فى زمنٍ تراجعت فيه القضايا وتبدّلت الأولويات، تقف مصر فى مواجهة الدمار السياسى والإنسانى فى غزة، لا تزايد ولا تساوم ولا تفرّط وتتصدى لمؤامرات التهجير، وتحاور العالم شرقًا وغربًا لوقف المذبحة، وتُصر على حل الدولتين وحق الشعب الفلسطينى فى أرضه. مصر منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، وقفت بقوة «لا للتهجير»، ورفضت أن تُستخدم سيناء كحل بديل، وتصدر الصوت المصرى المشهد الدولى، ينقل رسائل إلى واشنطن وموسكو بروكسل وبكين وكل عواصم القرار، محذرًا من انفجار إقليمى إن لم تُوقف المذبحة، وإن لم تُستأنف عملية سياسية جادة تؤسس لحل الدولتين. لم يكن موقف مصر انفعاليًا أو حماسيًا، بل قائم على ثوابت استراتيجية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ورفض سياسة العقاب الجماعى، وضرورة التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح الذى ظل شريان الحياة رغم القصف والمزايدات. وتجسد الموقف بشكل واضح فى كل مناسبة، ولم تأت فرصة إلا وأكد فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مصر لن تقبل تصفية القضية، ولن تسمح بفرض حلول قسرية تتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وانطلاقاً من هذا المبدأ، لعبت مصر دور الوسيط الرئيسى فى جهود التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وساهمت فى جهود وقف إطلاق النار، والدعوة إلى منع الانزلاق إلى مواجهات تهدد استقرار المنطقة بأسرها. وبادرت مصر بدعم جهود إعادة إعمار قطاع غزة، وفتح معابرها أمام الجرحى والمساعدات الإنسانية، وأكدت مرارًا رفضها القاطع لأى مخططات لتهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم خاصة إلى سيناء، وأن الحل يجب أن يكون داخل الأراضى الفلسطينية، لا على حساب دول الجوار. لم تكن مصر يومًا وسيطًا محايدًا، بل كانت دومًا طرفًا داعمًا للحق، منحازًا إلى العدالة، ومدافعًا عن الحقوق الفلسطينية، وتحملت أعباء سياسية وأمنية واقتصادية جسيمة من أجل الحفاظ على القضية الفلسطينية حية فى الوجدان العربى والدولى. ورغم حملات التشكيك والمزايدة التى تظهر بين الحين والآخر ظلت متمسكة بثوابتها، لأن القضية الفلسطينية ليست مجالًا للمتاجرة أو الاستثمار السياسى، بل قضية مركزية تقع فى صميم أولويات الدولة المصرية ووجدان شعبها. وأثبتت مصر عبر عقود من النضال، أن التزامها تجاه فلسطين لم يكن ظرفيًا أو مشروطًا، بل نابع من قناعة راسخة بأن فلسطين قضية أمن قومى وواجب وطنى، ولا يمكن التخلى عن مناصرة القضية الفلسطينية. وتظل مصر الدولة التى تدفع الثمن دون أن تنتظر مقابلًا، وتفتح حدودها للمساعدات رغم التهديدات، وتخوض معركة سياسية شرسة فى كل المحافل، وتدافع عن الفلسطينيين من منطلق وعى عميق بأن أمن فلسطين من أمن مصر، وأن سقوط غزة لن يكون سقوطًا محليًا، بل زلزالًا يضرب استقرار المنطقة برمّتها.