برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    محافظ كفر الشيخ يشهد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد بكنيسة مارمينا والبابا كيرلس    محافظ أسوان: وضع حجر الأساس لمجمع التمور ومنتجات النخيل قريباً    تصدير العقار للخارج كلمة السر فى جلب عملة أجنبية لمصر.. مطورون يطالبون الحكومة بدعم القطاع الخاص.. يجب منح القطاع العقارى محفزات أسوة بالصناعة منها منح أراضى مميزة وبأسعار مخفضة وإعفاءات ضريبية    مدير "تعليم دمياط" يشهد ورشة عمل لتدريب مسؤولي التوظيف بالوحدات المدرسية    انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند    موعد مباراة برشلونة ضد فالنسيا فى الدورى الإسبانى اليوم    إيهاب جلال يعقد جلسة تحفيزية للاعبي الإسماعيلى استعدادا لمواجهة الأهلي    جنوي يكتسح كالياري 3-0 في الدوري الإيطالي    ديلي ميل: أندية الدورى الإنجليزى تصوت على مشروع سقف الرواتب    استعراض نشاط الاتحاد العربي لرياضة ذوي الإعاقة أمام رئيس البارالمبية الدولية    حبس عاطل قتل شابًا بطلق خرطوش فى الإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    وزارة التعليم تعلن حاجتها لتعيين مدير لوحدة تحسين جودة التعليم الفنى    تأجيل محاكمة المتهمين بحادث قطار طوخ ليونيو المقبل لاستكمال المرافعة.. فيديو    غلق مجزر دواجن وإعدام 15 كيلو أغذية وتحرير 29 محضر صحة في حملة بالإسكندرية    السجن 7 سنوات ل «سايس» قتل شابا في الجيزة    "كليلة ودمنة".. ندوة ضمن فعاليات معرض أبو ظبى الدولى للكتاب    نور النبوي يتعاقد علي «6 شهور»    وزيرة التضامن: مساعدة الأبناء من ضعاف البصر وتوفير دعم مادي وفرص عمل    "بيت الزكاة والصدقات" يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة 7 بالتعاون مع صندوق تحيا مصر    كل ما تريد معرفته عن زكاة القمح.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    وزارة الصحة: دعم القطاع الصحى في غزة وتوفير المساعدات للجانب الفلسطينى    الصحة العالمية:مصر حققت إنجازات كبيرة وقضت على شلل الأطفال والحصبة والتيتانوس    وفد الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ لمتابعة تطبيق منظومة التأمين الشامل    هل الاحتفال بيوم شم النسيم له أصول أو عقائد مخالفة للإسلام؟.. الإفتاء توضح    غدا.. محاكمة المتهم بدهس فتاة بمنطقة التجمع الخامس    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    خاص | بعد توصيات الرئيس السيسي بشأن تخصصات المستقبل.. صدى البلد ينشر إستراتيجية التعليم العالي للتطبيق    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة بقنا    "متتهورش".. تامر حسني يوجه رسالة للمقبلين على الزواج    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    «قناع بلون السماء» كسر قيود الأسر بالقلم    إحالة المتهم بهتك عرض طفلة سودانية وقتلها للمحاكمة الجنائية    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    حدث في 8 ساعات|مدبولي: استضافة اللاجئين تكلفنا 10 مليارات دولار.. وبدء موسم العمرة الجديد في هذا الموعد    مصراوي يوضح.. هل يحصل الأهلي على 3 مليارات جنيه من فيفا؟    "محظوظ بوجودي معكم".. محمد رمضان يرد على تصريحات المخرج خالد دياب    بخطوات بسيطة.. طريقة تحضير بسكويت القهوة سريعة الذوبان    جامعة مساتشوستس ترفض إنهاء علاقاتها بالاحتلال وتدعو الطلاب لفض اعتصامهم فورا    المحرصاوي يوجه الشكر لمؤسسة أبو العينين الخيرية لرعايتها مسابقة القرآن الكريم    برج الحوت.. حظك اليوم الإثنين 29 أبريل: ارتقِ بصحتك    بعثة يد الزمالك تعود من الجزائر اليوم بعد خسارة اللقب الأفريقى    غزة تحت الأنقاض.. الأمم المتحدة: عدوان إسرائيل على القطاع خلف أكثر من 37 مليون طن من الركام ودمر الطريق الساحلى.. ومسئول أممي: إزالة الأنقاض تستغرق 14 عاما ب750 ألف يوم عمل ونحذر من أسلحة غير منفجرة بين الحطام    صحيفة بريطانية تكشف سبب استقالة أول رئيس وزراء مسلم بإسكتلندا    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    أمريكا تهدد بقاء كريستيانو رونالدو بالدوري السعودي    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرعية العقوبة في الدستور المصري الجديد
