أثار الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات الطفل ببورسعيد، بتوقيع أقصى العقوبة فى قانون الطفل بحبس محمود كسبر، 17 سنة، وعلاء أبو زيد جمعة، 16 سنة، خمسة عشر عاما، بتهمة اختطاف واغتصاب وقتل الطفلة زينة عرفة ريحان، البالغة من العمر 5 سنوات، وتعبير هيئة المحكمة عن أسفها لعدم وجود حكم بالإعدام فى قانون الطفل الذى عرف الطفل بأنه كل من لم يبلغ 18 عامًا وهو ما ينطبق على حالة المتهمين، الكثير من الجدل بين خبراء القانون وعلماء الدين. وطالب علماء الأزهر بإعادة النظر فى قانون الطفل مؤكدين أن صدور هذا الحكم من شأنه أن يؤدى إلى شيوع جرائم القتل والاغتصاب التى يرتكبها الأحداث. وأن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام يؤدى إلى فساد النظام الاجتماعى ويعد مخالفة لصريح القرآن والسنة ، لما يترتب على ذلك من تعطيل لأحكام الشريعة الصريحة . وأكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، أن الملاحظات على قانون الطفل عديدة منها أنه اعتبر أن سن الطفولة تمتد حتى سن الثامنة عشرة، مع أن الثابت فى كتب الحديث الشريف يفيد أن سن الطفولة تنتهى لبلوغ سن الخامسة عشرة، ففى أصح كتب الحديث وهما صحيحا البخارى مسلم عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما قال: (عرضت على النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد (أى عرض عليه ليشترك فى الحرب فى معركة أحد)،وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجبنى، وعرضت عليه يوم الخندق ( معركة الخندق) وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازنى. وبعد الإجازة أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج للاشتراك فى الحرب، قال عمر بن عبد العزيز، لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير( يعنى أن هذا هو الفرق بين الطفولة والرجولة ). وأضاف: الواقع يتفق مع هذه السن، فإن الولد يبلغ مبلغ الرجال فى العادة بكل تأكيد إذا وصل إلى سن الخامسة عشرة وتظهر عليه علامات البلوغ بصورة واضحة، فظهور شعر الشارب، وشعر اللحية، وغلظ الصوت بعد أن كان صوته طفوليا رقيقا، وثمة حادث اغتصاب للنساء رأيناه فى وسائل الإعلام المختلفة، ورأينا ضمن من اشتركوا فى الاغتصاب من وصل إلى سن الخامسة عشرة،وحياتنا مليئة بالحوادث التى تؤيد أن وصول الصبى إلى سن الخامسة عشرة يكون رجلا كامل الرجولة. وأكد الدكتور رأفت عثمان أن عدم تطبيق العقوبات الكاملة على من بلغ سن الخامسة عشرة حتى يبلغ سن الثامنة عشرة يؤدى إلى كثرة جرائم القتل فى المجتمع، لأنه ما على من يريد قتل إنسان إلا أن يتفق مع ولد لم يبلغ سن الثامنة عشرة ليرتكب هذه الجريمة، ومن المضمون طبقا للقانون ألا تطبق عليه عقوبة الإعدام ، وإنما يحكم عليه بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات . وطالب بتغيير هذا القانون سدا لأبواب كثيرة من أبواب جرائم القتل فى المجتمع، وجرائم الاغتصاب التى نراها فى كثير من الحالات ويشترك فى ارتكابها من لم يبلغ سن الثامنة عشرة، متسائلا: أليس من المعقول بل والبديهى أن من يشترك فى جريمة الاغتصاب قد بلغ مبلغ الرجال، وكثيرا ما نجد هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الجريمة تظهر عليهم الشوارب واللحى، أليست هذه علامات الرجولة وعلامات البلوغ؟. كما طالب الدكتور رأفت عثمان، بإلغاء الشرط الذى يشترطه القانون فى تطبيق عقوبة الإعدام وهو سبق الإصرار والترصد، فكم من جرائم قتل تحدث فى أثناء المشاجرات، ولا يطبق على القاتل عقوبة الإعدام لأن حادثة القتل وقعت دون سبق إصرار أو ترصد وإنما جاءت عرضية فى أثناء الاشتباك فى مشاجرة، وهذا أيضا يشجع على ارتكاب جرائم القتل ، فمن يرد قتل إنسان يختلق مشاجرة ولن تطبق عليه عقوبة الإعدام، ومن الواضح جليا أن هذا باب من أبواب قتل النفس دون جزاء رادع لهذه الجريمة. واستنكر الدكتور رأفت عثمان، مطالبة بعض المثقفين ومنظمات حقوق الإنسان بإلغاء عقوبة الإعدام أو وقف العمل بها. مؤكدا أنه لا يحق للمسلم أن يطالب بإلغاء حكم الإعدام والقرآن الكريم يقول: “كتب عليكم القصاص فى القتلى..”، ويقول فى آية أخرى: “ولكم فى القصاص حياة”، وعقوبة القصاص فى التعريف الإسلامى هى “عقوبة الإعدام، فكيف يمكن إلغاء أمر إلهي؟”. وأضاف: إن الإعدام فى القانون يوازيه القصاص فى الشريعة ذلك ما هنالك أن القصاص يطبق على الجانى بنفس الوسيلة التى ارتكب بها جريمته، وعلى رأى كثير من العلماء وإن كان البعض من الفقهاء كالإمام أبى حنيفة يرى لا قصاص إلا بالسيف، ويجب تطبيق عقوبة الإعدام لكل قاتل عمداً حتى لو كان من غير إصرار ولا ترصد، وأنه ينبغى إلغاء المادة 334 من قانون العقوبات والتى تنص على أن من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. فعقوبة الإعدام على الرغم من التحفظ عليها فى أكثر من ناحية فإنها تؤدى وإن كان بصورة غير كاملة إلى زجر الناس وردعهم عن قتل النفس، وقد بينت النصوص القرآنية أن قتل القاتل قصاصاً يؤدى إلى حفظ حياة الأفراد والجماعات، قال الله عز وجل “ولكم فى القصاص حياة” فالقاتل مادام يعلم أنه سيعدم والإعدام قريب من القصاص فى أن كلاً منهما إزهاق للنفس ولن يفلت من عقوبة الإعدام فإن العاقل لا يقدم على ارتكاب هذه الجريمة وبهذا تستمر حياة الاثنين حياة من كان يفكر فى القتل وحياة من فكر فى قتله. من جانبه يرى الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن عقوبة الإعدام مقررة شرعا فى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم, حيث حدد الله القصاص كمبدأ وربطه بالقتل فيما معناه أن جزاء القتل يكون بالقتل، كذلك من فزع آمنا من الناس فعليه حد الحرابة أى القتل, ولكل جريمة عقابها وعقوبة الإعدام ضرورية لأنها تحافظ على سلامة المجتمع من انتشار الفساد والجريمة. ويؤكد الجندى أن مسألة تحديد سن البلوغ هى مسألة خلافية فى الشريعة الإسلامية ، فجمهور الفقهاء مالك والشافعى وابن حنبل يذهبون إلى أن سن البلوغ هو 15 سنة ما لم تظهر على الطفل علامات البلوغ قبل هذه السن ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، أما أبو حنيفة فهو يعتبر أن سن بلوغ الفتاة 17 سنة والولد 18 سنة بالتقويم الهجري، ويعتد القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية والطفولة بما جاء فى المذهب الحنفي. وأوضح، أنه ينبغى أن يطبق الراجح من أقوال الأئمة وهو ما أجمع عليه جمهور الفقهاء، فى مسائل الأحوال الشخصية. أما بالنسبة للجنايات، فان قانون العقوبات يسميهم « الأحداث» ونص على أن سن الأهلية هو 18 عاما، وهذا معمول به قبل إقرار قانون الطفل عام 2006 ، ونص القانون على أن الحدث يعامل عقابيا ولا تطبق عليه عقوبة الإعدام بل يودع فى دار لرعاية الأحداث لأنه لم ينضج عقلا، باعتبار أن عقله لا يدرك خطورة الجريمة. مع العلم أن مثل هذه الجرائم الشنيعة مجرمة فى كل الشرائع والقوانين الوضعية وليست بحاجة إلى نضج. وقال إن هناك عدة اعتبارات اجتماعية تجعل تشديد العقوبة أمرا بالغ الأهمية ومن شأنه أن يحقق الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم الجسيمة التى تشكل تهديدا للأمن والسلام الاجتماعى وأحكام بالحبس يشجع على تكون مثل هذه الجرائم من الأحداث ويهدد أمن وسلامة المجتمع، ويجب أن يكون هناك أحكاما وتدابير وقائية وزجرية لمن تسول لهم نفسهم ارتكاب مثل هذه الجرائم. وطالب بمناقشة تلك الإشكالية بمجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار علماء الأزهر خاصة بعد شيوع ظاهرة استغلال «الأحداث» فى جرائم العنف والتخريب والقتل والاغتصاب وتخفى بعض القوى والتيارات وراء أطفال الشوارع واستغلالهم فى ترويع الآمنين. ويختم الجندى بالقول إن القصاص يرسى مبادئ العدل فى المجتمع حيث إن النفس بالنفس والعين بالعين وهو أمر إلهى لا يجب تجاوزه, وإلغاؤه مطلقا يعنى مخالفة مباشرة للنص القرآني. كما أن عقوبة الإعدام لا تزال هى الكفيلة بتحقيق الأمن والسلام المجتمعى وحفظ حرمة النفس الإنسانية التى يعتبرها الإسلام بان من قتل نفسا دون وجه حق فكأنما قتل الناس جميعا كما فى قوله تعالي: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا».