جاءت التظاهرات الحاشدة التي شهدتها مصر، عقب أداء صلاة عيد الفطر، لتجسد واحدة من أهم الرسائل السياسية والشعبية، حيث خرج الآلاف من المصريين في مختلف المحافظات للتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني، وتأييدا لعدالة قضيتهم، ورفضهم للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وتجديد تأييدهم للدور المصري في حماية الأمن القومي العربي، فهذه المظاهرات كانت رسالة مهمة لها أبعادا رمزية وسياسية عميقة، تعكس عمق الارتباط التاريخي بين الشعب المصري والقضية الفلسطينية، وتؤكد أن مصر لا تزال في طليعة المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني. لطالما كانت المناسبات الدينية الكبرى، مثل صلاة العيد، فرصة للتعبير عن المواقف الشعبية، إذ يرتبط العيد بالفرحة والتكافل الاجتماعي، لكنه هذا العام جاء ممزوجا بالغضب والحزن على ما يتعرض له الفلسطينيون من مذابح مروعة.. خروج المصريين في هذه اللحظة، بعد أداء الصلاة مباشرة، له دلالة عميقة، مفادها أن القضية الفلسطينية جزء من العقيدة والضمير الجمعي للمصريين، الذين يرون في دعمهم لفلسطين واجبا دينيا وأخلاقيا قبل أن يكون موقفا سياسيا. التكبيرات التي ارتفعت في الساحات ممزوجة بهتافات الغضب والتضامن مع أهل غزة، حملت رسالة للعالم أن المصريين رغم أعيادهم لا ينسون دماء الأبرياء التي تُسفك بلا رحمة، ولا يغفلون عن مآسي أشقائهم في فلسطين، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية بالنسبة للمصريين، بل هى قضية قومية وإنسانية متجذرة في الوعي الجمعي للمجتمع. منذ نكبة 1948، ظل المصريون يعتبرون أن الدفاع عن فلسطين جزء لا يتجزأ من الدفاع عن مصر نفسها، وقدم الجيش المصري آلاف الشهداء في سبيل القضية، ولم يكن ذلك مجرد موقف سياسي للدولة، بل هو امتداد لقناعة شعبية راسخة بأن فلسطين جزء من نسيج الأمة العربية، وأن التفريط فيها يعني التفريط في الكرامة العربية. على مدار العقود الماضية، لم تغب القضية الفلسطينية عن وعي المصريين، سواء عبر الحراك الشعبي أو المواقف السياسية، وحتى في الأزمات الداخلية التي مرت بها مصر، ظل الالتزام بدعم فلسطين حاضرا، واليوم، تأتي هذه التظاهرات لتؤكد أن الأجيال الجديدة لم تفقد بوصلتها، وأن مصر، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، لا تزال تقف إلى جانب الحق الفلسطيني، رافضة الاحتلال والعدوان. ولا يخفى على أحد حجم الدعم الذي قدمته مصر للأشقاء منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، فقد تحركت مصر بقوة على عدة أصعدة، لتؤكد أنها ليست مجرد وسيط في الصراع، بل طرف فاعل يرفض استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. منذ اللحظات الأولى للتصعيد، قادت مصر جهودا دبلوماسية مكثفة لوقف إطلاق النار، وأجرت اتصالات مع القوى الدولية والإقليمية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، كما لعبت دورا أساسيا في تقديم مبادرات للتهدئة، رغم تعنت الاحتلال واستمراره في العدوان، كذلك فتحت مصر معبر رفح أمام الجرحى الفلسطينيين، واستقبلت المستشفيات المصرية مئات المصابين، وأرسلت قوافل المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومواد إغاثية إلى القطاع، في الوقت الذي تحاصر فيه إسرائيل غزة وتحرم سكانها من أبسط مقومات الحياة. وفيما يتعلق بالتهجير القسري للفلسطينيين، كانت مصر واضحة منذ البداية في رفضها لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وهو ما أكدته القيادة السياسية في أكثر من مناسبة، باعتبار أن ذلك يمثل مخططا خطيرا لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومي المصري، ولم تقتصر التحركات المصرية على المستوى الإقليمي، بل امتدت إلى الساحة الدولية، حيث استخدمت مصر ثقلها السياسي في الأممالمتحدة والمنظمات الدولية لحشد الدعم للحقوق الفلسطينية، وإدانة الجرائم الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي. والحقيقة أن مشهد التظاهرات عقب صلاة العيد تأكيد جديد على أن الموقف المصري، شعبيا و رسميا، لا يزال ثابتا لا يتغير. فالشعب المصري، الذي خرج بعفوية ليعبر عن دعمه لفلسطين، يبعث برسالة قوية بأن مصر لن تتراجع عن دورها التاريخي، ولن تسمح بأن تمر الجرائم الإسرائيلية مرور الكرام. إن وحدة الموقف الشعبي والرسمي في مصر تمثل مصدر قوة حقيقي، حيث يدرك المصريون أن معركتهم ليست فقط مع الاحتلال الإسرائيلي، بل مع كل محاولات طمس الهوية الفلسطينية وتصفية القضية عبر سياسات القمع والقتل والتهجير. واليوم، يؤكد المصريون أن فلسطين ليست وحدها، وأن غزة، التي تقف بشجاعة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، تجد في مصر سندا ودعما لا يتزعزع. لذلك أرى أن التظاهرات جاءت لتجدد العهد بين المصريين وفلسطين، ولتؤكد أن الأعياد لا تُنسينا واجبنا تجاه القضايا العادلة، فمصر، التي كانت دائمًا في طليعة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، ستظل على هذا العهد، بشعبها وقيادتها، مدركة أن أمنها القومي يبدأ من حماية فلسطين، وأن العدوان على غزة هو عدوان على الضمير الإنساني كله.. وأن فلسطين ستبقى حية في وجدانهم، وأن مصر ستظل الدرع الحامي لأشقائها، حاملة راية العدل والحق في وجه الظلم والطغيان. والشعب المصري بجميع أطيافه يصطف خلف القيادة السياسية ويدعم موقف الدولة الرسمي بدعم القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ويؤيد المصريون أي قرارات أو تدابير تتخذها الدولة في هذا الشأن