نشر في المصريون يوم 07 - 01 - 2013

فقد نص الدستور الجديد 2012 في المادة 76 (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني) ستتسبب فوضى كبيرة لأن واضع هذه المادة (والذي أعتبره أفضل أعضاء اللجنة الالأتي: نظرا للجهد الكبير الذي بذله) يظن أن تعبير "نص دستوري" يسمح للقاضي تطبيق جرائم وعقوبات غير منصوص عليها في القانون (مثل الحدود). وهذا ما سيفعله بعض القضاة. ولكن المستقر هو أن الشريعة الغراء هي مصدر التشريع فقط (وليست مصدر الأحكام) أي أن المادتين 2 و219 تخاطبان المشرع لا القاضي وأن النص الجنائي يجب أن يكون على قدر من التحديد بحيث يبيّن عناصر الجريمة. باختصار، إن هذا النص سوف يحدث فوضى وتضاربا في الأحكام نظرا للتناقض الشديد بين رغبة صاحب فكرة هذه المادة والمبادئ القانونية المستقرة فقد صدر الدستور بهذا المبدأ الجديد شرعية النص الدستوري في تطبيق العقوبة للان هذه المادة سوف تحول الدستور إلى قانون عقوبات لهذا سوف نوضح الأتي :-
أولا: شرعية العقوبة
يقصد بشرعية العقوبة استنادها إلى قانون يقررها فكما انه لا جريمة إلا بناء على نص في القانون يضفي على الفعل صفة عدم المشروعية فانه لا يجوز توقيع عقوبة ما لم تكن مقررة نوعا ومقدارا بنص قانوني كأثر لارتكاب الجريمة وهذا ما يعرف في القانون الجنائي بمبدأ الشرعية الجنائية وهو مبدأ له قيمة دستورية في معظم الدول. ويعني مبدأ الشرعية الجنائية حصر الاختصاص بالتجريم والعقاب في السلطة التشريعية وتحديد دور القاضي في مجرد تطبيق العقوبة التي يقررها نص القانون فلا يقضي في جريمة بعقوبة لم ينص عليها القانون. وقد كان هذا المبدأ تتويجا لكفاح أنساني طويل ضد استبداد الحكام وتعسف القضاة وثمرة يانعة لجهود المفكرين والمصلحين الذين كرسوا جهودهم من اجل وضع حد لتحكم القضاء واستبداده في التجريم والعقاب. ويبرر مبدأ الشرعية الجنائية في العصر الحديث بمبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد من تعسف السلطة التنفيذية وافتئاتها على الحريات العامة ومع ذلك لم يسلم هذا المبدأ من النقد بحجة انه يتجافى مع ضرورات التفريد العقابي التي تقتضي إن تحدد العقوبة على ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بالجاني حينما أقدم على ارتكاب الجريمة وهو أمر لا يتأتى للمشرع تحقيقه لان معياره في تحديد العقاب هو جسامة الفعل وخطورته وليس خطورة الجاني وظروفه الشخصية. كما انتقد مبدأ الشرعية بمقولة انه يصيب التشريع الجنائي بالجمود إذ يغل يد القاضي ويمنعه من تفسير النص الجنائي بما يواكب تطور المجتمع ومن ثم يعجز عن حماية الجماعة من الأفعال الضارة بها. ويلاحظ إن الشريعة الإسلامية عرفت مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ففي القران الكريم ما يدل عليه كقوله تعالى" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وفي الأحاديث النبوية ما يؤكده وفي أقوال فقهاء الشريعة الإسلامية ما يبين نطاقه وشروط تطبيقه كما إن الأصل في التشريع الجنائي الإسلامي عدم سريانه على الماضي لقوله تعالى "عفا الله عما سلف* ومن عاد فينتقم الله منه"
.ويترتب على إقرار مبدأ شرعية العقوبات ضرورة التسليم بعدة نتائج هامة نذكر منها:
1- قصر التجريم والعقاب على السلطة التشريعية ومؤدى ذلك انه ليس للسلطة التنفيذية أصلا حق التجريم والعقاب كما إن العرف لا يصلح مصدرا للتجريم والعقاب.
2- عدم جواز تطبيق نص التحريم والعقاب بأثر رجعي إلا إذا كان ذلك في صالح المتهم.
3- حظر القياس في مجال التجريم والعقاب لذلك نجد القلة من التشريعات التي لا تعتنق مبدأ الشرعية تجيز للقاضي الالتجاء إلى القياس في مجال التجريم في حالة سكوت المشرع.
4- تفسير التجريم والعقاب تفسيرا ضيقا فليس للقاضي إن يتوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب ليجرم فعلا لم ينص عليه المشرع أو ليوقع عقوبة غير مقررة في القانون.
ثانيا: قضائية العقوبة
يقصد بقضائية العقوبة احتكار السلطة القضائية للاختصاص بتوقيع العقوبات الجنائية ويعني ذلك إلا تنفذ عقوبة مقررة في القانون إلا إذا صدر بها حكم قضائي من محكمة جنائية مختصة ويمتنع توقيع عقوبة بدون حكم قضائي ولو كانت الجريمة في حالة تلبس أو اعتراف المتهم بها اعترافا صريحا أو رضي بتنفيذ العقوبة فيه دون الرجوع إلى المحكمة المختصة. وتؤكد التشريعات هذا المبدأ الهام ضمانا للحريات الفردية وحماية لها من تعسف السلطة التنفيذية واستبدادها بل إن بعض الأنظمة يرتفع به إلى مصاف المبادئ الدستورية مثال ذلك الدستور المصري الذي ينص في المادة 76 منه على انه لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي. واختصاص القضاء دون غيره من السلطات في العصر الحديث بتوقيع العقوبات الجنائية لم يتقرر إلا بعد إن زال نظام الانتقام الفردي وساد مبدأ الفصل بين السلطات ففي الماضي كان توقيع العقاب من شؤون المجني عليه أو وليه ولما تولت الدولة مهمة العقاب على الجرائم لم يكن ذلك من اختصاص القضاء بل كان العقاب يتولاه الحاكم بما له من سلطان مطلق أما في العصر الحديث فقد استقر مبدأ قضائية العقوبة وانفردت السلطة القضائية بهذا الاختصاص. ومبدأ قضائية العقوبة هو الذي يميز العقوبات الجنائية عن غيرها من الجزاءات القانونية التي يمكن إن توقع دون حاجة إلى تدخل القضاء. فالتعويض- وهو جزاء مدني- يمكن الاتفاق عليه بين محدث الضرر والمضرور. والجزاءات الإدارية مثل اللوم أو الإنذار أو الخصم من الراتب أو تأخير العلاوة يمكن للجهة الإدارية أن توقعها على مرتكب المخالفة التأديبية بقرار إداري. أما العقوبة الجنائية فنظرا لخطورتها حصر الاختصاص به في القضاء. وإذا كانت الشريعة الإسلامية تجيز لولي الدم في جرائم القتل العمل أن يطلب استيفاء القصاص بنفسه. فان ذلك لا يعني أن توقيع العقوبة هو من اختصاص ولي الدم الذي يقتص بنفسه من الجاني دون الرجوع إلى القضاء. والواقع إن القاضي هو الذي يتثبت من تحقق موجب القصاص، ويصدر حكمه بالقصاص من الجاني ويقتصر دور ولى الدم على تنفيذ القصاص 0 وليس في ذلك مجافاة لمبدأ قضائية العقوبة الجنائية إذ إن القاضي هو الذي يصدر حكم الإدانة. فتوقيع العقوبات الجنائية كافة هو في النظام الإسلامي من اختصاص القضاء.
ثالثا: شخصية العقوبة
تعني شخصية العقوبة اقتصار أذاها على شخص المسئول عن الجريمة فاعلا كان أو شريكا فلا يتجاوزه إلى غيره مهما كانت صلة هذا الغير به. ومبدأ شخصية العقوبة من المبادئ الأساسية في النظام الجنائي الحديث ترتفع به بعض الدساتير إلى مصاف المبادئ الدستورية. ولم تكن العقوبة كذلك في الماضي حيث كان أذاها يمتد إلى أقرباء الجاني وكل من تربطه به صلة. وقد سبقت الشريعة الإسلامية الأنظمة الوضعية بعدة قرون في تأكيد مبدأ شخصية العقوبة حيث ورد النص عليه في أصل التشريع الإسلامي وهو القران الكريم في قول الله تعالى" ولا تزر وزارة وزر أخرى". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم [لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه]. ولا يخل بمبدأ شخصية العقوبة ما يمكن إن يصيب أسرة المحكوم عليه من أضرار نتيجة تنفيذ العقوبة فيه فتلك آثار غير مباشرة للعقوبة لا تقصد لذاتها ومن غير الممكن الحيلولة دون تحققها. ويترتب على مبدأ شخصية العقوبة أو وفاة المحكوم عليه قبل تنفيذ العقوبة فيه يؤدي إلى انقضاء العقوبة فلا يتحمل ورثة المتهم العقوبة التي لم تنفذ بسبب وفاته.
رابعا: عدالة العقوبة
تحقيق العدالة يعد من أهم الأغراض التي ينبغي إن يستهدفها العقاب. وتحقيق العدالة كغرض من أغراض العقوبة يتطلب مراعاة عدة أمور:
فمن ناحية، تعني عدالة العقوبة إن تكون هناك ضرورة لتقريرها. ذلك لأن العقوبة ضرورة اجتماعية والضرورة تقدر بقدرها دون إفراط أو تفريط. فحيث يمكن حماية المصلحة الاجتماعية المراد حمايتها بوسائل أخرى غير العقوبة الجنائية يكون التجاء المشرع إلى العقاب الجنائي- رغم خطورته- تعسفا في استعمال حق العقاب ومجافاة لما تقتضيه العدالة.
ومن ناحية ثانية تعني عدالة العقوبة ضرورة تناسب إيلامها مع جسامة الجريمة التي تقرر من اجلها. ومراعاة عدالة العقوبة بهذا المعنى يتطلب في المرحلة التشريعية التنويع في العقوبات وجعلها بين حدين ومنح القاضي سلطة تقديرية ليتمكن من تفريد العقوبة.
ومن ناحية ثالثة: نرى إن مراعاة العدالة في المرحلة التشريعية يفرض المساواة بين الناس جميعا أمام نصوص القانون المقررة للعقوبات. ولم يكن الأمر كذلك في سالف الزمان حيث كانت العقوبات المقررة للفعل الواحد تختلف باختلاف أقدار الأفراد والطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. أما في العصر الحديث فقد اندثرت كل أوجه التفرقة القانونية بين الناس وأصبحت أثرا.
وأخيرا فان تحقيق العقوبة للعدالة يقتضي مراعاة تفريد العقاب عند التطبيق. ويعد تفريد العقوبة من أهم المبادئ الجنائية الحديثة. والتفريد القضائي يشكل أهم مرحلة يمكن أن تتحقق فيها العدالة بين الجناة إذ ينال كل منهم من العقاب جرعة تتناسب مع دوره في الجريمة وظروفه الخاصة وتكفي لإصلاحه وتأهيله. فليس من العدالة التسوية بين غير المتساوين. ويأتي التفريد في مرحلة التنفيذ العقابي ليصل بعدالة العقوبة إلى ذروة سنامها ويضفي على الجزاء الجنائي طابعه الواقعي والإنساني.
خامسا: احترام الكرامة البشرية:
ينبغي إن تكون العقوبة إنسانية لا تؤدي إلى امتهان كرامة المحكوم عليه بها أو إلى إهدار آدميته. وعلى المشرع إن يراعي ذلك عند اختيار العقوبات التي يقررها وقد كان هذا الاعتبار سببا في إلغاء كثير من العقوبات المفرطة في القسوة أو التي تجرح الشعور العام والتي كانت مقررة في القوانين القديمة. كما إن هذا الاعتبار هو الذي يدعو إلى تخليص التنفيذ العقابي من كل مظاهر القسوة التي تتضمن بأي صورة كانت امتهان كرامة الإنسان. وتؤكد المواثيق الدولية على ضرورة الابتعاد عن كافة العقوبات المنافية للكرامة الإنسانية. ومهمة المشرع إن يتقيد بذلك حتى تكون سياسته العقابية محققة لمصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام ومتوافقة مع القواعد الدولية ويجب إن تلتزم سلطات التنفيذ العقابي بالحفاظ على الكرامة الإنسانية للمحكوم عليه فلا تضيف إلى إيلام العقوبة ما يزيد على القدر الذي يريده الشارع عن طريق المساس بحقوق معينة للمحكوم عليه.
المبدأ القانوني
لا يعتبر الفعل أ،الترك جريمة إلا إذا كان قد تم النهي عن هذا الفعل أو أمرت به التشريعات الجزائية وذلك لأنه على المشرع أن يبين باسم الهيئة الاجتماعية التي يمثلها ما هي الأمور المعاقب عليها والتي تشكل خطراَ على النظام العام وهذه القاعدة لم تكن معروفة في العصور القديمة حيث كان بوسع القضاء أن يعاقبوا على الأفعال التي لم ينص عليها القانون ويطبقوا عليها ما يرونه مناسباً من العقوبات وفق ما جرى به العرف أو قررته الأوامر، أما في التشريعات المعاصرة فالعقوبات قانونية بمعنى أنه لا يجوز العقاب إلا على ألفعال التي ينص القانون على تجريمها ولا يجوز تطبيق عقوبة غير المنصوص عليها،
تاريخ هذا المبدأ،،
ترجع هذه القاعدة في أصولها إلى الثورة الفرنسية التي عبرة عن آراء فلاسفة القرن الثامن عشر وتعد سياجا للحرية الشخصية للأفراد والتي تنحصر في فعل ما يبيحه القانون لا في فعل ما يريده الفرد، فقد وردت لأول مرة ضمن ما أعلنته الثورة الفرنسية من حقوق للإنسان، ثم نص عليها في المادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر 1810
نتائج هذا المبدأ
إن هذا المبدأ وضع للسلطة التي تسن القوانين وللسلطة التي تطبقها في أن معاً أما المشرع فيجب عليه مراعاة قانونية الجرائم والعقوبات سواء في تعيين العناصر التي تكون كل جريمة أو تعيين العقوبات التي تترتب عليها أو تحديده للقواعد التي تنفذ هذه العقوبات بمقتضاها أما القاضي فلا يجوز له الحكم بالإدانة إلا إذا وجد في القانون سندا على الجريمة والعقوبة فهو لا يملك أن ينشئ جريمة من أمر لم يرد نص قانوني بتحريمه مهما رأى فيه من خطر على حقوق الأفراد أو على مصالحة المجتمع ، ولا يملك القاضي المعاقبة على أمر فرضه القانون الجزائي دون أن يقرر عقابا على مخالفته ولا يملك أن يقضي في جريمة بعقوبة مقررة لجريمة أخرى مهما كانت ملائمة لتلك الجريمة
لهذا نقول أخيرا
أن مشروع الدستور قد تناول – صراحة ولفظا النص على بعض الجرائم ،، وكذا بعض العقوبات وأن نص المادة 76 من الدستور قد قصد تلك الجرائم الواردة به وذهب إلى هذا المعنى دون غيره – فلو وقفت الجملة عند القول بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني دون ذكر كلمة نص دستوري – الأمر الذي يكون معه كافة الجرائم والعقوبات منحصرة فقط على تلك التي أوردها القانون دون الواردة بالدستور نظرا لو كان النص تضمن كلمة – لا جريمة إلا بقانون فقط (دون دستوري) - ومن ثم كان لزاما على المشروع الدستوري أن يتضمن النص على جملة إلا بنص دستوري لأن هناك جرائم وعقوبات منصوص عليها في الدستور وليس القانون فهل كان يستقيم نص المادة 76 من الدستور لو كان نصها -...لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون...- دون ذكر بنص دستوري مما قد يخلق تعارض بين النصوص وتكون الجرائم المنصوص عليها بالدستور ليست محل تطبيق. وهناك من الجرائم والعقوبات العديدة المنصوص عليها بمشروع الدستور منها على سبيل المثال لا الحصر:-
1-الجريمة المنصوص عليها بالمادة (79) وهى خاصة بجرائم امتناع الموظف العام عن تنفيذ الأحكام وتعطيل تنفيذها وأحقية الصادر لصالحة الحكم تحريك الدعوى الجنائية مباشرة حيث تنص المادة79 على((تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، وامتناع الموظف العام المختص عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها جريمة يعاقب عليها القانون. وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة..))
