منذ زيارة الوفد العربي بقيادة الفريق محمدمصطفيالدابي إلي سوريا في ديسمبر2011, وما تبعها من شكوك وجدل بين أعضاء اللجنة نفسها, أصبح واضحا أن الأزمة السورية تتجه نحو التدويل, خاصة بعد تعيين كوفي عنان, وبعده الأخضر الإبراهيمي وهي عادة عربية لها جذورها في الماضي السحيق, ولكنها منذ عقدين عادت لتظهر من جديد, حتي إننا صرنا نري أن لا حل لأي مشكلة تواجهنا إلا بتدخل دولي. فقوات التحالف, بمشاركة عربية, هي التي راهنا عليها لتحرير الكويت وكذلك فعلت, وقوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعد الحادي عشر من سبتمبر هي التي رأي فيها العالم, وكنا معه وإن لم نشارك بشكل مباشر, حلا للقضاء علي إمارة الإرهاب والظلامية, كما سميت في ذلك الوقت, وقوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية, وبحجة واهية أثبتت كل الوقائع والدلائل عدم صحتها, هي التي احتلت العراق في2003 ثم بررت فعلتها تلك بإسقاط نظام صدام, وهي تلك القوات وإن بدرجة أقل هي التي تحركت من خلال الناتو فأسقطت نظام الزعيم الراحل معمر القذافي, وبدعوة مباركة من جامعة الدول العربية, وهي نفس الجامعة التي يؤيد معظم أعضائها الضربة الأمريكية لسوريا علي اعتبار أنها الحل للقضاء علي قوة النظام في مواجهته لمعارضة, تحظي بدعم إقليمي ووجود عناصر إرهابية من عدة جنسيات. هذه حالنا في التعامل مع مفهوم الدولة القطرية, بعد أن تخلينا أو أجبرنا علي التخلي عن صيغة الجمع التي راهنا عليها لعقود, والصورة اليوم تبدو علي غير ما كنا نسعي إليه أو ما كان يحلم به المناضلون القدامي, فها هي معظم أزماتنا الكبري تدار من طرف الآخرين, لذلك لم يكن غريبا هرولتنا نحو الأممالمتحدة, ولولا الفيتو الروسي الصيني المزدوج لقسمت سوريا منذ ثلاث سنوات. هناك اعتقاد سائد, وفي ذلك خدمة لعدة أطراف, هذا الاعتقاد مفاده: إن إنهاء سوريا وإبعادها من حلبة الصراع يحقق مصلحة إسرائيلية لجهة أن إخراج دمشق من دول المواجهة ودول المقاومة, ينهي بالتبعية خطر المقاومة في لبنان, وكلما زالت المخاطر عن إسرائيل كلما حقق الغرب أهدافه, وتدمير سوريايمثل أيضا مآرب شتي لبعض الدول العربية منها: أن الصراع مع إيران يبدأ من سوريا, وأن الخلاف المذهبي بين المسلمين منطقة النزاع الأكبر فيه هي سوريا, وهي أيضا, في حسابات قوي إقليمية, محطة تصادم إن سقطت ستؤول الكفة فيها للغرب علي حساب روسيا. الضربة الأمريكية لسوريا, التي تؤكد الإدارة الأمريكية علي أنها ستكون محدودة,من المتوقع أنها ستكون واسعة النطاق لن تبقي ولن تذر, ولن تتوقف إلا بإنهاء مخزون السلاح السوري بالكامل, وهي ضربة لاعلاقة لها بقتل السوريين أو بتحقيق توازن علي الأرض كما يذكر أو بالانتصار للشعب السوري, إنما هي ذات صلة مباشرة بإنهاء دور هذه الأمة تباعا واحتلالها من جديد. وهي أيضا تحقيق لما سمي الفوضي الخلاقة علي النموذج العراقي وربما تكون أوسع, ومن غير المفهوم كيف لقوي دولية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تؤدب علي حد قولها الرئيس بشار الأسد ونظامه من خلال تدمير قوته العسكرية, وبالتأكيد سيكون لمثل هذا العمل ضحايا كثر من المدنيين. ربما ستعد هذه الضربة لكونها مكشوفة وعلنية مرحلة جديدة من الصراع الدولي,وقد تنتهي إلي حرب إقليمية, لكن علي الرغم مما ستتعرض له أمريكا من الرد وضرب مصالحها, ستكون الرابح الأكبر لجهة تثبيت وجودها القوي في العالم. وإذا كان موعد الضربة المقبلة ما لم يحدث الله سبحانه وتعالي أمرا آخر قد اقترب, فإن السؤال هو: علي من سيكون الدور في المستقبل المنظور؟. الإجابة تتحدد من خلال تأملنا لخريطة الدول العربية اليوم, فمنها دول تابعة وهي تري في حماية أنظمتها هدفا أساسيا أهم من بقايا الأمة وإدارة صراعها الحضاري, بل إنها تري في الحماية الأمريكية من إخوانها العرب ومن غيرهم استراتيجية طويلة المدي, فهذه مبعدة عن الحسابات الراهنة, وخطورتها تكمن في أنها تدعم بالمال القوي الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة. ومجموعة ثانية لصغرها أولا ولمشكلاتها الداخلية المتعددة غير قادرة عن القيام بأي دور, ومجموعة ثالثة ذات كثافة سكانية ووزن أبعدت علي الصراع بالاحتلال الخارجي أو بالفتنة الداخلية.. فماذا بقي إذن؟. هناك تصنيف يقوم علي أساس المظهر العام للدولة وقوتها ومصادر دخلها ودورها المستقبلي, وهنا نجد دولا شبه مستقرة لا يعول عليها كثيرا, وهي مهادنة وعندما تشتد الخطوب وتصبح الحرب بعيدة علي أن تضع أوزارها تتحالف مع القوي الخارجية, وهناك دول أخري لا تزال تري في استقلالية قرارها وسيادتها والدفاع عن مكتسباتها أهم ما يجب الحفاظ عليه, وأقصد هنا مصر والجزائر, ذلك لأنهما الآن الدولتان اللتان تمثلان طرفي المعادلة في المنطقة العربية, لذا فإن ما بعد سوريا إن تحقق التدخل الخارجي ستكون مصر, ومن بعدها الجزائر. للتأكيد علي ذلك, لنتأمل خريطة العالم العربي اليوم دولة دولة فسنجدها إما محتلة أو خاضعة لا تملك قرارها أو تعيش فتنة داخلية,ومن هنا عليناالنظر إلي سوريا اليوم من منطلق أنها المرحلة الأخيرة في انتقال الصراع الدولي إلي مصر ومن ثم الجزائر, وسيكون أيضا من منطلق الدفاع عن الشعوب وحمايتها. هكذا علينا أن نعي جيدا ما وراء أحداث العنف المتتالية في مصر ومحاولة توريط الجيش في حرب مع المدنيين لتسهل المطالبة بالتدخل الدولي بعد ذلك, أما بالنسبة للجزائر فإنه يحضر لها سيناريو آخر ليس بعيدا عن هذا, ولكنه سيكون ذا بعد جغرافي وعرقي من خلال تحريك سكان مناطق بعينها في مساحة ممتدة, يري الغرب فيها خطرا آخر لا يقل عن اقتصادها القوي وثوراتها من النفط والغاز واليورانيوم ومعادن أخري شتي تحميها من عثرات الزمن لقرون, إن لم تتكالب عليها أمم الدنيا في أجل قريب ضمن استراتيجية عامة, تبدأ بالتدخل لحماية الشعوب لتنتهي بالاحتلال, كما هو الأمر في سوريا اليوم. كاتب وصحفي جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه