ردود الأفعال الغاضبة التي سادت الأوساط القانونية والسياسية والشعبية في اعقاب حكم محكمة جنايات بورسعيد في قضية الطفلة زينة والقاضي بحبس المتهمين 15 عاما وفقا لقانون الطفل وتعديلاته. دفعت رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور. الي تكليف مجلس الوزراء بتعديل أحكام قانون العقوبات بالنسبة للأحداث. بحيث تستثني جرائم الاغتصاب والقتل وهتك العرض والسرقة بالإكراه من نطاق تطبيق أحكام الطفولة لمن بلغ الرابعة عشرة ويحكم عليه بعقوبة جنائية في أحوالها العادية. كانت هيئة المحكمة برئاسة المستشار أحمد حمدي قد أكدت في حيثيات حكمها انها تراءت توقيع أقصي عقوبة للبالغين. وهي عقوبة الإعدام. إلا أنها تأسف لعدم وجود عقوبة في القانون العقابي المنطبق علي المتهمين. أشد من الذي تقضي به. وتقف عاجزة أمام القيد القانوني بنصوص قانون الطفل. رقم 12 لسنة 1996. والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008. وما وقعت عليه مصر في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1989. والذي شرع في القانون المصري احترما للمواثيق الدولية.وفور صدور الحكم استقبل أهل الضحية زينة والشارع المصري الحكم بحالة من الحزن والغضب. فلم يدخل الجميع في جدل علي حكم قضائي صادر وانما استهجنوا بشدة القصور الفادح في نصوص قانون العقوبات الذي لم يعطي السلطة للقاضي في الحكم بتوقيع القصاص العادل ¢الإعدام¢ علي المتهمين. في حالة أن مرتكب الواقعة لم يبلغ الثامنة عشرة. أي ¢حدث¢. وطالبوا بضرورة تدخل المشرع وتعديل نص القانون. مأزق قومي الأمومة والطفولة اللافت أن المجلس القومي للطفولة والأمومة اعتبر نصوص القانون التي سبق ودافع عنها خاصة مادة رفع سن الطفل قاصرة عن تحقيق العدالة ومواجهة جرائم الاحداث. فقد طالبت الدكتورة عزة العشماوي. الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة. بتعديل قانون الطفل بما يتناسب وإنزال عقوبات ملائمة لحجم الجرائم البشعة مثل جرائم الاغتصاب والقتل والتخريب والإرهاب وغيرها ووضع ضوابط تتناسب وخطورتها. وقالت إنه يتعين إعادة النظر في مواد قانون الطفل لاسيما نص المادة 111 التي تنص علي أنه لا يوجب الحكم بإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا المشدد علي المتهم الذي لم يبلغ سن ال 18 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة . ومع عدم الإخلال بحكم المادة 17 من قانون العقوبات والتي تنص علي أنه إذا ارتكب الطفل جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المشدد أو السجن المؤبد . يحكم عليه بالسجن الذي حده الأقصي لا يزيد عن 15 عاما. مشيرا الي ضرورة إعادة النظر في مواد القانون بحيث لا يصبح مدخلا لارتكاب الجرائم والاستفادة من العقوبات المخففة والاستثناءات الإجرائية بحجة أن المتهم لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة. ولا تغل يد القاضي فيجوز له اذا بلغ الطفل 15 عاما وارتكب جريمة بشعة وصدمت المجتمع المصري أن تغليظ العقوبات وفقا لضوابط ما يترائي له. وربما يكون من المناسب هنا التذكير بأن معظم التعديلات التي تم ادخالها علي قانون الطفل المصري سبق واعترض عليها الكثير من الهيئات والباحثين والعلماء خاصة فيما يتعلق بسن الطفل والمسئولية الجنائية عليه وتأكيد التعديلات أن مرجعيتها الاتفاقيات والقوانين الدولية وليس الشريعة الإسلامية. كما احتدم الجدل حولها ابان وضع الدستور المصري واصرت القوي المدنية علي ما جاء بالاتفاقيات الدولية. وفي هذا السياق. حذرت اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل في دراسة عن ¢الرؤية الشرعية لمشروع تعديلات قانون الطفل المصري¢ من مخاطر هذه التعديلات. وانتقدت نصها علي أن المقصود بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشر سنة ميلادية كاملة. وفقا للمفهوم الغربي. وتجاهل المتغيرات التي تسود المجتمعات وانعكاسها علي عقلية الطفل وإدراكه وأهمية توجيهه ومتابعته وتقويمه وفقا للقيم الإسلامية. وكشفت أن القانون قد خفف العقوبات تخفيفا مخلا. حيث أهدر مبدأ العقوبة في التشريع. وأهدر الردع العام والخاص للجريمة. إذ جعل عقوبة الجناية تنزل الي عقوبة الجنحة. ومن عقوبة الجنحة الي اللاعقوبة. مما يشكل خطرا علي السلام الاجتماعي. وتضييعا لحقوق المجني عليه. تشجيع للجريمة ويؤكد الدكتور محمد مختار المهدي. الأستاذ بجامعة الأزهر. أن تخفيف العقوبة كما نص قانون الطفل يؤدي الي تشجيع المراهقين علي ارتكاب الجرائم والجنايات والجنح مع أن الإسلام يجعل ¢البلوغ¢ مناط التكليف. موضحا أن المادة 111 نصت علي أن:¢ إذا ارتكب الطفل - الذي تجاوزت سنه خمس عشرة سنة ولم يتجاوز ثماني عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام. أو السجن المؤبد. أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن. فإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور. ويجوز للمحكمة - بدلا من الحكم علي الطفل بعقوبة الحبس - أن تحكم بإيداعه إحدي المؤسسات الإجتماعية مدة لا تقل عن سنة. طبقا لأحكام هذا القانون. أما إذا ارتكب الطفل جنحة - معاقبا عليها بالحبس أو الغرامة. فللمحكمة. بدلا من الحكم بالعقوبة المقررة لها أن تحكم باحد التدابير الرابع والخامس والسادس المنصوص عليها في المادة 101 من هذا القانون. بينما يعفي من لم يبلغ الخامسة عشرة من العقوبة نهائيا. عند ارتكابه أي جريمة. وعوضا عن ذلك يحكم عليه بأحد التدابير الواردة في المادة 101. وهي: التوبيخ. التسليم لوليه. الإلحاق بالتدريب المهني. الإلزام بواجبات معينة. الاختبار القضائي. العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته. وتحدد اللائحة التنفيذية أنواع هذا العمل وضوابطها. الإيداع في أحد المستشفيات المتخصصة. والإيداع في إحدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية. وعدا المصادرة وإغلاق المحال لا يحكم علي هذا الطفل بأي عقوبة أو تدبير منصوص عليه في قانون آخر¢. وقال انه وفقا لنصوص القانون إذا ما ارتكب شاب يبلغ من العمر السابعة عشرة ونصف -مثلا- جريمة قتل أو اغتصاب. يحكم عليه بالسجن. واذا ما قام بإضرام حريق في مكان. أو بالتسبب في عاهة مستديمة لآخر. سيعاقب بالحبس ثلاثة شهور علي حد أقصي. مضيفا انه في حالة ما إذا قام فتي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما "إلا يوما". حتي وإن كان بالغا. بالقتل او توزيع المخدارت. أو ارتكاب اي جريمة. فلن يعاقب. وشدد علي أن القرآن الكريم ألقي حكما تكليفيا علي الصبي بمجرد بلوغه بغض النظر عن سنه حيث جاء فيه: ¢وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم¢ النور59. مبينا أن الشارع الحكيم جعل المسئولية الجنائية مسئولية فردية ¢وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه¢ الإسراء 13. استثناءات ممكنة ويوضح الدكتور حمدي مصطفي - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر. أن القضاء المصري ملتزم بنصوص القانون وبالاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر. مشيرا الي أن الحكم جاء وفقا للنص الذي جاء بقانون الطفل وبنوده التي لا تنص علي الحكم بالإعدام أو المؤبد. وأضاف أن علماء الشريعة اختلفوا حول سن البلوغ. حيث اعتبر اغلبهم أنه هو 15 عاما سواء كان ذكرا أو أنثي ما لم تظهر علي الطفل علامات البلوغ قبل هذه السن. مبينا أن بعض الفقهاء يري أن سن بلوغ الفتاة 17 سنة والولد 18 سنة بالتقويم الهجري.ويقول إنه كان يتعين أن يأخذ القانون بالرأي الراجح للعلماء وما أجمع عليه جمهور الفقهاء في مسائل الأحوال الشخصية. ولكن اخذ القانون المصري بما جاء في المذهب الحنفي فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية والطفولة. مضيفا أن القانون اعتبر هؤلاء ¢احداث¢ نظرا لنصه علي أن سن الأهلية هو 18 عاما. وعند ارتكابهم فعل يأخذ حكم الجنايات يعاملوا عقابيا ولا تطبق عليهم عقوبة الإعدام بل يتم ايداعهم في دار لرعاية الأحداث لأنه لم ينضج عقلا حتي يدرك نتائج افعاله ومدي خطورتها. وقال إن الحكم في حيثياته اوضح مدي تقيده بالنصوص الواردة والتي جعلته يصدر العقوبة التي اعتبرها غير كافية أو رادعة. مضيفا أنه يمكن اجراء تعديلات تشريعية علي نصوص القانون تسمح باستثناء بعض الجرائم كالقتل وهتك العرض والاغتصاب وتكون عقوبتها أشد من 15 عاما في حالة ارتكابها من المتهمين الأحداث مع ضرورة النص علي أن يكون المجني عليه أيضا طفلا. وأكد أن افتقاد القانون الردع ووضع استثناءات تسمح للبعض ارتكاب الجرائم الخطيرة والتي تهدد السلم الاجتماعي والافلات من العقاب يمثل خطورة كبيرة علي المجتمع. معتبرا أن القصاص وتغليظ العقوبات يحقق الوقاية والاحتراز ضد الفئات الضالة التي تستهين باعراف وقيم المجتمع وتهدر حرمة النفس الإنسانية ويؤكد علي قيمة العدالة بين الناس.