تضمن مشروع الدستور الجديد أسسا جديدة للقانون الجنائي الدستوري وأسسا جديدة للقواعد الدستورية العليا للتجريم والعقاب والإجراءات الجنائية في النظام القانوني المصري. وهذا الأمر يهم المتخصصين وغير المتخصصين من المواطنين, وذلك نظرا لتأثيره المباشر علي القواعد الجنائية التي تطبق عليهم, ويمكن تعريف القانون الجنائي الدستوري بأنه النصوص الدستورية الواردة في الدستور, والمبادئ فوق الدستورية, ومبادئ القانون الدستوري الدولي التي تنظم الشرعية الدستورية والإجرائية في قانون العقوبات, وقانون الإجراءات الجنائية والتشريعات الجنائية الخاصة. وقد تناول الدستور الجديد نوعين من قواعد القانون الجنائي الدستوري, علي النحو التالي: النوع الأول: القواعد الدستورية الحاكمة للتجريم والعقاب في قانون العقوبات: ويتبين هذا النوع من القواعد في تطبيقات القانون الجنائي الدستوري علي قانون العقوبات, ويتمثل تأثير قواعد القانون الجنائي الدستوري علي قانون العقوبات في أنه يلزم المشرع العادي إلزاما قطعيا- مستقبلا- بقواعد وأصول موضوعية مجردة في التجريم والعقاب, وذلك لأن قانون العقوبات يعتبر من خلال نصوص التجريم والعقاب هو الحماية القانونية والواقعية لحقوق المجني عليه والمصلحة العامة بحكم الضرورة الاجتماعية التي تتطلب هذه الحماية, ويفرض قانون العقوبات الجزاءات الجنائية المختلفة والتي يجب أن تتميز بالتناسب والمعقولية, كما يجب علي التجريم والعقاب ألا يتعارض مع المنطق والمعقولية التي ينبغي أن تكون إطارا له. ويجب أن يكون ذلك من خلال قواعد عامة مجردة ومعايير واضحة تتضمنها النصوص الدستورية الحاكمة للتجريم والعقاب والإجراءات الجنائية, وهي تتمثل في ضمانات يتعين علي المشرع الجنائي الالتزام بها بعد صدور الدستور الجديد. النوع الثاني: القواعد الدستورية الحاكمة للتجريم والعقاب في قانون الإجراءات الجنائية: ويظهر هذا النوع من القواعد في تطبيقات القانون الجنائي الدستوري علي قانون الإجراءات الجنائية, ويتمثل تأثير قواعد القانون الجنائي الدستوري علي قانون الإجراءات الجنائية في أنه يلزم المشرع العادي إلزاما قطعيا- مستقبلا بقواعد وأصول موضوعية مجردة في الإجراءات الجنائية العامة والخاصة التي يتم بمقتضاها مباشرة الدولة لحقها الدستوري في التجريم والعقاب وحماية حقوق كل من الدولة والمتهم والمجني عليه وحماية المصالح الدستورية والقانونية للدولة والأفراد. وقد تشكل الإجراءات الجنائية بطبيعتها خطورة علي بعض الحقوق والحريات, لذلك يتعين كفالة الحقوق والحريات في مواجهتها, ويؤكد ذلك القاعدة الدستورية الدولية التي تقرر أن الأصل في المتهم البراءة, وتأسيسا علي أن الدستور يضع ضمانة قضائية كبري هي أن القاضي هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات العامة والخاصة, وذلك في نطاق ما يضمنه الدستور من محاكمة دستورية عادلة ومنصفة. وكل ذلك يتم من خلال معايير ينص عليها الدستور تتمثل في ضمانات يتعين علي المشرع الجنائي مراعاتها والالتزام بها تنفيذا لأحكام الدستور الجديد. أما التطبيقات العملية الجديدة للقانون الجنائي الدستوري في الدستور الجديد: يعتبر الدستور المصري المعطل لسنة2012 نموذجا غير مسبوق في تطبيق القانون الجنائي الدستوري حيث نصت المادة76 في دستور2012 المعطل علي أنه: العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة( إلا بنص دستوري) أو قانوني, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. وهذا