وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 فبراير الجاري علي مشروع قرار لإدانة العنف في سوريا، وجاءت الموافقة بأغلبية ساحقة وبتأييد 137 دولة (من أصل 193 دولة)، واعتراض 12 دولة من بينها روسيا والصين وإيران، فيما امتنعت 17 دولة عن التصويت . يأتي هذا، بينما يستمر التصعيد في الأزمة السورية في تأجيج المواجهات علي الساحتين الإقليمية والعالمية مع تبلور تحالف روسي صيني إيراني عراقي يقف خلف النظام السوري لحمايته من السقوط من ناحية، في مواجهة جبهة عربية / خليجية وأمريكية وأوروبية تدفع في مسار محاولة دعم انتقال سلمي للسلطة وتحقيق طموحات الشعب السوري من ناحية أخري، فيما يشير المراقبون إلي أن التطورات في سوريا من شأنها تغيير أوراق اللعبة السياسية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط إلي حد كبير. وبينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عزمها تكثيف التعاون العسكري والتقني مع دمشق في المجالات المختلفة، بما في ذلك إرسال خبراء عسكريين لمساعدة سوريا في مواجهاتها مع الانتفاضة الشعبية التي تطالب برحيل الأسد، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية والقيادة الوسطي في الشرق الأوسط، أنهما تجريان مراجعة تمهيدية للقدرات العسكرية الأمريكية استعدادا لأي سيناريو مستقبلي محتمل في المنطقة، ما أثار تكهنات بتجدد المواجهة بين روسيا والغرب علي خلفية الملف السوري . أما علي الصعيد العربي، فهناك محاولات حل الأزمة السورية في النطاق العربي ومن خلال الجامعة العربية، وفي الوقت نفسه، وقوف الدول العربية وراء مشروع القرار السعودي الذي تم توزيعه علي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول علي تأييدها لدعم خطة سلام عربية في شأن سوريا بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقد (الفيتو) في مجلس الأمن، وينص مشروع القرار الذي قدمته السعودية ووافقت عليه الجمعية العامة بأغلبية ساحقة (137 دولة) علي دعم الجمعية العامة لقرار جامعة الدول العربية الصادر في 22 يناير لتسهيل انتقال سياسي للسلطة، يقوده السوريون بما يؤدي إلي نظام سياسي ديمقراطي تعددي . الضغط العربي فيما يعد استئنافا للدور العربي في الأزمة السورية، وبعد أن أسقط في يد الجميع بعد استخدام روسيا والصين للفيتو المزدوج للحيلولة دون صدور قرار يدين أعمال القمع في سوريا ويرتب لمرحلة من نقل السلطة سلميا، قرر مجلس الجامعة العربية في ختام اجتماعه علي مستوي وزراء الخارجية بالقاهرة في 12 / 2 إنهاء مهمة بعثة المراقبين العرب في سوريا، ودعوة مجلس الأمن الدولي إلي إصدار قرار لتشكيل قوة حفظ سلام عربية أممية مشتركة للمراقبة والتحقق من تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا . وقد تباينت مواقف بعض الدول العربية نسبيا، حيث تحفظت لبنان تحفظا كاملا (اتفاقا مع موقف النأي بالنفس الذي ترفعه منذ نشوب الأزمة في سوريا) كما تحفظت الجزائر علي قرار مجلس الجامعة جزئيا، وقد تم تأجيل الخطوة التي كانت مرتقبة من مجلس الجامعة بخصوص الاعتراف العربي بالمجلس الوطني المعارض في سوريا. غير أن الجديد الذي يجدر الإشارة إليه هو الاتجاه إلي مطالبة مجلس الأمن بالموافقة علي تشكيل"قوات حفظ سلام" عربية أممية