2-الجريمة المنصوص عليها بالمادة (80) وهى خاصة بجرائم الاعتداء على الحقوق والحريات المكفولة بالدستور وأن الاعتداء على الحقوق والحريات جريمة حيث تنص على ))كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات المكفولة في الدستور جريمة لا تسقط عنها الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء. وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية عنها بالطريق المباشر.وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضما إلى المضرور، وأن يطعن لمصلحته في الأحكام.))
3-الجريمة المنصوص عليها بالمادة (152) والخاصة بجريمة الخيانة العظمى بالنسبة لرئيس الدولة...حيث تنص المادة على ((يكون اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب جناية أو بالخيانة العظمى؛ بناء على طلب موقع من ثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل؛ ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
وبمجرد صدور هذا القرار يوقف رئيس الجمهورية عن عمله؛ ويعتبر ذلك مانعا مؤقتا يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته حتى صدور الحكم.ويحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضوية أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام. وإذا قام بأحدهما مانع حل محله من يليه بالأقدمية وينظم القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة ويحدد العقوبة؛ وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية أعفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى.))
4-الجريمة المنصوص عليها بالمادة (166) والخاصة بالجرائم التي تقع من رئيس مجلس الوزراء أو أي من أعضاء الحكومة، بما قد يقع منهم من جرائم خلال تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها...حيث تنص المادة (( لرئيس الجمهورية، وللنائب العام، ولمجلس النواب بناء على طلب موقع من ثلث أعضائه على الأقل، اتهام رئيس مجلس الوزراء أو أي من أعضاء الحكومة، بما قد يقع منهم من جرائم خلال تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها وفى جميع الأحوال لا يصدر قرار الاتهام إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، ويوقف من يتقرر اتهامه عن عمله إلى أن يقُضى في أمره، ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها.))
*** فهذه جرائم وعقوبات منصوص عليها في الدستور وليس القانون فهل كان يستقيم نص المادة 76 من الدستور لو كان نصها -...لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون...- دون ذكر بنص دستوري مما قد يخلق تعارض بين النصوص وتكون الجرائم المشار إليها آنفا ليست محل تطبيق ومن ثم - نرى- أن النص بما عليه الآن سليما وصحيحا حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني.
أما عن الوجه الأخر في مجال تطبيق النص علي ما صدر به واستقر وأصبح من ضمن نصوص دستور مصر القائم فماذا الغرض إذا من هذا النص؟ الغرض إن يتحرر القاضي من نص القانون ويلجأ للشريعة وفقا لنص المادة 2 من الدستور والموضحة بنص م 219 فالشريعة – بمفهومها الوارد بنص المادة 219 يمكن اعتبارها مصدر للتجريم والعقاب ؟ دون الحاجة إلى قانون وهنا تبرز الإشكالية الكبرى ! تضارب الأحكام 000 فعلى أي مذهب سيسير القاضي ؟ فطبقا لنص م 219يحق القاضي أن يأخذ باى مذهب من مذاهب أهل السنة ، وقد تستحسن محكمة الفقه المالكي وتحكم به ؛ بينما تأخذ محكمة أخرى بالمذهب الحنبلي أو الشافعي وينتج عن ذلك فوضى عارمة ؛ فلا يعلم المواطن ما إذا كان هذا السلوك مباح أو محظور إلا إذا كان يعلم بأي مذهب سيقضى القاضي ، والانعكاس الأخطر على الاستثمارات هل يمكن لأي مستثمر أو شركة إن تحتكم لقانون لا تعرف قواعده مقدما؟؟؟ بالقطع لا إن هذا النص في الدستور غاية في الخطورة ويؤدى إلى انهيار دولة القانون ويخالف مبدأ دولي وهو شرعية الجرائم والعقوبات ؛ والغريب إن هذا المبدأ نشا أصلا من الشريعة الإسلامية من الآية الكريمة ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) الإسراء 15وقد كان الأولى بالمشرع الدستوري إن يقصر إنشاء الجرائم والعقوبات على القوانين دون غيرها ؛؛؛ ويعمل على مطابقة القوانين لأحكام الشريعة ؛ بحيث يشرع القانون بصورة واضحة بعد إن ينتهج المذهب الفقهي المناسب ويلزم الكافة بإتباعه ؛ أما أن تترك الأمور للاجتهاد الشخصي ؛؛؛فهذا أمر بالغ الخطورة ؛ وتكون عواقبه الاقتصادية والاجتماعية وخيمة
أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.