الحقيقة المؤكدة أنه لا يستطيع أحد أن يزايد على الدور المصري، تجاه القضية الفلسطينية. فمصر هي دولة المواجهة الاولى، وهي التي أخلصت بإيمان مطلق على مدى ثمانية عقود للقضية الفلسطينية، قدمت خلالها أكثر من 100 ألف شهيد في جولات المواجهة الأربعة مع اسرائيل، وهي - في ذات الوقت - لا تمن على أحد بما قدمته على مدى هذه السنوات من تضحيات، ومن دماء شهدائها الأبرار. لكن الأسابيع القليلة الماضية، شهدت حملات مسعورة ضد الدور المصري الكبير في القضية. هذه هي الحملات الموجهة والممنهجة تخدم بالدرجة الاولى دولة الكيان المعتدية، ولا تخدم القضية على الاطلاق. منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر2023 ، ومصر تتحرك على كل المستويات سياسيًا وإنسانيًا وأمنيًا. لم ترفع الدولة المصرية شعارات رنانة مثلما فعل البعض، ولم تدخل في مساومات، بل كانت تتحرك بعقل الدولة الثابتة الكبيرة ومسؤوليتها التاريخية. ورغم كل هذه المواقف، تتوالى المزايدات على موقف مصر – من بعض الأطراف، وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان – وكأن المطلوب من مصر أن تُزايد هي الأخرى، أو أن تتاجر بالقضية كما يفعل غيرها. منذ الأيام الأولى للعدوان، حدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي الموقف المصري بمنتهى الوضوح، في مؤتمر صحفي جمعه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. قالها صريحة: "مصر ترفض تمامًا فكرة التهجير، لأنها ببساطة تعني تصفية القضية الفلسطينية". وأضاف: إذا كانت هناك نية لتتبع عناصر إرهابية، فبإمكان إسرائيل إخلاء جزء من صحراء النقب، وليس تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو غيرها. والأهم من ذلك، أن الرئيس أرسل رسالة واضحة وصريحة: إذا تم فرض التهجير إلى سيناء، وقامت إسرائيل بقصف من تم تهجيرهم، فلن تقف مصر مكتوفة الأيدي! إنها ليست كلمات عابرة، بل إعلان موقف سيادي حاسم، من رئيس يدرك معنى أبعاد الأمن القومي ومعنى العدالة والقانون الدولي. في كلمته الأخيرة قبل يومين، وجّه الرئيس السيسي رسائل مهمة، قال فيها: "منذ 7 أكتوبر، شاركنا بشكل إيجابي مع شركائنا في قطر والولايات المتحدة من أجل 3 أهداف: إيقاف الحرب، إدخال المساعدات، الإفراج عن الرهائن." هذه الثلاثية لخصت كل التحرك المصري، الذي جاء بلا افتعال أو ضجيج، وبلا مزايدات رخيصة، وبلا استعراض إعلامي بهدف لفت الانتباه. مصر تعمل في صمت وبثبات، وسط ظروف إنسانية كارثية، من أجل إنقاذ الأرواح، والحفاظ على ما تبقى من أمل في غزة، وإعادة القضية إلى مسارها الطبيعي: حل الدولتين، لا التهجير ولا التصعيد. من يملك الجرأة على أن يزايد على دولة قدمت أكثر من 100 ألف شهيد منذ عام 1948؟ من يملك الحجة والبيان ليشكك في دولة خاضت أربع حروب، وقدّمت الأرض والدم والدبلوماسية من أجل شامل ونهائي للقضية الفلسطينية؟ مصر ليست الدولة، التي تبحث عن مشاهد البطولة أمام الكاميرات، بل دولة تتحمّل، وتدير، وتدفع الثمن.. ولديها المزيد من العطاء.. وسط هذا المشهد المعقد، يطلّ علينا التنظيم الدولي للإخوان، ومنصاته الإعلامية، بتشكيك مستمر، وصراخ متواصل، وتحريض مكشوف. لا جديد حقا .. أمام التنظيم الذي لم يقدّم شيئًا سوى صناعة الفوضى. تنظيم لا يستطيع تحمّل أن يرى مصر وقيادتها تتعامل بحكمة وقوة وندية مع أقوى دول العالم دفاعًا عن الحق الفلسطيني. فالأهم لدى هذا التنظيم الفاشي هو استغلال المأساة لتحقيق مكاسب سياسية وتنظيمية رخيصة. وجه الرئيس رسالة بالغة الأهمية حين قال: إن على الإدارة الأمريكية، وعلى الرئيس الأمريكي نفسه، أن يتدخل لوقف الحرب وإدخال المساعدات. رسالة تؤكد أن مصر لا تتحرك بأوامر، بل تطالب الكبار بالقيام بواجبهم الإنساني والسياسي. مصر لا تنتظر شكرًا من أحد، ولن تنتظر. لكنها في المقابل لن تقبل بالتشكيك، ولن تسمح بإعادة تدوير ل "حملات المزايدة" على حساب قضيتها المركزية. ومن لا يرى موقف مصر، فمشكلته ليست في عينيه، بل في ضميره المفقود، وحقده اللامحدود! مصر كانت – وستظل- الدولة التي تقف عندما يتراجع الجميع، وتتحرك عندما يصمت الآخرون. من يريد أن يخدم قضية فلسطين حقًا، فليبدأ من حيث تقف مصر.. لا من وراء ميكروفونات التشويه أو شعارات الفوضى. مصر ستظل هي محور الحل .. وبوابة المنطقة.