مشتركة حول سوريا، تضم مراقبين من الجامعة العربية والأممالمتحدة، ويتم تجهيزها وزيادة عددها، للإشراف علي وقف جميع أعمال العنف في جميع أنحاء الأراضي السورية . وبالرغم من قرار مجلس الجامعة بإنهاء مهمة المراقبين العرب في سوريا، فقد عاود المجلس مطالباته للنظام السوري بالوقف الفوري والشامل لكل أعمال العنف والقتل للمدنيين السوريين الأبرياء ودعوة القوات المسلحة في سوريا إلي الرفع الفوري للحصار العسكري المضروب حول الأحياء والبني السكنية والامتناع عن مداهماتها للأماكن السكنية وإعادة الجيش والآليات العسكرية إلي ثكناتها ومواقعها الأصلية وتحمل مسؤلياتها في حماية المدنيين. كما قرر المجلس وقف كل أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، ودعوة كل الدول الحريصة علي أرواح الشعب السوري إلي مواكبة الإجراءات العربية في هذا الشأن. وكما يبدو فإنه بالرغم من تأجيل خطوة الاعتراف العربي بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وبديل للنظام، وبالتالي نزع الشرعية عن نظام بشار الأسد في دمشق، فإن المعارضة السورية بات معترفا بها وبمطالبها" ضمنيا" علي الصعيد العربي، وفي الجامعة العربية، وهو ما يعني أن النظام السوري يواجه حاليا عزلة إقليمية ودولية، بينما يكسب الشعب السوري ومجلسه المعارض مؤيدين له يوما بعد يوم علي الصعيدين العربي والدولي، ومما يعكس ذلك اتجاه مجلس الجامعة العربية للتوسع في فتح قنوات الاتصال مع المعارضة السورية وتوفير كل أشكال الدعم السياسي والمادي لها (ما يشير إلي إمكانية تسليحها)، ودعوتها لتوحيد صفوفها والدخول في حوار جاد يحفظ لها تماسكها وفاعليتها . ويلاحظ أن مجلس الجامعة العربية استخدم لهجة مشددة في توجيه مطالبه للحكومة السورية وصلت إلي حد التهديد مؤكدا علي أن استخدام العنف والقوة بقسوة ضد المدنيين بما في ذلك استهداف النساء والأطفال يمكن أن يوقع النظام تحت طائلة القانون الجنائي الدولي، ويستوجب معاقبة مرتكبيه. ولمزيد من الضغط العربي علي سوريا، قرر مجلس الجامعة التشديد علي تطبيق العقوبات الاقتصادية ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري ما عدا ما له مساس مباشر بالمواطنين السوريين، وبموجب القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة في هذا الشأن وطالب المجلس الأمين العام للجامعة العربية تسمية المبعوث الخاص لمتابعة العملية السياسية في سوريا والمقترحة في إطار المبادرة العربية، وقد تم بالفعل اختيار عبد الإله الخطيب وزير خارجية الأردن الأسبق لهذه المهمة، وللخطيب سمعة ممتازة في إنجاح الكثير من المهمات السابقة، وله علاقات قوية وصداقات مع صناع القرار في باريس ولندن وواشنطنوموسكو ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع، وكانت له سابقة ناجحة في إقناع المسئولين في ليبيا بالسماح لفرق الإغاثة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين في مناطق المنازعات، غير أن الخطيب عاد واعتذر عن المهمة مبررا ذلك بما أسماه"عدم وضوح الأمور" ! ويبدو أن الجانب العربي يركز في المرحلة الحالية علي المزاوجة بين الضغط في النطاق العربي، وفي الوقت نفسه الاستعانة بالدور الخارجي دعما لقيام المجتمع الدولي بدوره في الأزمة السورية، وقد تبدي ذلك عبر عدة مؤشرات منها : 1- الترحيب بدعوة تونس لاستضافة مؤتمر (أصدقاء سوريا) الذي دعت إليه الدول الأوروبية، والمقرر عقده في 24 من شهر فبراير الجاري، مع التأكيد علي مشاركة الدول العربية في المؤتمر . 