تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان الكبير أحمد مظهر، أحد أبرز رموز السينما المصرية في القرن العشرين، والذي لقب ب"فارس السينما المصرية"، لما امتلكه من حضور آسر وهيبة نادرة، وشخصية متكاملة جمعت بين العسكرية والفن، وبين الالتزام الإنساني والجاذبية الفنية. بدأ حياته ضابطًا في الجيش المصري، وكان أحد المشاركين في تنظيم الضباط الأحرار، قبل أن يتحول إلى أحد أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ السينما، حيث قدّم أعمالاً خالدة ما زالت تُعرض وتُناقش حتى اليوم. من جبهة القتال إلى شاشات الفن ولد أحمد مظهر في 8 أكتوبر عام 1917، وتخرج من الكلية الحربية عام 1938 ضمن دفعة ضمت زملاء بارزين، مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات. شارك في حرب فلسطين عام 1948، وبعدها انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكان مسؤولاً عن قيادة مدرسة الفرسان في التنظيم عام 1952، ليلعب دورًا مهمًا في تمهيد الطريق لثورة 23 يوليو. ورغم أنه التحق في البداية بكلية الطب البيطري تنفيذًا لرغبة والده، فإن شغفه بالمغامرة والانضباط العسكري قاده إلى تغيير مساره والتحاقه بالحربية، ليبدأ رحلته المزدوجة بين العسكرية والفن. البداية الفنية والانطلاقة الذهبية لم يكن دخول أحمد مظهر إلى عالم السينما محض صدفة، بل جاء مدروسًا شارك لأول مرة في فيلم "ظهور الإسلام"، لكن انطلاقته الحقيقية كانت من خلال دور البرنس علاء في فيلم "رد قلبي" (1957)، الذي أخرجه عز الدين ذو الفقار، والذي فتح له أبواب البطولة على مصراعيها. ومن هنا، بدأت مسيرته الاستثنائية، حيث قدم أعمالاً أصبحت من كلاسيكيات السينما، مثل، دعاء الكروان والناصر صلاح الدين والليلة الأخيرة، الزوجة العذراء، والعتبة الخضراء، والخطايا. مثقف وصاحب فكر.. لم يكن مجرد نجم بعيدًا عن الكاميرا، كان أحمد مظهر قارئًا نهمًا ومثقفًا واسع الاطلاع، يتحدث أكثر من لغة، وكان مهتمًا بالعلوم والفنون والآداب، كما كتب وأخرج بعض الأعمال بنفسه عرف عنه الانضباط الشديد والالتزام الأخلاقي داخل مواقع التصوير، مما جعله قدوة للجيل الذي تلاه. حب الخيل.. ما بين العسكرية والفن لم يكن لقب "الفارس" مجرد صفة فنية، بل كان أحمد مظهر فارسًا حقيقيًا؛ فقد أحب ركوب الخيل وشارك في بطولات الفروسية خلال خدمته العسكرية، وامتلك إسطبلاً خاصًا بالخيل اعتنى به حتى سنواته الأخيرة. حتى في أدواره، لم يكن تمثيلًا حين يركب الحصان؛ بل كان أداءً صادقًا نابضًا بالواقعية. أحمد مظهر والسينما التاريخية.. وجه القائد والنبل برز أحمد مظهر كأحد أقوى وجوه السينما التاريخية في مصر والعالم العربي، بفضل ملامحه الهادئة ووقاره الطبيعي، ما جعله الخيار الأمثل لأدوار القادة والفرسان. فقدم ببراعة شخصية الناصر صلاح الدين في الفيلم الشهير الذي أخرجه يوسف شاهين، مجسدًا قائدًا شامخًا ومثقفًا في آنٍ واحد. لم يكن تمثيله مجرد أداء درامي، بل كان انعكاسًا حقيقيًا لشخصية عاشت العسكرية ومارست القيادة. مخرج وكاتب.. وجه آخر لم يُسلّط عليه الضوء ورغم شهرته كممثل أول، لم يتوقف أحمد مظهر عند التمثيل فقط، بل خاض تجربة الإخراج والتأليف في بعض أعماله مثل فيلم "حبيبة غيري"، حيث أظهر جانبًا مختلفًا من موهبته، موازنًا بين الحس الفني والدرامي والقدرة على قيادة العمل من خلف الكاميرا. كان يؤمن بأن الفنان الحقيقي يجب أن يتقن أدواته كافة، وأن يشارك في تشكيل العمل من الداخل والخارج. إرث فني خالد استمرت مسيرته الفنية لما يزيد عن أربعة عقود، جسد خلالها أدوارًا مركبة ومتنوعة، من الأدوار التاريخية إلى الاجتماعية والرومانسية. وتم تكريمه في العديد من المحافل الفنية، وتوفي في عام 2002 عن عمر ناهز 84 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الأعمال والذكريات.