النص الغريب يفتح المجال لإرساء قواعد دولة الفقيه وتحويل مصر إلي دولة دينية ويجبر القضاة علي الحكم بما يراه الفقيه دون النظر إلي مدي التزام الفقيه بالشريعة الإسلامية من عدمه كما يؤدي هذا الاتجاه إلي تقييد الحقوق والحريات العامة التي يضمنها القانون الجنائي. وقد قامت لجنة العشرة لدستور2013 بتعديل هذا الخطأ الدستوري الجسيم والذي جعل في نظرنا من الدستور كأنه قانون عقوبات ديني بحت يقوم بالتجريم والعقاب علي خلاف القواعد فوق الدستورية المتعارف عليها في القانون الدستوري الدولي, حيث نصت المادة70 من مشروع دستور لجنة العشرة علي أنه: العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. وقد أخذت بذلك كله المادة95 من الدستور المصري الجديد لسنة2013 حيث نصت علي أن: العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. وهذا تطبيق طبيعي للقانون الجنائي الدستوري المتعارف عليه في القانون الدستوري الدولي والمقارن والذي لا يخالف الأصول السامية للشريعة الإسلامية الغراء باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع وذلك في نصوصها قطعية الثبوت وقطعية الدلالة. وسوف نتناول فيما يلي التطبيقات العملية للقانون الجنائي الدستوري في الدستور الجديد بشأن قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات وقانون السلطة القضائية, وذلك فيما يلي: أولا: الاتجاهات الجنائية الدستورية في دستور2013: احتوي مشروع الدستور المصري الجديد علي الاتجاهات الإجرائية والموضوعية الجنائية الحديثة في القانون الجنائي الدستوري وذلك فيما يلي:1- تأكيد ضرورة قيام الدولة القانونية, وأن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة وذلك بمقتضي مضمون المادة94 من مشروع الدستور.2- التأكيد علي مبدأ شخصية العقوبة وذلك بمقتضي مضمون المادة95 من مشروع الدستور.3- التسليم بمبدأ أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته, وذلك بمقتضي مضمون المادة96 من مشروع الدستور.4- حماية وصيانة الحق في التقاضي وذلك بمقتضي مضمون المادة97 من مشروع الدستور.5- التأكيد علي كفالة حق الدفاع, وذلك بمقتضي مضمون المادة98 من مشروع الدستور.6- حماية حرمة الحياة الخاصة للمواطنين, وذلك بمقتضي مضمون المادة99 من مشروع الدستور.7- ضرورة إصدار الأحكام وتنفيذها باسم الشعب, وذلك بمقتضي مضمون المادة رقم مائة من مشروع الدستور. ثانيا: الاتجاهات الإجرائية والموضوعية القضائية الدستورية: احتوي مشروع الدستور علي الضمانات القضائية الحديثة في القانون الجنائي المقارن, وذلك فيما يلي: التأكيد علي استقلال السلطة القضائية, وقيام المحاكم عليها, وذلك بمقتضي مضمون المادة184 من مشروع الدستور. والتأكيد علي استقلال كل جهة أو هيئة قضائية بشئونها القضائية الخاصة بها, وذلك بمقتضي مضمون المادة185 من مشروع الدستور. والتأكيد القاطع علي استقلال القضاة وعدم قابليتهم للعزل, وذلك بمقتضي مضمون المادة186 من مشروع الدستور. وضرورة علنية الجلسات وعلنية النطق بالأحكام كقاعدة عامة- وذلك بمقتضي مضمون المادة187 من مشروع الدستور. والتأكيد علي اختصاص القضاء بالفصل في كافة المنازعات والجرائم, وذلك بمقتضي مضمون المادة188 من مشروع الدستور. فضلا عن بيان اختصاص النيابة العامة واعتبارها جزءا لا يتجزأ من القضاء العادي, وعدم تبعيتها للسلطة التنفيذية, وذلك بمقتضي مضمون المادة189 من مشروع الدستور. لمزيد من مقالات مستشار د.عبدالفتاح مراد