2- قرار مجلس الجامعة بفتح المجال أمام منظمات الإغاثة العربية والدولية مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود لتمكينها من إدخال مواد الإغاثة الإنسانية للمواطنين السوريين، مع تحميل النظام السوري المسئولية القانونية في حالة منع او تعويق وصول الخدمات الإنسانية والمعونات لمستحقيها، ودعوة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسئولياته في هذا الشأن . 3- طالب مجلس الجامعة العربية منظمة التعاون الإسلامي للمشاركة في تحمل مسئولياتها الدولية في محاولة حل الأزمة السورية . 4- الاتجاه إلي مطالبة الأممالمتحدة بإعادة طرح الأزمة السورية علي مجلس الأمن الدولي . إقليميا .. وعالميا وإزاء التطورات الراهنة في سوريا، يمكن طرح الملاحظات التالية : 1- جاءت موافقة الجمعية العامة علي مشروع القرار العربي بإدانة العنف في سوريا كخطوة لممارسة الضغط علي النظام السوري لدفعه لوقف العنف ضد السوريين المدنيين العزل، حيث يطالب مشروع القرار الحكومة السورية بوقف هجماتها علي المدنيين، ودعم المبادرة العربية لحل الأزمة السورية خاصة بنود القرار الصادر في يناير الماضي والداعي إلي تسهيل عملية انتقال سياسي للسلطة في سوريا، حسب جدول زمني محدد، كذلك يدعو القرار الأمين العام للأمم المتحدة إلي تعيين مبعوث خاص له في سوريا. وهنا لابد من ملاحظة أن التصويت في الجمعية العامة بخصوص سوريا جاء بمثابة (ضربة معنوية) للنظام السوري، من خلال قرار (غير ملزم) ولا يغير من واقع الأحداث، بل يعتبره البعض دليلا علي (ضعف) المنظمة العالمية وعدم قدرتها علي اتخاذ قرار ملزم يوقف إراقة الدماء في سوريا، ومجرد خطوة تسبق أو تمهد لاجتماعات مؤتمر (أصدقاء الشعب السوري) المزمع عقده في تونس في 24 فبراير، والمتوقع أن يبحث إمكانات تسليح المعارضة السورية، وإنشاء ممرات آمنة لتوفير المعونات الإنسانية للسوريين . 2 - يبدو أن هناك رغبة أوروبية وأمريكية معلنة وواضحة في قيام الدور العربي بمهمات رئيسية في تسوية الأزمة السورية، مع الدعم الكامل للمبادرة العربية وجهود الجامعة العربية في هذا الصدد، حيث أكدت الممثلة العليا للشئون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون أن التكتل الأوروبي يريد أن تتصدر الجامعة العربية المشهد، علما بأن ذلك لا يتعارض مع الاستمرار في الاتصالات مع الخليجيين والولاياتالمتحدة وتركيا لتحديد ملامح ما أطلق عليه" مجموعة أصدقاء الشعب السوري" ودورها في الخطوات المرتقبة حول الأزمة السورية . وفي السياق، فقد تمكنت تركيا من بلورة ما يعتبر تفاهمات مشتركة حول سوريا مع الولاياتالمتحدة، وقد تبدي ذلك في مباحثات وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وقد اتفقا علي إمكانية تأسيس منطقة حظر طيران فوق سوريا، وتقديم مساعدات تكنولوجية واستخباراتية للمعارضة السورية، وإرسال مساعدات إنسانية للسوريين. وذكرت مصادر رسمية أمريكية أن اتفاقا تركيا أمريكيا غطي موضوعات منها تأسيس قاعدة صاروخية أمريكية في تركيا، وأضافت هذه المصادر أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يري أن عدم إسقاط الأسد سيكون خطرا عليه" شخصيا" لأن نجاح الأسد في قهر المعارضة واستمراره في الحكم، سيعني أنه سيعمد للانتقام من تركيا ومن أردوغان، كما أن الأسد قد يتخذ مواقف واجراءات تمثل ضررا كبيرا علي الاقتصاد التركي . 3- أبدت عدة دوائر عربية وغربية تشككها في إمكانية مشاركة دول غربية في قوات حفظ السلام المشتركة التي اقترحها مجلس الجامعة العربية، وأكد مدير مركز بروكينجز في الدوحة سلمان الشيخ أنه من غير المؤكد العثور علي دول لديها الاستعداد لإرسال قوات تعمل في الخارج، خاصة أن اتمام ذلك أصلا يتطلب أولا تحقيق وقف كامل لإطلاق النار علي الأرض، وموافقة الدولة المضيفة علي استقبال هذه القوات، وهو المستبعد من جانب السوريين ونظام الأسد تماما . 4 - أنه بالنسبة لتسليح المعارضة السورية، ومدها بالدعم المادي والعسكري، فإنها عملية خطرة، وعواقبها يمكن أن تأتي بنتائج عكسية ليزداد الموقف الأمني في سوريا تدهورا. حلفاء النظام هناك شواهد علي أن النظام السوري هو الذي سعي بنفسه للمضي قدما في اتجاه زيادة التدخل الخارجي في الأزمة السورية، وفصول المواجهة بين السلطة والشعب المنتفض والمطالب بالتغيير السياسي، طالما أن نظام الأسد يضمن تأييد حلفائه ليس فقط علي الصعيد السياسي، وإنما أيضا علي المستوي المادي والعسكري . وطبقا لما اتخذه النظام السوري من اجراءات وردود فعله علي المظاهرات الغاضبة، فقد سعي لإقناع الجميع في البدايات بأنه يسير في طريق الإصلاحات السياسية التدريجية حتي وهو يوجه أعنف الضربات للمتظاهرين المدنيين . وعندما اتسع نطاق الثورة السورية، وبالغ النظام في مواجهتها بعنف بالغ، وسالت الدماء مدرارا، بات واضحا أن نظام الأسد انتهج الأسلوب الأمني كحل"وحيد" للأزمة السورية استنادا إلي تأييد حلفاء له يراهنون علي بقاء النظام بأي ثمن . وفي محاولات شبه يائسة، وفي وقت متأخر للغاية، أعلنت السلطات في سوريا أنه سيجري الاستفتاء علي دستور جديد في 26 فبراير الحالي، وأن الدستور يتضمن للمرة الأولي إلغاء للمادة الثامنة التي تنص علي قيادة حزب البعث للمجتمع والدولة، وينص كذلك علي نظام سياسي للدولة يقوم علي مبدأ التعددية السياسية، وهي المطالب الإصلاحية التي كانت مطلوبة من جانب النشطاء والمعارضة السورية في مرحلة ما قبل المطالبة برحيل الأسد، ويؤكد الرئيس السوري حسب رؤيته أن سوريا قد قطعت الشوط الأهم لوضع البلاد علي طريق بناء بنية قانونية ودستورية جديدة عبر ما أقره من إصلاحات وقوانين تمت إضافتها للدستور، غير أن المعارضة السياسية والشارع المنتفض يطالب أن الأسد نفسه بالرحيل، بعد أن استخدم الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين، واستعان بحلفائه إقليميا وعالميا ضد شعبه . وتأتي روسيا، التي استخدمت الفيتو في مجلس الأمن لمنع إدانة سوريا، في مقدمة حلفاء النظام السوري، حيث ضاعف الحليف الروسي من دعمه وتأكيده علي الوقوف بجانب نظام الأسد بكل الوسائل الممكنة، وبعد الثورة الغاضبة التي شنتها العواصمالغربية علي روسيا بسبب استخدامها للفيتو في مجلس الأمن، فقد صرحت وزارة الدفاع الروسية بأن موسكو قررت رفع مستوي التعاون العسكري مع سوريا، بما في ذلك إرسال الخبراء العسكريين، وتكثيف وجودهم في مواقع ومنشآت عسكرية مختلفة، مع التأكيد الصريح بأن سوريا ذات أهمية مستقبلية كبري بالنسبة لروسيا . وقال نائب وزير الدفاع الروسي اناتولي انتونوف" إن الوضع المتقلب في الشرق الأوسط يجعل قيادة المؤسسة العسكرية الروسية تراقب أية تحركات دولية حول سوريا، ومتابعة الخطوات في هذا الصدد بصورة دقيقة" . يأتي ذلك مع أنباء تؤكد وصول قوات روسية خاصة نقلت إلي سوريا بصورة سرية، كما توقع مراقبون أن تكون شحنات من الذخيرة الروسية قد وصلت إلي سوريا بالمواكبة مع الخبراء والعسكريين الروس الذين قدموا بهدف حماية ودعم النظام السوري، ومنعه من السقوط، مع تأكيد موسكو علي تزويد سوريا بمقاتلات حديثة من طراز" ميغ"، وأنظمة صاروخية من طراز" بوك ام واحد" . وفي نطاق الدعم الروسي، قامت الاستخبارات الروسية بتسليم سوريا صورا التقطتها بالأقمار الاصطناعية لمناطق تمركز المعارضين السوريين، والمساعدة في دعم المواقع العسكرية السورية تحسبا لاحتمالات الفترة القادمة . بالإضافة إلي ذلك، ذكرت مصادر غربية أن موسكو تخطط حاليا لإحياء نشاط محطة تجسس سورية كانت تعمل في العهد السوفييتي السابق في منطقة جبل" قاسيون"، لإعادة تأهيلها وتطويرها بهدف رصد التحركات الغربية المحتملة في المنطقة، ما أثار تكهنات بأن روسيا بصدد مواجهة الغرب علي الأراضي السورية، ردا علي اتجاه الغرب نحو محاصرة روسيا عبر مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية وصولا إلي تركيا . أما الحليف الإيراني، ووفقا لبعض الوثائق فقد تردد أن طهران قامت مؤخرا بدعم الرئيس بشار الأسد بأكثر من مليار دولار، بهدف التعويض عن المقاطعة العربية والعالمية للنظام، وعلي حسب معلومات تم الوصول إليها بصورة سرية لوثائق بعض كبار المسئولين السوريين، تم الكشف عن خطابات تؤكد شراء إيران لمنتجات سورية، وفتح مطارات إيران لمواجهة إغلاق مطارات الخليج أمام الطيران السوري . مخاطر محققة 1- تبدو تطورات الداخل السوري من أكثر المخاطر التي تواجه الثورة السورية، وربما مستقبل البلاد بوجه عام، فالرئيس بشار الأسد لا يبدي حتي الآن أية بادرة حقيقية لوقف نزيف الدماء في سوريا، وتؤكد مصادر الأممالمتحدة أن الضحايا يصل عددهم حتي الآن إلي حوالي 5 آلاف قتيل، ويزداد الأمر خطورة عندما نعرف أنه تم تسليح بضعة آلاف من الشبيحة أو حراس الطائفة من العلويين، مع فتح باب التطوع لمتطوعين جدد من الموالين للنظام، ويتم منحهم الأموال بسخاء حيث يحصل الواحد منهم علي أكثر من 5000 دولار، ويتعين ملاحظة أن ظاهرة الشبيحة ليست جديدة في سوريا، وأنها سابقة علي الثورة، حيث تعّود النظام السوري علي إعداد موالين له ومدافعين عن عائلة الأسد، وتحديدا تحت إشراف ماهر الأسد . (ويذكرنا ذلك بالبلطجية الذين عينهم وأشرف عليهم أمن الدولة في مصر للقيام بالمهمات المطلوبة لتزوير الانتخابات قبل الثورة، ولقتل المتظاهرين بعد ثورة 25 يناير) . وفي حالة سوريا، فقد زاد عدد الشبيحة بعد الثورة، وهم أساسا من العلويين، وقد ارتكبوا عدة مجازر تحت إشراف النظام، ضد مواطنين من السنة. ويقول الكاتب كاظم حامد الربيعي إن النظام السوري قام بتسليح عدة قري علوية في سهل الغاب وفي أنحاء أخري بهدف إشعال الفتنة الطائفية، فضلا عن فرض الحصار الخانق علي الأحياء السنية المعارضة، وارتكاب المجازر البشعة، ويتردد أن بشار الأسد بصدد تطوير قاعدة علوية في اللاذقية، وإعداد قاعدة عسكرية استعدادا للأيام القادمة لإنشاء ما يطلق عليه" الدولة العلوية" واستخدام الورقة الطائفية إلي نهايتها مع الاستمرار في نشر الوهم بأن الطائفة العلوية ستنتهي في حالة سقوطه . غير أن بادرة أمل تبدت مؤخرا في خروج مظاهرات غاضبة لناشطين معارضين في ثلاث مناطق تابعة للعلويين هي (دمسرخو مشقيتا الدعتور) وهي تنادي بالحرية وتحييد الطائفة عن النظام الحاكم، وهي تتبع محافظة اللاذقية مسقط رأس الرئيس السوري، وتعد هذه المناطق من أكثر الأحياء فقرا وحرمانا اقتصاديا واجتماعيا في اللاذقية، وتردد الكثير من العائلات العلوية الفقيرة الذين فقدوا أبناءهم الذين استخدمهم الأسد : لماذا يستمرون في التضحية بأبنائهم لمصلحة عائلة فاسدة (عائلة الأسد) والتي تنهب البلاد وتوزع المغانم علي المحيطين والمتمسكين بالسلطة علي حساب دماء الشعب السوري ؟ 2 - تبدو المعارضة السورية حتي الآن علي حالها من الانقسام والخلاف، ويذكر أنه تم مؤخرا التجديد للمعارض والأستاذ الجامعي برهان غليون لرئاسة المجلس الوطني لمدة ثلاثة أشهر جديدة، ويبدو أن هناك مشكلات كبري تواجه المجلس حاليا منها ضرورة القيام بدور فاعل في مساعدة المعارضين في الداخل وهم في حاجة شديدة للمساعدة والمال والأغذية والأدوية، وهناك مشكلة علاقة المجلس مع الجيش السوري الحر، فضلا عن ضرورة السعي للحصول علي تأييد مختلف الأطراف إقليميا وعالميا، وحتي الآن لم يعترف بالمجلس إلا ليبيا كممثل شرعي وحيد لسوريا . 3-هناك توقعات بأن تتحول سوريا إلي ساحة لتدريب"الجهاديين" في الحقبة الجديدة من الصراع الدولي، حيث بدأ الجهاديون في التقاطر علي سوريا انطلاقا من الدول المجاورة، علي غرار ما هو عليه الحال في أفغانستان والعراق، تحت دعاوي دعم الشعب السوري والجيش السوري الحر الذي يتعرض لبطش وظلم وقمع نظام بشار الأسد . فمن ناحية، هناك عمليات واسعة لجمع التبرعات والمساعدات والأسلحة في العراق علي خلفية أيديولوجية، لإرسالها إلي المقاتلين في سوريا، وهناك تعاطف مع الثوار السوريين يعود إلي ارتباطات قبائلية في مناطق يسيطر عليها السنة في العراق، حيث يبحث زعماء القبائل ورجال الأنبار سبل دعم ثوار سوريا بالرجال والسلاح . من ناحية أخري، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن دعوة إلي حمل السلاح لما وصفته بالواجب علي المسلمين في كل مكان لمحاربة الأسد في إطار "الحرب المقدسة" لدعم الشعب السوري، وفي سياق ذلك، تثور مخاوف بأن تتحول مؤشرات ما يعتبره البعض حربا طائفية داخل سوريا إلي" نزاع إقليمي"، يشمل عدة دول خاصة إذا لاحظنا أيضا تصاعد وتيرة العنف في شمال لبنان بين مؤيدين للأسد، ومناوئين له . 4- علي صعيد آخر، نقلت بعض المصادر الغربية أن تنظيم" القاعدة" نقل نشاطه مؤخرا من العراق إلي سوريا، وأن تنظيم القاعدة يقف وراء تفجيرين وقعا في دمشق وحلب في ديسمبر ويناير الماضيين وأسفرا عن سقوط مايقرب من 80 شخصا، وأن التفجيرات تحمل سمات تنظيم القاعدة، وكان الظواهري قد أعلن تأييده للمعارضة المسلحة في سوريا ودعا مقاتليه للانتقال إلي هناك . 