إن لم تكن الانتخابات الرئاسية المقبلة شفافة ونزيهة وتنافسية فلا داعي لها أصلا. فمصر الجديدة لن تخدعها ممارسات سابقة ثار عليها المصريون ولن يقبلوا عودتها بأي شكل من الأشكال. والعالم كله يراقب وينتظر كيف ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة, وإلي أي مدي ستعبر عن التغير النوعي في الحياة السياسية المصرية, وتحدث نقلة كبري نحو الديمقراطية والتعددية. وإذا كان الرئيس عدلي منصور قد طرح قانون الانتخابات الرئاسية للحوار المجتمعي كنوع من تأكيد التغيير الثوري في البلاد, وأن المجتمع هو صاحب الكلمة الأخيرة في كل ما يمس الحاضر والمستقبل وتطبيق خريطة الطريق, فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن تكون الانتخابات الرئاسية نفسها تنافسية بكل معني الكلمة. تعدد المرشحين هو أحد أهم شروط التنافسية. مرشحون لكل منهم فرصة وقاعدة شعبية وبرنامج انتخابي يعكس رؤيته وفلسفته في إدارة شئون مصر. بالقطع سيكون هناك مرشحون ساعون للشهرة والدعاية المجانية, وآخرون جربوا حظهم من قبل ولم يفلحوا, وآخرون يتصورون أن لديهم قاعدة شعبية وقبولا جماهيريا يؤهلهم للمنافسة بل الحصول علي المنصب الاول والاخطر في البلاد. وقد يجد بعض المرشحين أن الانتخابات ليست سوي فرصة للنيل من مرشح بعينه وتشتيت الأصوات لمصلحة مرشحين آخرين. كل هذه الاحتمالات واردة بقوة, وكل منها سيحمل الكثير من الإثارة والمفارقات العجيبة, ومع ذلك فليس فيها ما يزعج أحدا, هذا إذا أردنا أن نتعلم الديمقراطية بما فيها من تعددية ومنافسة وفقا للأصول والقواعد المعتادة, فالمهم أن تترك الفرصة لكل من يري في نفسه مرشحا محتملا يريد أن يخدم بلده. والقرار في النهاية هو قرار المصريين وليس قرار أي طرف آخر. ووضعا في الاعتبار هذه البدهيات أجدني في حيرة من أمري لكل من يتحدث عن حلمه في أن يري مصر الديمقراطية وفي الوقت نفسه يعبر عن رفضه التام ترشح شخصية معينة ويجاهر بضرورة منعها من الترشح لأنها ليست مؤهلة من وجهة نظره لهذا المنصب الرفيع. وأشير هنا تحديدا إلي استعداد الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق لخوض سباق الرئاسة, وهو الذي كان عضوا بارزا في المجلس الاعلي للقوات المسلحة السابق الذي أدار البلاد بعد تنحي الرئيس الاسبق مبارك, وكانت له بصماته جنبا إلي جنب المشير طنطاوي علي مجمل الحياة السياسية المصرية حتي انتخاب الرئيس الإخواني الذي عزله الشعب بعد عام واحد فقط في سدة الرئاسة. وأيا كانت تحفظاتنا علي ممارسات الرجل السياسية وأفكاره فأعتقد جازما أن من حقه أن يترشح كأي مواطن عادي مادام استجاب لشروط الترشح. ومرة ثالثة فليترك الحكم النهائي للمصريين أنفسهم عبر انتخابات تنافسية وشفافة ونزيهة لا شائبة فيها. وإذا كان هناك من يشفق علي الرجل لأنه قد لا يحصل علي دعم شعبي مناسب, لاسيما إذا ترشح المشير عبد الفتاح السيسي صاحب الشعبية الطاغية, فإن من مصلحة مصر والمصريين أن يكون هناك أكثر من مرشح رئاسي سواء كان بعضهم له خلفية عسكرية أو مدنيين خلصاء. وقد يبدو ترشح الفريق عنان لدي البعض بمثابة صراع جنرالات علي المنصب الأول في البلاد, فمن اليسير التأكيد علي أن هذا التصوير للأمور يجافي الواقع تماما. فالجيش في مصر مؤسسة ونظام وترتيب في المسئوليات وانضباط مشهود, وليس أشخاصا وقادة لكل منهم الموالون والاتباع ويسعون إلي السلطة. وحتي اللحظة فإن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لم يتأكد بعد رغم وجود إشارات مهمة حول قبوله الترشح والاستجابة للمطالب الشعبية. وإن حدث ترشح المشير السيسي سيكون بعد أن يخلع بدلته العسكرية, أو هكذا هو الأصلح للبلاد, أن يترشح كمواطن صاحب رؤية وليس مرشحا للمؤسسة العسكرية لانها مؤسسة للوطن بأسره ولا يجوز أن تحسب علي فريق دون آخر أو مرشح رئاسي دون آخر. والأصلح هنا مرتبط بعدم إعطاء الكارهين في الداخل أو في الخارج لمصر حجة للقول أن الجيش عزل رئيسا شرعيا واستولي علي السلطة, وأنه يفرض رئيسا علي البلاد من خلال مسرحية انتخابية هزلية. والأصلح أيضا يرتبط بوجود اكثر من منافس للبعض منهم حظوظ معقولة حتي تصبح الانتخابات بمثابة مباراة في السياسة والاقتصاد والدعاية والحشد الجماهيري. وأيا كانت شعبية المشير السيسي, فمن مصلحة مصر والتحول الديمقراطي ومواجهة الاشاعات والحملات الكيدية أن يخوض تجربة انتخابات رئاسية قوية, وأن يقدم برنامجا طموحا وواقعيا للصعود بالبلاد من وهدتها الراهنة, وأن يحيط نفسه بعدد من المستشارين الأكفاء وفريق عمل مشهود له بالكفاءة والخبرة, وأن يضم هذا الفريق أجيالا عدة وتمثل فيه المرأة بما يليق بدورها في المجتمع. ورغم أن هذا هو التحدي الأكبر فلا مناص من خوضه, خاصة أن مصر مليئة بالكفاءات والوطنيين الشرفاء. والسائد لدي بعض المحللين أن ترشح الفريق عنان ذو صلة ما بتأييد تنظيم الإخوان الارهابي لهذا الترشح, رغبة من التنظيم في جعل مهمة المشير السيسي أكثر صعوبة. ومن اللامعقول هنا الاستناد إلي خبرة الفترة الانتقالية التي تلت تنحي مبارك, باعتبارها فترة بناء التحالف بين الفريق والجماعة في زمن قوتها وصعودها, ففي تلك الفترة لم يكن امام المجلس الأعلي للقوات المسلحة أي خيار آخر سوي التعامل مع القوي السياسية التي صالت وجالت في البلاد طولا وعرضا بما في ذلك تنظيم الاخوان. وبما أن التنظيم الآن في أوج ضعفه وتشتته ومهدد دائما بالضربات الأمنية وفاقد لتعاطف المصريين, فكيف يمكن لأحد ما أن يراهن علي دعم تنظيم بمثل هذه الحالة المزرية للوصول إلي الرئاسة. فالشعب لم يفقد عقله بعد والرهان علي خداعه هو قمة الكوميديا السوداء. وأخيرا اتركوا عنان يترشح ودعوا آخرين يترشحون أيضا, وعلي الشعب أن يحدد الاصلح لقيادة البلاد. فتلك مصلحة مصرية عليا, مصلحة أن يعيش المصريون ويجربوا أجواء انتخابات تنافسية مهما تكن حظوظ شخصية بعينها هي الأكثر والأعلي. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب