59 نصاً قانونياً وتشريعياً فى مصر، و105 جرائم كلها عقوبتها الإعدام، الواقع يؤكد أن عقوبة الإعدام أصبحت لافتة للنظر خاصة بعد زيادة عدد الأحكام الصادرة فى شهر يونيو الجارى.. ويدعونا للتوقف حول مدى التوسع فى استخدام هذه العقوبة التى لا تقبل «القسمة على اثنين» بعد تنفيذها، وأشارت تقارير الأممالمتحدة إلى أن مصر تعد واحدة ضمن 14 دولة توسعاً فى أحكام الإعدام، وفى الشريعة الإسلامية الإعدام عقوبة لكل من اقترف جرائم القتل العمد أو أفسد فى الأرض ويندرج تحت هذا المفهوم كل الجرائم الخاصة بالخطف والاغتصاب والبلطجة المعتادة ويطلق على هذا فى الإسلام «الحرابة». إحدى الدراسات الصادرة عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أكدت أن عام 1999، صدرت فيه أحكام بالإعدام ضد 108 أشخاص، من بينهم 12 امرأة، وصدرت خلال 5 سنوات أحكام بالإعدام ضد 382 شخصاً، أى بمعدل 76 حكماً كل عام، ووفقاً لتقارير الأممالمتحدة، تعد مصر إحدى أكثر 14 دولة توسعاً فى أحكام الإعدام وهذه الزيادة المطردة خلال العام الأخير ربما ترشح مصر لتكون على رأس هذه القائمة. وأشارت هذه الدراسة إلى أن هناك عدة تشريعات تنطوى على عقوبة الإعدام بلغت 59 نصاً قانونياً، تحصر بدورها 105 جرائم، تتوزع بين 44 فعلاً يعاقب عليها قانون العقوبات، و41 فعلاً يعاقب عليها قانون الأحكام العسكرية، و19 فعلاً يعاقب عليها قانون المخدرات، وفعل واحد يعاقب عليه قانون الأسلحة والذخائر. هذا التوسع دعا بعض القائمين على منظمات المجتمع المدنى للمطالبة بتحجيم اللجوء إلى استخدام هذه العقوبة، وقصرها فى جرائم محددة، على أن يحظر استخدامها بشكل قطعى فى الجرائم السياسية، مؤكدين أن عقوبة السجن مدى الحياة أو لفترة طويلة، ربما تكون أفضل بديلاً للإعدام، مشدداً على أنه أصبح من الأهمية تفعيل «الدية» فى قضايا القتل العمد، بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية. وفى هذا السياق طالب النائب محمد خليل قويطة بتنفيذ عقوبة الإعدام علناً، بعد أن تقدم إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى فى البرلمان التى وافقت على اقتراح مشروع القانون الذى تقدم به للمجلس أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام علنا فى قضايا الاغتصاب، فى وسائل الإعلام، خاصة التليفزيون، مستنداً لتحقيق الردع ضد هذه الجريمة، قياساً على الرجم فى واقعة الزنى، وأيد علماء الدين فى هذا الاقتراح بأن الهدف من إعلان العقوبة فى الشريعة الإسلامية هو ردع الجانى وزجره. أما منظمات حقوق الإنسان فترى أنه لا يصح لأن فيه إيذاء لمشاعر الأطفال والنساء. وفى المقابل قال حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إنه أرسل لرئيس البرلمان المصرى يطالبه بعدم موافقة البرلمان على تنفيذ هذا المشروع، لتعارضه مع التزامات مصر الدولية أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بذلك. قال الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الديار المصرية الأسبق: إن عقوبة الإعدام فى التشريع الإسلامى تكاد تكون لا تقر إلا فى حالتين فقط، هما حالة القصاص، أى فى حالة تحقق جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد، وهنا يكون العقاب النفس بالنفس منعاً للقتل، لأن القصاص يجعل من يريد قتل أخيه يعيد التفكير فى أمر قتله مئات المرات، لأنه لو قَتل سوف يُقتل هو الآخر، إذن القتل فى التشريع ليس بغرض القتل، بل يهدف إلى نفى القتل، ومن ثم يقول رب العزة: «ولكم فى القصاص حياة»، فالقصاص يحمى الحياة الإنسانية. وأضاف: أما الحالة الثانية، التى يتأكد فيها القتل فهى الحرابة أو الإفساد فى الأرض، الذى يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، وهو حد لا يمكن إثباته إلا فى حالة الإقرار الصريح أو توافر الأدلة القاطعة، ويندرج تحت هذا الإفساد جرائم الاغتصاب، كالحكم الأخير الذى صدر ضد عشرة أشخاص تجردوا من آدميتهم، وارتكبوا أقسى أنواع الفحش والرذيلة من خطف واغتصاب. واعترض د. عبدالله النجار أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة على مناداة البعض بإلغاء عقوبة الإعدام والقصاص، لأنها تعد حداً من حدود الله لا يمكن المساس به، فالقصاص يمثل قمة العدل ويساوى بين الجميع فى الحياة، موضحاً أن مسألة الردع العام ليست موجودة فى المجتمع، الذى نحياه حتى فى حالة تطبيق عقوبة الإعدام، وبالتالى يصبح القصاص ضرورة اجتماعية. وأشار النجار إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية فى حد القصاص، لأنه حسب الشرع فى حال عفو ولى الدم عن المتهم ومطالبته ب«الدية» يسقط حد القصاص عن المتهم، فى حين أن القانون الوضعى يوجب فيه تنفيذ عقوبة الإعدام، لأنها جريمة فى حق المجتمع، وكذلك لابد من إثبات التهمة بشكل قاطع فى الشريعة الإسلامية، أما القانون الوضعى فيعتبر الإقرار سيد الأدلة، وذلك ليس صحيحاً، خاصة أن الوضع الحالى يتم فيه تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف.