تعقد قوى سياسية من تيارات مختلفة، يسارية وإسلامية، اجتماعات، اليوم وغدا، للنظر فيما ستتخذه من مواقف سياسية بشأن الانتخابات الرئاسية، المقرر أن يعلن عن فتح باب الترشح لها مطلع فبراير، بحسب مصادر الشروق. تأتي هذه الاجتماعات للنظر فيما إذا كانت القوى السياسية ستطرح مرشحين للتنافس مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الذي سيخوض "الانتخابات" بدعم معلن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بحسب بيان للمجلس أذيع مساء الاثنين، بعد ترقيته لدرجة "مشير" من قبل الرئيس المؤقت عدلي منصور عصر نفس اليوم. ومن أبرز الأسماء التي تنافست في أول انتخابات رئاسية شهدتها مصر صيف 2012 بعد زوال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي دام 30 عاما، هناك من أعلن دعمه الكامل لترشح السيسي، بما في ذلك الفريق أحمد شفيق وعمرو موسى، وهناك من أعلن أنه خارج دائرة التنافس الرئاسي مثل الدكتور محمد سليم العوا. وتبقى الأسماء الثورية الثلاثة التي خاضت انتخابات 2012 في مساحة «رمادية» بين عدم الإعلان، وعدم نفي النية للترشح، وهم عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب «مصر القوية»، الفريق السياسي الأبرز الذي أعلن رفضا صريحا للدستور، الذي تم تمريره في وقت مبكر الشهر الحالي، و«الناصري» حمدين صباحي الذي دعا للتصويت ب"نعم" على الدستور، وطرح مواقف متراوحة ما بين نية دعم السيسي إذا ما ترشح، ونية الترشح في كل الأحوال، وأيضا خالد علي، المحامي الشاب، الذي أنهك حكومات متتالية بقضايا تحارب عمليات الخصخصة «غير الشفافة»، ونجح في تحقيق مكاسب فعلية لعمال الشركات المعنية. واقعية تقول مصادر في أوساط المرشحين السابقين الثلاثة أن هناك حالة من الواقعية تسيطر عليهم، مفادها أنه إذا كان السيسي مرشح الجيش بمفعول البيان الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فلا معنى للمشاركة فيما وصفه أحدهم ب«تمثيلية سياسية هزلية تعيدنا لعصر الرئيس المخلوع مبارك عندما كان بعض منافسيه يصوتون له، ويعلنون ذلك صراحة، وكان منافسه الرئيسي يحصل على نسبة ضئيلة جدا من الأصوات»، مضيفا «قُضِي الأمر وانتهى أمر الانتخابات التنافسية». وكانت مصر شهدت زخما سياسيا كبيرا في الانتخابات التنافسية التي انتهت بفوز محمد مرسي في يونيو 2012، شملت العديد من الحملات الرئاسية التي سعت لصياغة برامج تجتذب الجماهير وطرح المرشحين بصورة حديثة على النمط الغربي، بل وشهدت سابقة في تاريخ العمل السياسي المصري والعربي قاطبة من مناظرة جرت بين عمرو موسي وعبد المنعم أبو الفتوح، اللذين وضعتهما كافة استطلاعات الرأي المستقلة حتى أيام قليلة قبل الجولة الأولى من الانتخابات في مايو 2012 في صدارة المتنافسين، لينتهيا في المركزين الخامس والرابع. «مصر لا تحتمل أجواء التنافس» ويقول مصدر رسمي مصري مواكب لأجواء ترشح السيسي، إن من الأسباب الرئيسية التي أقنعت الرجل الذي «لم يكن راغبا بل كان عازفا في الحقيقة» حسب قوله، على المضي في اتجاه الرئاسة هي الدفوع التي طُرحت أمامه بأن مصر لم تعد تحتمل أجواء تنافس سياسي، وأنه «الوحيد» القادر على تجميع أكبر نسبة من الأصوات، بحيث "لا نقف لنرى موسى وأبو الفتوح يتنافسان، وسط انقسام سياسي مجتمعي بين من ينظر لموسى على أنه وجه ليبرالي، ومن ينظر لأبو الفتوح على أنه وجه إسلامي". ولا ينفي المصدر أن ترشح السيسي لن ينهي حالة الاستقطاب، بل إنه يمكن بالفعل أن يمنح جماعة الإخوان المسلمين التي عزل رئيسها في 3 يوليو عقب التظاهرات الحاشدة في 30 يونيو العام الماضي فرصة قد تكون «ذهبية» لإثارة قلاقل سياسية كبيرة، ولكنه يصر على أنه "على الأقل فإن وجود رئيس مدعوم من كافة أجهزة الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة التي هي «الجهة الأقوى في البلد الآن»، حسب وصفه، سيضع مصر ثانية علي بوابات «الاستقرار» بعد سنوات من التخبط تكاد تكون أنهت الاقتصاد الذي «يترنح» فعليا لولا حزمات المساعدات القادمة من الخليج. ويضيف المصدر "ليس المهم من الذي سيواجهه السيسي في الانتخابات، ولكن أنه سيصل للرئاسة في كل الأحوال ربيع العام الحالي لتبدأ مرحلة من الاستقرار". «3 جنرالات» و«4 سياسيين» في الوقت نفسه، قالت مصادر سياسية متنفذة وأخري رسمية مواكبة لأجواء استعدادات طرح السيسي نفسه رئيسا، إن هناك «جهودا تبذل لإقناع الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، الذي عزله مرسي