5 - بعد فشل مجلس الأمن (حتي الآن) علي الأقل في محاسبة النظام السوري علي ما يرتكبه ضد شعبه، بدأ المجتمع الدولي في السير باتجاه التمهيد للمحاسبة الجنائية، حيث طالبت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بتحويل الملف السوري إلي" المحكمة الجنائية الدولية" بلاهاي علي اعتبار أنه من المرجح أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية، ويأتي ذلك في ظل معلومات جري توثيقها علي أن 5400 شخص قد سقطوا قتلي حتي الآن، كما تم قتل ما يقرب من 400 طفل، واعتقال عشرات الآلاف بينهم أطفال، ولايزال نحو 18 ألفا محتجزين تعسفيا، وهناك توقعات بنحو 70 ألف نازح داخل الأراضي السورية، وهناك تسجيلات وصور منشورة عن عمليات تعذيب لأطفال دون 15 سنة، في الوقت نفسه أعلن وزير الخارجية البريطاني وليم هيج أن بريطانيا تعتزم إرسال خبراء إلي المنطقة، لمشاركة عدد من المنظمات غير الحكومية، وذلك بهدف جمع الأدلة والوثائق والشهادات التي تثبت قيام النظام السوري بانتهاكات لحقوق الإنسان تمهيدا لتقديمها إلي جهات التحقيق الدولية . من ناحية أخري، ذكر شهود عيان سوريون وناشطون ميدانيا أنه تم العثور علي مفرغات لبعض الأسلحة التي تشير إلي أنها كيميائية أو جرثومية، وأن هناك احتمالات كبيرة أن يكون النظام استخدمها ضد المحتجين، في الوقت نفسه، نفت روسيا نفيا قاطعا المعلومات التي تحدثت عن أن القوات السورية قد تكون قد استخدمت بمساعدة خبراء روسيين أسلحة كيميائية ضد المعارضة، غير أن شهودا آخرين أكدوا هذه الأنباء وأنها حدثت تحديدا في مدينة حمص . 6-علي الرغم من ورود تصريحات من مسئولين أوروبيين وأمريكيين حول استبعاد التدخل العسكري المباشر في سوريا علي غرار النموذج الليبي (حتي الآن)، فإن دوائر سياسية وأمنية في الولاياتالمتحدة أعدت بالفعل تصورات مبدئية حول هذا الاحتمال، ومن ذلك الدراسة التي أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن مؤخرا، والتي جاء فيها أن التدخل العسكري في سوريا، وبقوة أمريكية عالية سيكون حتما لصالح الولاياتالمتحدة بالطبع نظرا للتفوق العسكري الأمريكي، لكن ستكون له تداعيات خطيرة بعضها معروف، وبعضها الآخر غير معروف، وتقول الدراسة إن المشكلة في سوريا أنها تمتلك سلاحا قويا للصواريخ يصل مداه إلي 500 كم مما يجعلها قادرة علي الوصول إلي تركيا وسيناء وشمال السعودية وأجزاء من العراق، وتلمح الدراسة إلي امتلاك سوريا لأنواع من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما أنه من المتوقع أن تكون روسيا قد زودت سوريا بما يدعم قدراتها الدفاعية بصواريخ متطورة مضادة للسفن يمكن أن تمثل تهديدا له باعتباره للسفن الحربية الأمريكية في حالة شن هجوم من البحر كما حدث في حالة ليبيا. ولا تعول الدراسة الأمريكية كثيرا علي قدرات (جيش سوريا الحر) نظرا لضعفه الشديد وانقسامه، وفقر تسليحه. أما فيما يتعلق بالمواجهة بين روسيا والغرب علي الساحة الروسية فتقول الدراسة إن موسكو تعلن وتؤكد أن التدخل العسكري الغربي في سوريا هو خط أحمر، وتقوم بدعم بشار الأسد خشية فقدان سوريا كما فقدت ليبيا، أما عن إيران، فتقول الدراسة إنه من المحتمل أن تسير طهران في طريق تحويل سوريا إلي عراق جديدة نظرا لنفوذها المتنامي هناك، ووقوفها بقوة وراء النظام السوري خشية سقوطه.