إختصم أسامة رمضان الجوهري المحامي النيابة العامة أمام محكمة جنح قسم أول المنصورة, وأودع مذكرة بتأصيل الدفع بعدم دستورية المادتين 375 مكرر و375 مكرر (1) من قانون العقوبات والمتعلقة بجرائم البلطجة, وذلك في الدعوي رقم 9793 لسنة 2013 جنح قسم أول المنصورة, وجاءت كالتي... الوقائع والدفاع... حيث أنه قد سبق أن حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الباب رقم 16 من قانون العقوبات ، أو قانون البلطجة، وذلك فى القضية رقم 83 لسنة 1923 قضائية/ دستورية عليا، وتم نشره فى الجريدة الرسمية بتاريخ 23 مايو 2006. أصدر المجلس العسكري المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 و المتضمن إضافة ذات المادتين التي حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتهما إلي قانون العقوبات مرة أخري بذات العبارت و الألفاظ و بدون توخي العوار الدستوري الذي لحق بالمادتين بموجب حكم الدستورية .. وحيث ان النيابة العامة قدمت المتهمين للمحاكمة لارتكابهما الجرم المنصوص عليه في هاتين المادتين ... وحيث ان المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79 جري على ما يلى:- أ- إذا تراءى لأحد المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء إحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانون أو لائحة لازمة للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية. ب- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة رأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد أعتبر الدفع كأن لم يمكن. لذلك : - فإن المتهمين يدفعون بعدم دستورية المادة 375 مكرر و المادة 375 مكرر (1 ) من قانون العقوبات المضافة بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 ... و ذلك للأسباب الآتية : - مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية في أن الأصل البراءة والمحاكمة المنصفة وحق الدفاع والحرية الشخصية ومبدأ الفصل بين السلطات الذي حرصت عليه كل الدساتير المصرية و الإعلانات الدستورية المتلاحقة . لما كان تعديل دستور 71 الذى تم بتاريخ 22 مايو 1980 أصبحت المادة الثانية منه تقضى على أن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) و هو النص الذي أبقي عليه الإعلان الدستوري الصادر في 31 / 3 / 2011 في المادة الثانية منه . فمعنى ذلك أن القوانين يجب ألا تخالف ما هو ثابت فى الشريعة الإسلامية. ولما كان مبدأ الأصل فى الإنسان البراءة وهو من المبادئ قطعية الثبوت والدلالة فلا يجب ألا تخل التشريعات بهذا المبدأ وإن خالفته تكون مشوبة بمخالفة الدستور. و لما كان نص المادة 375 مكرر تفتقر في التجريم إلي الركن المعنوي الذي يجب توافره في أي جريمة ،، بل إنه ترك تحقق الركن المعنوي إلي المجني عليه بأن يحدث فيه أثرا معنويا خاصا يتمثل في إلقاء الرعب بداخله ... و هو أمر ينقل الركن المعنوي للجريمة إلي المجني عليه ، مما يخالف مبدأ حق المتهم في الدفاع عن نفسه. ويكون مطلوبا منه حينئذ أن يدفع عنه الجريمة بنفي حدوث أثر نفسي بالمجني عليه و هو أمر باطني داخل المجني عليه غير ظاهر و يمكن التلاعب به لغير مصلحة المتهم بمجرد ادعاء حدوث الأثر النفسي دون رقابة القضاء . ويكون بذلك قد أتخذ من عجزه عن إثبات عدم حدوث أثر نفسي في المجنى عليه دليلا قاطعا على ثبوت مسئوليته عن جريمة البلطجة ولو كان حسن النية وهو بذلك يخل بأصل البراءة السالف ذكره وبالتالى يخالف أصل المادة الثانية من الإعلان الدستوري الذي وضع في ظله القانون . ومخالفتها لنص المادة 19 من الإعلان الدستوري من أنه : - ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. ومخالفتها لنص المادة 20من ذات الإعلان من أنه : - المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهم فى جناية يجب أن يكون له محام يدافع عنه. ومخالفتها لنص المادة 22 من ذات الإعلان من أنه : - حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول. ويكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم. وذلك لأن معنى توقف الجريمة علي إحداث تأثير نفسي بالمجني عليه هو افتراض بإدانة المتهم وذلك يعد مخالفة لقرينة البراءة المفترضة فى كل إنسان والمنصوص عليها فى المادة 20 من الإعلان الدستوري ... ويكون بذلك قد اتخذ الشارع من عجز المتهم عن نفي حدوث الأثر النفسي بالمجني عليه دليلا قاطعا على ثبوت مسئوليته عن جريمة البلطجة .... حتى لو كان حسن النية. وبالتالي يعد ما نصت عليه هذه المادة مخالفا لأصل البراءة . وعن ضمانات أصل البراءة يقول الدكتور/ فتحى سرور فى كتابه (الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية – ص 203 : - ضمانات حقوق الإنسان لقرينة البراءة تضم نوعين من الضمانات الرئيسية ... أولاهما:- ضمانات المحاكمة القانونية (أو المنصفة) ويقصد بها مجموعة الإجراءات التي تتم بها الخصومة الجنائية فى إطار من حماية الحرية الشخصية وغيرها من حقوق الإنسان المتعلقة بها والتي تكون في مجموعها مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية . و ثانيتهما : - ضمانات إثبات الإدانة ... وعن هذه الضمانة الأخيرة يؤكد الدكتور / سرور أنه : - لما كان الأصل فى المتهم البراءة فإن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة فعليها وحدها عبء تقديم الدليل وكل ما له هو أن يناقش أدله الإثبات التى تتجمع حوله لكى يفندها أو يضع فيها بذور الشك دون أن يلتزم بتقديم أدلة إيجابية تفيد برأئته ....... كما أن المحكمة الدستورية العليا قد نصت على (أن الحقوق التى كفلها الدستور - ويندرج تحتها حق الدفاع - لا يجوز إسقاطها أو تنحيتها عن تطبيقها سواء بعمل تشريعي أو من خلال مقابل مادي أيا كان مقداره بل يتعين اقتضاؤها عينا كلما كان ذلك ممكنا. (طعن رقم 15 لسنة 17 ق د- ج ر - العدد 51 في 21/12/1995) وبإنزال ذلك على النص الطعين نجد أن ما تضمنه من شرط إثبات حدوث أثر في نفس المجني عليه يمثل انتهاكا صارخا لهذا الحق حيث أنه يعتبر تدخلا من السلطة التشريعية لغل يد المحكمة عن تحقيق دفاع المتهم ذلك لأنه بموجب هذا النص لا يجوز للمتهم فى جريمة البلطجة أن يحتج بحسن نية أو عدم قصد الأثر الذي ترتب علي الفعل طالما كان من شأن ذلك الفعل إلحاق أثر نفسي بالمجني عليه الذي قد لا يعرفه المتهم و لا يقصده ..... والاحتجاج بحسن النية يمثل دفاع جوهري فى الجرائم العمدية ومنها جريمة البلطجة وذلك لأن حسن النية فى الجرائم العمدية ينفى القصد الجنائي للجريمة .... كما أنه يمنعه أيضا من دفع الجريمة عنه باعتقاده بعدم حدوث الأثر النفسي .... حيث أنه يجوز أن يحتج هنا بنظرية الإباحة الظنية أو الغلط فى الإباحة (كما وضحنا سابقا) إلا أن هذه العبارة المتضمنة : - ( متي كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد ) تحجب عنه الاحتجاج بهذا الدفع أيضا مما يشوب هذه الفقرة بعيب مخالفة هذا الحق الدستوري ويعتبر تدخلا من السلطة التشريعية لحجب هذا الحق عن المتهمين مما يوجب الحكم بعدم دستوريتها ... لما كان القانون قد خول للقاضي الحرية التامة فى بحث أى قضية تطرح أمامه وفى تقدير جميع الأدلة الموجودة بها وتقدير الدفاع الذي يبديه الخصوم فيها وله فى ذلك الحرية المطلقة فى الاقتناع أو عدم الاقتناع بما يطرح أمامه من أدلة ومن دفاع فى القضية وذلك دون تدخل فى عمله من أى سلطة أخرى عملا بمبدأ الفصل بين السلطات . وقد أكدت على ذلك المادة 46من الإعلان الدستوري في نصها : - السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون. لذلك لا يجوز لأي سلطة أخرى التدخل في أعمال السلطة القضائية ومن هذه السلطات السلطة التشريعية . وبإنزال ذلك على المادة الطعينة فنجد أن هناك تدخلا من السلطة التشريعية لغل يد السلطة القضائية عن ممارسة دورها في القضية حيث أنه حدد اكتمال أركان الجريمة بحدوث أثر نفسي في المجني عليه ، بصرف النظر عن نية المتهم ..... وبذلك يكون هذا النص قد غل يد المحكمة التي تنظر القضية عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة وخاصة القصد الجنائي من عدمه كما أنه غل يدها عن تقدير دفاع المتهم أو الأخذ به ....... كما أنه تدخل أيضا لمنع المحكمة من الأخذ بحسن نية المتهم كسبب لانتفاء القصد الجنائي لديه أو بحث المحكمة الظروف المحيطة بالمتهم التى قد توحى له بعدم حدوث ضرر من الفعل ... وكل ذلك يعتبر تدخلا من السلطة التشريعية عن طريق هذا النص فى أعمال السلطة القضائية وهذا ما يمتنع عليها أن تقوم به كما أنه مخالف للمباديء الدستورية و ما استقرت عليه أحاكم الدستورية العليا ... ناهيك عن إخلاله بمبدأ الفصل بين السلطات مما يشوبه بعدم الدستورية. مخالفة حجية حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 7 مايو سنة 2006 في القضية رقم 83 لسنة 23 ق والقاضي بعدم دستورية القانون رقم 6 لسنة 1998 بإضافة باب جديد إلى أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات . وهو الباب الذي ورد به نص المادتين محل الطعن ، بذات العبارات و الألفاظ .. أي أن المشرع ، و بعد الحكم بعدم دستورية المادتين محل الطعن ، عاد مرة أخري بإدراجهما إلي قانون العقوبات بذات الألفاظ و العبارات ، و بذات أركان الجريمة و تدرج العقوبة .... و هو الأمر الذي يوصم هذه المواد بالعوار الدستوري الذي سبق و ان قررته المحكمة الدستورية المنوط بها الفصل في دستورية القوانين . و لا يقدح في ذلك ، أو يغير من وجهة النظر هذه ، أن يكون سبب القضاء بعدم الدستورية هو سبب شكلي و ليس موضوعي ، إذ أن النتيجة المترتبة علي الحكم بعدم الدستورية واحدة ، و هي انعدام النص القانوني انعداما كاملا ، و لا يجوز إعادة ما تم إعدامه مرة أخري بذات الأركان و الشروط ،،، هذا من ناحية . و من ناحية أخري ، فإن المحكمة الدستورية استندت في حكمها المشار إليه إلي تعلق هاتين المادتين بالحريات العامة ، و تقييد تلك الحريات التي كفلتها كل الدساتير بتجريم فعل لم يكن مجرم من قبل ... و هو الأمر الذي رأت معه المحكمة أن هاتين المادتين مكملتين للدستور و يجب إتباع إجراءات خاصة لإصدارها ، و لا ينفرد بتشريعها جهة واحدة ، و ذلك لما ارتأت ضرورة عرض المشروع علي مجلس الشوري قبل إصداره . ولا يغني عن ذلك انتقال سلطة التشريع بغرفتيها إلي مؤسسة المجلس العسكري الذي أصدر مرسوم بقانون بإضافة المادتين محل الطعن ، إذ أنه و بالقياس علي حالة الضرورة كان يجب عرض القانون علي غرفتي المجلس التشريعي عقب اكتمال بنائهما ، و هو ما لم يحدث ، و يلحق بالمادتين شبهة العوار الدستوري . لذلك ولكل هذه الأسباب التي يكفي سبب واحد منها للتقرير بالعوار الدستوري .. و لما تراه المحكمة من أسباب ارشد و دعائم أقوي. يلتمس المتهمون : - التصريح لهم برفع الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا علي المادتين 375 مكرر ، و 375 مكرر 1 من قانون العقوبات المضافتين بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 ... عملا" بنص المادة 29 / ب من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79.