حول الثلاثة عشرة عاما ، ولذلك فإن المنطق يقضى بأن يحدد سن الطفل بالنسبة للجرائم بسن الثالثة عشر على الأكثر،، لأن من ضمن العقوبات التى توقع على الأطفال عقوبة التسليم للوالدين ، وبالقطع هذه عقوبة لا يمكن ان تتناسب لمن بلغ الثامنة عشرة من العمر ، خاصة أن الجرائم التى يمكن أن يقوم بها من بلغ الثامنة عشرة لا تختلف عمن يقوم بها فيمن جاوز هذه السن بكثير . ويوضح رئيس محكمة الجنايات الأسبق قائلا إنه ليس هناك عقل يتصور ان نعتبر طلبة الجامعة أطفالا ، وبالتالى فإن ما يرتكبونه من جرائم تتم المعاقبة عليها بعقوبة الطفل ومنها التسليم والاختبار القضائى أى ان يحرر الاخصائى الاجتماعى بالوحدة الاجتماعية تقريرا شهريا عن سلوكه بديلا عن الحبس، كما لا يتصور عقل أن يكون فى دور الرعاية التى تخصص لحبس الاطفال من بلغ الثامنة عشرة من العمر ، كذلك من كان أدنى من الثالثة عشرة أى بين البالغ وغير البالغ .، وكأننا نشجع الانحراف والشذوذ بين هولاء الذين ادينوا بارتكاب الجرائم . ويؤكد المستشار رفعت السيد ضرورة أن يكون القانون مواكبا لإحتياجات المجتمع ومنظما لأحواله و معالجا لمشاكله، والمجتمع يختلف من دولة لأخرى فما يصلح لدولة ما ليس بالضرورة يصلح لدولة أخرى ، والقوانين تخاطب البشر فهى كائن حى يولد ويعيش ويمرض ويحتاج إلى علاج و يموت بإلغائه واستبداله بآخر . وهنا يطالب رئيس الجنايات الاسبق بتخفيض سن الطفل الى سن البلوغ والذى لا يتجاوز 13 عاما ..، كما يطرح مبادرة لأطفال الشوارع الذين تقل اعمارهم عن ثلاثة عشر عاما ، من خلال جمعهم وإيوائهم فى دور تتكفل برعايتهم وتدريبهم وتعليمهم حرفا يعيشون منها ، وعدم التربص بهم حتى يرتكبوا جرائم فيتم إيداعهم دور الرعاية العقابية ، لأن الوقاية خير من العلاج ، وأطفال الشوارع قنابل موقوتة لا يمكن السيطرة عليها بعد وصولهم إلى سن البلوغ ، والعديد من الجرائم التى تشهدها المحاكم تؤكد أن الغالبية العظمى من الجرائم يرتكبها من ينطبق عليه وصف أطفال الشوارع الذين لا مأوى لهم ولا هناك من يتولى رعايتهم . ويناشد المستشار رفعت السيد أهل الخير فى مصر الذين يتبرعون بالكثير للدور التى ترعى الأيتام حتى صارت تلك التبرعات تجارة رابحة للغاية ، حيث ان ما يتبرع به أهل الخير وما يكفلون به من اليتامى يزيد عن حاجاتهم بكثير ، وان اولاد الشوارع فى حاجة لاتقل عن حاجة أبناء اليتامى خاصة ان الغالبية منهم من مجهولى النسب . الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى يقول انه فى القانون المصرى وكثير من القوانين فى العالم يتحدد سن الطفولة حتى 18 عاما , ويترتب على ذلك تكييف المسئوليات القانونية والعقوبات، بحيث تنتفى بعض العقوبات كعقوبة الإعدام وتخفف العقوبات الأخرى أو تستبدل بالإيداع فى إحدى دور الرعاية، على اعتبار أن الطفل (حتى 18عاما) لم ينضج إدراكه وتفكيره وتمييزه بين الأمور , وأن الأمر يستوجب عقوبات إصلاحية أكثر منها عقوبات ردعية أو انتقامية . ولكن نظرا لتكرار الجرائم التى يرتكبها اشخاص تحت سن 18 عاما وبشاعتها مثل الاغتصاب والقتل بطرق بشعة كما يوضح أستاذ الطب النفسى ارتفعت أصوات تنادى بتغليظ العقوبة على هؤلاء حتى يرتدع غيرهم ويتخلص المجتمع من هذه النماذج الإجرامية فى مهدها، ولكن يقف أمام هذه الدعاوى الجمعيات والمؤسسات التى ترعى حقوق الطفل حتى ولو كان مرتكبا لجريمة بشعة . وفى الشريعة الإسلامية (وفى شرائع دينية أخري) لاتتحدد المسئولية بسن 18 عاما كما هو الحال فى القوانين ولكن تتحدد بتأكد البلوغ وأن يطمئن القاضى إلى أن هذا الشخص بلغ درجة من الوعى والتمييز تمكنه من معرفة ماذا يفعل ومعرفة الخطأ والصواب وقدرته على التحكم فى نزعاته وبالتالى يحكم فى ضوء هذه المفردات التى تحدد مدى مسئولية الشخص عن أفعاله . وهذا المخرج الشرعى والقانونى فى نفس الوقت (حيث أن الشريعة هى مصدر أساسى فى التشريع) قد يعطى للقاضى الفرصة فى اختيار العقوبة المناسبة خاصة فى الجرائم التى تتسم بالقصدية والتعمد والوحشية وذلك تجنبا لمفاسد تفشى الجريمة . ويؤكد د. المهدى أن العقوبات وحدها لاتكفى لمنع الجرائم التى ارتكبها أطفال أو من هم دون الثامنة عشرة بل هناك ضرورة لبحث أسباب تفشى الجريمة فى هذه الشريحة من العمر فى السنوات الأخيرة وربما يستلزم هذا مراجعة الدور التربوى للأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والإعلامية , ودور الإنترنت والوسائط الحديثة فى تغيير التركيبة النفسية للأطفال والمراهقين.