متى يبزغ نور الفجر فى غزة بدلًا من أضواء الصواريخ والقنابل، وهل يولد من صبر شعب لا يُقهر، ومن وعى عالمى يتراكم، ومن أجيال تؤمن بحقها فى الحياة، ومن إرادة لا تموت حتى تحت الأنقاض، ومن دور مصرى شريف فى عالم مليء بالخداع؟ لليوم الخمسين على التوالى يموت الشعب الفلسطينى جوعا، بينما تقف سيارات المساعدات الغذائية على الجانب المصرى من معبر رفح الذى لم يغلق يوما واحدا، فى انتظار السماح لها بالدخول. ويبذل الرئيس عبدالفتاح السيسى جهودا متواصلة للتوصل من جديد الى وقف اطلاق النار وإدخال المساعدات الانسانية، ولا يترك فرصة إلا ويحاول اقتناصها من أجل إحياء القضية الفلسطينية وعدم تصفيتها، واتسمت مواقفه بالواقعية. لم تكن القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر مجرد ملف دبلوماسي، بل هى قضية وجود ومصير وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومى المصرى والكرامة العربية، ورغم ما تمرّ به مصر من تحديات داخلية وضغوط خارجية، فإنها لم تتراجع ولم تساوم ولم تتخلّ عن واجبها التاريخى. تتحمل مصر أعباءً هائلة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وتظل ثابتة على موقفها، وتقف سدًا منيعًا فى وجه محاولات التهجير والتصفية، وتتحرك بكل ثقلها الإقليمى والدولى لوقف العدوان وإنهاء الاحتلال، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. مصر لم تكن وسيطًا محايدًا، بل كانت وما زالت صوتًا للحق، ودرعًا حامية لفلسطين، لا تنكسر ولا تساوم، وتلعب دور الوسيط الرئيسى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فى غزة، وساهمت فى وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والرهائن فى الجولات السابقة. مصر أفشلت محاولات التهجير إلى سيناء، وأكدت أن القضية الفلسطينية لن تُحل إلا داخل الأراضى الفلسطينية وليس على حساب دول الجوار، وضرورة التوصل إلى حل سياسى شامل يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة. مصر تضحى منذ أكثر من سبعين عاما، وتدفع من تضحيات شعبها ثمناً فادحاً،وتعتبرها أهم محددات الأمن القومى المصري، ولم تتخلى يوماً عن التزاماتها، وعلى مدار العصور، تبنت مصر مواقف مختلفة، تتراوح بين المواجهة العسكرية والدبلوماسية والوساطة،وفى جميع الأحوال ظلت فلسطين قضية محورية فى السياسة المصرية. والمزايدة على الدور المصرى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية ليس أمراً جديداً، اعتدناه منذ سنوات دون أن ينال من المواقف الصلبة، حتى فى فترات الحروب مع إسرائيل، خرج من بين الصفوف فى الداخل والخارج من يحرض وينكر. لا نملك إلا أن نقول إن البكاء على ما فات لا يفيد، والشجب والصراخ والإدانة لن تعيد حقًا، ولن ترجع الروح من جديد فى جسد القضية الفلسطينية المسجى فى ثلاجة مشروعات التهجير،وجرائم دولة عنصرية تدوس القوانين الدولية بحذائها، ولا تحترم معاهدات أو اتفاقات، ولا تلتزم بوعود أو تعهدات، ولا تعرف إلا سياسة القوة والبطش والقتل والدماء. ويدعمها رئيس أكبر دولة فى العالم بالأسلحة الفتاكة والأفكار المجنونة، ويقف المجتمع العربى على حد السيف، معارضا إعدام القضية الفلسطينية بمشنقة التهجير وأطماع سرقة ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، حتى لا يكون هناك شيء اسمه فلسطين على وجه الأرض.