بعد سنوات طويلة من شغله المنصب في عهد مبارك، بعدم الترشح أمام السيسي، رغم أنه أعلن عن ذلك من خلال متحدثين أكدوا حتى قبل ساعات من صدور بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن عنان سيخوض الانتخابات بغض النظر عن موقف السيسي. يذكر أن عنان تعرض لحملة، مجهولة المصدر، للسخرية من أمر ترشحه للرئاسة عندما المح اليه، وذهب الأمر إلى الحد الذي قالت معه مصادر مقربة من الرجل إنه نصح من قبل قيادات عسكرية حالية ألا يدلي بتصريحات في هذا الشأن على أساس ما كان الحال حينه، بعد أسابيع قليلة من عزل مرسي، من إشارات إلى أن القوات المسلحة التي «نزلت عند رغبة الشعب لإزاحة مرسي ليست طامعة في مناصب تنفيذية». اليوم لم يعلن عنان عن موقفه، وإن كان مقربون منه يقولون إنه يرى من خلال اتصالات أجراها مع جهات داخلية- لا تنفي أنها تشمل قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، ولكن يصرون أنها تشمل أيضا قطاعات في "كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها دون استثناء"- وأخرى خارجية تفيد أنه يمكن أن يكون على أقل الأحوال "مصدر إزعاج للسيسي الذي يرغب في اكتساح الانتخابات، ليعضد موقفه دوليا، خاصة أنه يعلم مدى التحسب العالمي إزاء ترشحه، وهو قائد الجيش الذي عزل الرئيس المنتخب صيف العام الماضي، حتى ولو جاء ذلك تنفيذا «لإرادة شعبية واضحة»، تم الإعراب عنها من خلال تظاهرات بدأت في نوفمبر 2012، ولم تنته إلا بعزله في يوليو 2013. مراد موافي، رئيس المخابرات العامة السابق، الذي عزله مرسي أيضا من منصبه في أغسطس 2012 اتصالا بالواقعة التي شملت مقتل قرابة 20 مجندا مصريا على الحدود أثناء تناولهم إفطار رمضان، أبلغ السيسي، بحسب مصدر مواكب لحملته، أنه لن يترشح إذا المجلس الأعلى للقوات المسلحة دعّم السيسي مرشحا. وإذا غاب «الجنرالات» الثلاثة، عنان وشفيق وموافي، وغاب السياسيون الأربعة، موسى وأبوالفتوح وصباحي وعلي، فمن ذا الذي سيتنافس مع السيسي؟ هذا هو السؤال الذي قالت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة إنه أصبح ملحًّا. يقول أحد السفراء الغربيين في القاهرة «نحن لا نظن إطلاقا أننا سنتابع حملات رئاسية كتلك التي رأيناها بعد إزاحة مبارك، ونرى أن السيسي سيفوز في وضع أقرب للتزكية، لأنه حتى لو ترشح ضده شخصيات محدودة التأثير فسيصعب من الناحية الفعلية وصف ما يجري بأنه انتخابات تنافسية رئاسية، حتى لو كان التصويت نزيها». قواعد تتغير وتتفق مصادر غربية في القاهرة على أن بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة- حتى وإن كان تحدث صراحة عن أن «إرادة الشعب لا ترد وأن الأمر سيتقرر في الصناديق»- انتهى إلى طرح السيسي مرشحا عسكريا في دولة «كانت تسعى للديمقراطية»، وبحسب أحدهم «قدمت قبل عام أو يزيد قليلا تجربة متميزة بالنسبة للديمقراطيات الحديثة حتى وإن شاب العملية، تدخلات أرادت أن تدفع بشفيق على حساب موسى، إلا أن الأمور أُديرت بطريقة اللعبة السياسية، ولم يعلن الجيش شفيق مرشحا له، بل كان المسؤولون في الجيش ينفون ذلك تماما عندما كنا نتحدث معهم». ويقر دبلوماسيون غربيون في القاهرة بأن قواعد اللعبة تتغير في مصر، ليس فقط فيما يخص مصير الانتخابات الرئاسية، ولكن أيضا فيما يتعلق بمصير المعارضة التي تتعرض- بحسب أكثر من مصدر- «لتنكيل غير مسبوق» منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، مؤكدين «نحن هنا لا نتحدث عن المعارضة الإسلامية بل كل أشكال المعارضة». ويقول أحد المواكبين لتحركات السيسي إن الرجل، الذي أصبح في حكم المؤكد وصوله لسدة الحكم في أبريل المقبل، سيسعى للتأكيد على أنه ليس حاكما عسكريا، كما يعلم أنه «سيُروَّج له» من خلال تكليف «أكثر من نائب لرئيس الجمهورية ربما ورئيس وزراء قوي وطاقم من المستشارين سيشمل أطيافا سياسية مختلفة». ويضيف «نعلم أن هناك الكثير من التخوفات، ولكن التجربة ستثبت أن السيسي تحرك عندما لم يجد بدا من التحرك، وعندما وجد أن هناك خشية حقيقية من انفلات سياسي كبير، وأن دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة له جاء لإنهاء كل حديث عن انقسامات في الجيش بين من يؤيده ومن يؤيد غيره من القيادات العسكرية السابقة. حسم الأمر كان ضروريا لتجنيب مصر ويلات انقسام سياسي»، ويرى أن «التجربة ستثبت أن السيسي لن يستأثر بالحكم، بغض النظر عمن سيترشح ضده أو غير ذلك من تفاصيل الانتخابات الرئاسية». -------------------------