يأتي هذا المقترح لتحقيق رؤية أساسية هي أن يكون التعليم في مصر جامعا للجميع فالتعليم تحديدا هو المطلب الأساسي لمواجهه التحديات التي تواجه مصر في جميع المجالات الحياتية والمجتمعية الآنية والمستقبلية. والمقترح هنا ينطلق من أن وزاة التربية والتعليم بمسماها الراهن لم تعد تتلاءم مع ما هو مطلوب منها في هذه الظروف التي يمر بها المجتمع المصري, فالزمان يتغير ويأتي معه بالجديد المختلف بالإضافة إلي ما طرأ من زيادة لهموم الوطن وأزماته. فالمطلوب أساسا أن نبتعد عن النظرة إلي هذه الوزارة علي أنها وزارة خدمية واعتبارها وزارة سيادية لا تقل أهمية عن وزارة الدفاع. فمسئولية التعليم مسئولية أساسية وهامة, لها أبعادها الداخلية والخارجية, المرتبطة بأمن الوطن في الحاضر والمستقبل. فوزارة التعليم الوطني بما تتصدي له من مسئوليات وتسعي لتحقيقه من أهداف تتناول تعليم المواطنين والذين هم الثروة البشرية التي تعد الثروة الحقيقة لمصر ولأية أمة. وهي بهذا تضمن الأمن الداخلي وتمتد ذراعها للدفاع عن الوطن وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية. فوزارة التعليم الوطني كما هو مقترح المصدر الذي يعد باستمرار الإنسان المتعلم وهي التي تقدم لوزارة الدفاع وغيرها من الوزارات ومجالات الحياة جموع المتعلمين الذين يلتحقون في معاهدها بصورة احترافية, كما أنها ايضا هي التي تعد وتؤهل هؤلاء الذين يواصلون طريق التعليم العالي أو التخرج من مؤسساته بحثا عن تدريب يهييء لهم الانضمام إلي قوة العمل. فالتعليم المتميز قبل الجامعي الجامع لجميع المواطنين والذي ينبغي أن يكون إلزاميا وبلا حواجز مادية متاحا لكل مواطن مصري هو الهدف الأساسي من وجودها. تعليم يهدف أساسا لتهيئة المواطن المصري للحياة بكل جوانبها. وأساسا تعمل وزارة التعليم الوطني من أجل تكوين ودعم هوية المواطن المصري للحفاظ علي نسيج الوطن متشابكا موحدا متجانسا ينتمي لمصر ويدين لها بالولاء, يدافع عن قضاياها ويخدم في كافة المجالات. إذن الإعداد للمواطنة لابد وأن يكون هو الهدف الأساسي لوزارة التعليم الوطني وينبثق منه ويترتب عليه بقية الأهداف التي تهتم بغرس المهارات اللازمة للإعداد للعمل, وصقل المتعلم ثقافيا, ومساعدته علي التفكير الناقد واتخاذ القرارات ومن ثم تمكينهم من المنافسه عالميا. وهذا يعني ألا يترك تعليم الأطفال والشباب لأية مؤسسات خيرية أو خاصة او أهلية, ولا يدرس في المدارس التابعة للوزارة إلا المناهج الموحدة رفيعة المستوي والتي تقدم لجميع من هم في سن الإلزام والذي ينتهي مع نهاية المرحله الثانوية. وهذا يعني أنه لابد وأن يكون تعليما جامعا للجميع من أبناء الوطن دون تمييز او تفرقة. ولما كانت المدرسه كمؤسسة تعليمية هي المؤسسة التي يصاغ فيها المواطن اجتماعيا فالإعداد للمواطنة هو الهدف الأسمي الذي ينبغي أن تشتغل به وتسعي إلي تحقيقه وزارة التعليم الوطني. ومهما قيل عن إشراف الوزارة علي المدارس المتنوعة الموجودة والمنتشرة علي أرض مصر, فالملاحظة السريعة تؤكد وتوضح أن هذا التنوع الشديد والاختلاف المفزع في مستوي هذه المدارس المادي ومحتواها الدراسي وحتي اللغات التي تقدم بها المقررات الدراسية بل والمناخ المدرسي كله لن يؤدي إلا إلي مجتمع مفكك يختلف أفراده بعضهم عن بعض اختلافا بينا نتيجة لتنوع هذه المدارس ما بين دولية, خاصة, لغات, تجريبية, إسلامية, أزهرية وغير هذا بصورة تجعل من الخريجين من هذه المدارس جميعا مواطنين غير متشابهين او غير متجانسين. وربما كان الدافع وراء هذا القول هو ما نشاهده في المجتمع المصري تحديدا حاليا من تناحر ديني وتشرذم وصراع فكري وهو ما يمكن اعتباره محاولات لشق الصف وما ينتج عن هذا من تمزق في نسيج الوطن, بالإضافة إلي ما تضيفه الظروف العالمية وتأثيرات العولمة وما تبثه وسائل الإعلام المحلية والعالمية ويتعرض له الإنسان المصري. وكثير من هذه الوسائل يهدف الي بث الفرقة والتشكيك والدعوة للعنف والقيام بعمليات غسيل مخ متواصلة. كل هذا في حاجة لأن تتفرغ وزارة التعليم الوطني له بأن تقدم التعليم الجامع الذي يجمع الجميع وتعد المواطن الذي ينتمي لتراب مصر. مواطن يتحدث بلسان عربي ويتقن لغة أجنبية أو أكثر تسمح له بالتواصل مع الآخرين ويتمكن من المهارات الأساسية التي تسمح له بالمنافسة في مجالات العمل داخل مصر وخارجها. تعليم يشكله ثقافيا ويؤهله للتعامل مع الثقافة المحلية والعالمية ويتذوقها, تعليم يبث فيه الحب ويبعث فيه الارتباط بالوطن والإحساس بقيمته. تعليم يشعره بالسعادة والأمل في المستقبل. وبالتالي فتوحيد كافة مؤسسات التعليم قبل الجامعي في مصر لتقديم التعليم للجميع تحت مظلة وزارة التعليم الوطني في هذه الحالة هو صمام الأمان لبقاء مصر وأمنها فالتعليم ينبغي أن يجعل كل مواطن مصريا في زمن العولمة, وهذا كله لن يتحقق إلا بإرادة سياسية فسياسة التعليم هي جزء أساسي مترجم للسياسة العامة للدولة. لمزيد من مقالات د. نادية جمال الدين