طالبت دراسة حديثة للدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, باستبدال عقوبة الأشغال الشاقة التي نص عليها قانون العقوبات علي من يقتل نفسا عمدا( دون إصرار ولا ترصد), وأن تكون العقوبة الواجبة التنفيذ بدلا منها هي الإعدام, وفقا لما نصت عليه الشريعة الإسلامية. ودلل الدكتور رأفت عثمان في الدراسة التي أعدها عن عقوبة الإعدام وعلاقتها بالقصاص بأن القصاص الشرعي لا يشترط فيه سبق الإصرار والترصد الذي نص عليه القانون, وإنما الشرط أن تقع الجناية من مكلف أي بالغ عاقل مع العمدية فلو قتل إنسان إنسانا عمدا عدوانا من غير تربص ولا سبق إصرار فقد وجب القصاص منه. فيما ذهب قانون العقوبات المصري إلي أن عقوبة الإعدام لا تطبق علي القاتل إلا إذا كان القتل قد تم مع سبق الإصرار أو الترصد, أو تم بالتسميم أو ما يعد مثله وهو القتل العمد بالجواهر التي يتسبب عنها الموت عاجلا أو آجلا, فإذا تم القتل دون سبق إصرار أو ترصد ولا بالتسميم ولا بالجواهر التي تؤدي إلي الموت عاجلا أو آجلا فليس علي الجاني عقوبة الإعدام, بحسب القانون, ولهذا نصت المادة(234) من قانون العقوبات علي: من قتل نفسا عمدا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. واعتبر الدكتور محمد رأفت عثمان أن هذا مما يشجع من يريد قتل آخر, أن يفتعل موقفا لا يكون فيه سبق إصرار ولا ترصد, كالتشاجر الذي ينتهي بأن يقتل فيه من يراد قتله, ولن يعاقب علي هذه الجريمة الشنعاء إلا بسنوات يقضيها في الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وأصبحت حياة الإنسان لا تساوي في القانون الوضعي إلا هذه السنوات فما أرخص حياة الإنسان في القوانين الوضعية وما أغلاها في شريعة الله عز وجل. ولهذا والكلام للدكتور رأفت عثمان فإننا نطالب بإلغاء المادة(234) من قانون العقوبات المصري وكل مادة في قوانين العقوبات في الدول الإسلامية عربية أو غير عربية تقول بالعقوبة التي تنص عليها هذه المادة, وأن تكون العقوبة هي الإعدام إذا كان القتل عمدا عدوانا. وتطرق البحث إلي الوسائل التي يتم بها تنفيذ العقوبة موضحا أن العدالة في القصاص أو الإعدام أن تتم عقوبة الجاني بالوسيلة التي نفذ بها جريمته, فإذا قتل بالسيف يقتل بالسيف وإذا قتل بالشنق يقتل بالشنق, وإذا قتل بالتغريق يقتل بالتغريق وإذا قتل بالحرق يقتل بالحرق وهكذا, قال عز وجل:( فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم). فإذا علم من يفكر في قتل غيره أنه سيقتص منه أو يعدم بنفس الصفة التي تمت بها جريمته, فإن ذلك من شأنه أن يكون رادعا له, إلا إذا ظن أنه ناج من العقوبة, وهو ظن يخيب كثيرا عند المجرمين. وأشار إلي أنه إذا كانت بعض جرائم القتل العمد تتم بصورة بشعة فإنه يجب أيضا أن يكون القصاص أو الإعدام كذلك, ويجب أن يلاحظ أن ذلك قليل جدا, ونعده استثناء من إحسان القتلة يقتضيه الزجر والردع. وإذا نظرنا إلي النصوص القانونية في قانون العقوبات المصري التي بينت الجرائم التي تطبق علي مرتكبها عقوبة الإعدام, فسنجد أن الحكم الشرعي فيها لا يختلف عن حكم القانون في هذه الجرائم في القانون وذلك لأنها جرائم إما أن تكون قتل نفس وهذه عقوبتها القصاص, ومن الواضح أن الإعدام يقوم مقام القصاص في بعض صوره, وإما أن تكون جرائم من شأنها أن تؤدي إلي الإضرار بالدولة ضررا مباشرا, أو مساعدة العدو علي الدخول في البلاد, وغيرها من الجرائم التي يجمعها الإضرار الشديد بالدولة. ومع أن هذه الجرائم لا تدخل في باب القصاص أو الحدود, وإنما هي داخلة في باب التعزير, فإنه يجوز أن تكون العقوبة التعزيرية قتل مرتكب الجريمة التي أدت إلي الإضرار الشديد بالدولة كالتجسس ومعاونة العدو بأية صورة من الصور, فقد ذهب فريق من العلماء إلي جواز قتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله, وهو ما يراه مالك, وبعض أصحاب أحمد. ويدل علي أن عقوبة التعزير يمكن أن تصل إلي القتل في الجرائم الكبيرة ما روي البراء بن عازب قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله. واختتم البحث بالإشارة إلي أن العقوبة في الإسلام وكل الشرائع الإلهية والنظم التي تحترم إنسانية الأفراد والجماعات وتحرص علي حقوق الإنسان لا تكون تشفيا من المحكوم عليه بها, ولا هي وسيلة انتقام منه, ولكنها استثناء في معاملة من يتنكبون الطريق السليم في العلاقات الطيبة التي يجب أن تسود بين الأفراد والجماعات, وبالصورة التي لا تمحو إنسانيتهم. وعقوبة الإعدام مع التحفظ عليها في أكثر من ناحية تؤدي وإن كان بصورة غير كاملة إلي زجر الناس وردعهم عن قتل النفس. وقد بينت النصوص القرآنية أن قتل القاتل قصاصا يؤدي إلي حفظ حياة الأفراد والجماعات, قال عز وجل:( ولكم في القصاص حياة) فالقاتل ما دام يعلم أنه سيعدم والإعدام قريب من القصاص في أن كلا منهما إزهاق للنفس ولن يفلت من عقوبة الإعدام, فإن العاقل لا يقدم علي ارتكاب هذه الجريمة, وبهذا تستمر حياة الاثنين: حياة من كان يفكر في القتل, وحياة من فكر في قتله.