تمر هذه الأيام اثنتا عشرة سنة علي الحادث الجلل الذي غير منظور العالم للكثير من القضايا الاستراتيجية, وبعيدا عن البكائيات المعهودة التي جري العرف أن يتذكرها الجميع لا سيما الأمريكيين في هذه الذكري غير السعيدة, يعن لنا أن نتساءل بعد هذه السنوات الطوال, والحروب التي جرت من ورائها, وربما علاقة الأمر بالحروب الجارية الآن في المنطقة زهل كتب العالم أن يبقي منقسما مرة وإلي الأبد بين دارين أو فسطاطين, كما أكد علي ذلك المنظر الأمريكي الأشهر صموئيل هنتنجتون في مقاله عن صدام الحضارات؟ الشاهد أنه وبحسب قوانين الاقتصاد المتعارف عليها دوليا فإن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة, وحال تطبيقنا لهذه القاعدة في هذا السياق, ستكون النتيجة ولاشك أن أحاديث الصراع والكراهية هي التي كان لابد لها من أن تسود الأجواء, أما الأصوات التي تدعو للتعايش بين الأمم والشعوب, وبين الثقافات والملل والنحل المختلفة, وبين أتباع الأديان المتباينة, فقد كان حظها في واقع الأمر قليلا, ولم تنل ما يجب أن تناله من الاهتمام. نود التوقف في هذه الذكري مع أحد المفكرين والفلاسفة الألمان الذين يقدمون للعالم رؤية سياسية بملمح وملمس ثقافي وأخلاقي وبشكل يجعل التعايش المشترك فرض عين, بل شهوة قلب, وبديلا عن الصراع الحدي بين الذين معنا والذين علينا, والحديث هنا ولاشك عن البروفيسور الألماني زهارالرد موللرس المفكر والسياسي والمؤلف الألماني الشهير. يذهب موللر إلي أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001 قد خلقت وهم صدام الحضارات بين الطرفين( العالم الغربي والعالم العربي), وقد كان هذا الانطباع في حقيقية الأمر خاطئا.... لماذا؟ لأن بن لادن لم يكن يمثل العالم العربي, فعندما يعجب الكثير من العرب بما يبدو أنه شجاعة في تحدي القوة العظمي, فإنهم كانوا غير متحمسين لقراءته للقرآن الكريم, ونظرته للدولة والمجتمع الإسلاميين. فنظام طالبان المتخلق الذي أطراه بن لادن ليس له جاذبية بين الشباب العرب الذين يرغبون في مستقبل أفضل وبطريقة مماثلة كان موللر ينظر للغرب لاسيما في زمن جورج بوش وحروبه في العالمين العربي والإسلامي, فإنه في حقيقة القصة لم يكن يمثل كل الاتجاهات الفكرية أو الحضارية الغربية... ما الذي يمكن للمرء أن يستنتجه من مثل هذه المقاربة؟ نكتشف بكل تأكيد وتحديد أننا أمام مجموعتين محددتين جدا من العوامل التي تتصادم, وليس هو صدام الحضارات التي ننتمي إليها, وعليه فإن تعايش الحضارات ممكن جدا بل وحتي مرغوب فيه, فكلنا نبحث عن طرق ووسائل لاكتشاف الطريقة الصحيحة للعيش علي هذا الكوكب المزدحم, وجميعنا يريد السلام وذلك لتعزيز الفرص من أجل الاستمتاع بحيواتنا, و العيش بحرية. هل القوة ومضاعفاتها هي الوجه المادي المتدني لصراع الثقافات؟ ربما يكون كذلك بالفعل, وهناك ما يلفت إليه موللر وهو علي درجة عالية من الأهمية, ونقصد به تحكم التفكير زالمانويس( نسبة إلي مذهب ماني الذي كان يقسم العالم بين إله الخير وإله الشر) في العقلية الأمريكية..,. هل هذا تفكير جديد علي أمريكا والأمريكيين؟ الثابت أنه بعد ساعات قليلة من أحداث نيويوركوواشنطن وقف جورج بوش الابن موقفا جديا وقسم العالم تقسيما مانويا بين الأشرار والأخيار, وكأنه كان يقول بين العرب والغرب, أو بين الصليبيين والإسلاميين, والمثير أن هذا التفكير لم يكن وليد اللحظة ذلك أن المانوية تضرب بجذورها عميقا في الثقافة السياسية الأمريكية وفي تاريخها. لقد وضع مؤسسو الولاياتالمتحدة وعيهم الجماعي مقابل أوروبا المفتقرة للتسامح, والرجعية, والملكية, والتي مزقها الاضطهاد الديني والحروب الداخلية, باعتبار أن أمريكا هي القدس الجديدة في وسط عالم من الأشرار. هل من طريق لوقف الصدام والبحث عن طرائق للوئام؟ لا تبدو الساحة الدولية ومن أسف شديد مقبلة علي هذا الطريق, فالذين يملكون القوة ينزعون بها أحيانا كثيرة في طريق الفاشية الإمبراطورية والتي تتخذ الآن من حديث الاستدارة نحو آسيا مسلكا لقطع الطريق علي الصعود الحضاري الآسيوي علي سبيل المثال, ويعني هذا أن الصراع ليس موجها إلي العرب والمسلمين فحسب, بل هناك دوائر عدة مرشحة للتصادم في قادمات الأيام, هناك الدائرة المسيحية الارثوذكسية في العالم السلافي, لاسيما في روسيا واليونان وبعض الدول في أوروبا الشرقية مثل بلغاريا ورومانيا, وهذا يبين أن الصراع ليس إسلاميا شرقيا في مواجهة مسيحية غربية بالمطلق, أضف إلي ذلك دائرة الثقافات الهندوسية لاسيما في الهند, والرؤي والموروثات اليابانية بتراثياتها وأديانها, أضف إلي ذلك الإطار الحضاري والديني للثقافة الكونفوشيوسية للصين ومحيطها الجنوب آسيوي. والمثير أن هنتنجتون لم يقل لنا بشكل حاسم إلي أي دائرة حضارية تنتمي دول أمريكا اللاتينية, وهل هي مستقلة ثقافيا, وإن كانت مسيحية الديانة, أم أنها تدور في فلك الثقافة المسيحية الغربية بما يقارب بينها وبين أوروبا وأمريكا. أخشي ما يخشاه المرء في هذه الأيام أن يكون العالم مقبلا علي حقبة جديدة من تلك الصراعات والتي تتبلور علي الأرض في هيئة وشكل حروب, بعضها تقرع أجراسه في الأيام الأخيرة, في حين أن الصولات والجولات الأخطر ربما تكون بعد في الطريق طالما لا يوجد مشروع لتعايش الثقافات ولطالما رغبت واشنطن في فكر القيادة المنفردة التي وصلت إلي قمة التاريخ الإنساني كما قرر فوكوياما أيضا منفردا. لمزيد من مقالات اميل أمين