أكد علماء الأزهر, وأعضاء هيئة كبار العلماء, أن الاعتداء علي الكنائس بالحرق أو الهدم أو تفجيرها أو قتل من فيها حرام شرعا. وأن الشريعة الإسلامية أوجبت علي المسلمين حماية الكنائس كحماية المسجد, وأمرت بالمحافظة علي خمسة أشياء أجمعت كل الملل علي وجوب المحافظة عليها, وهي: الأديان, والنفس, والعقل, والأعراض, والأموال, وهي المقاصد الشرعية الخمسة, وأن القرآن الكريم جعل الجهاد لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالي لهم في الأرض سببا في حفظ دور العبادة من الهدم, وضمانا لأمنها وسلامة أصحابها, وذلك في قوله تعالي: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. وطالبوا الجميع بالنظر إلي ما ورد في وثيقة الأزهر حول حرية العبادة, والتي نصت علي وجوب الحرص التام علي صيانة كرامة الأمة والحفاظ علي عزتها الوطنية, وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث. ويقول الدكتور عباس شومان عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف, إن الشريعة الإسلامية نهت عن التعدي علي دور العبادة لغير المسلمين, وكذلك تدين الشريعة وتوجب عقاب من يعتدي علي دور العبادة من المساجد والكنائس, وتخريب الممتلكات العامة والخاصة واستخدام القوة المفرطة, وأن الصائل أو المعتدي يكتفي فيه بما يدفع شره دون زيادة وعلي الجميع تغليب صوت الحكمة والعقل, فلا تستخدم الدولة من القوة إلا ما يلزم لضبط الأمن دون زيادة, ولا يتجاوز الناس حتي التعبير السلمي عن الرأي. مرفوض دينيا وأخلاقيا واستنكر الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق, ما وصفه بالعمل الإجرامي الذي استهدف الكنائس في صعيد مصر, وقال إن الاعتداء علي دور العبادة سواء للمسلمين أو أهل الكتاب مرفوض دينيا وأخلاقيا, لأن الاعتداء علي أهل الكتاب حرام شرعا مصداقا لقولة تعالي لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين, فالمسلم عليه أن يمد يد العون لأخيه المسيحي وفقا لتعاليم الإسلام. ويؤكد الدكتور حمد الله الصفتي, الأستاذ بجامعة الأزهر, وعضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر, أن حرق أماكن العبادة سواء كنائس أو ممتلكات عامة أو مساجد, لا يجوز شرعا, ولا يجوز الاعتداء علي أي إنسان طالما لم يخرج علي حد الشرع أو القانون, وفي ذلك يقول الإمام الشعراني( الصوفي الكبير) أخذ علينا العهد ألا نمكن أحدا من أصحابنا أن يؤذي أحدا من أهل الذمة فضلا عن المسلمين والمجتمع المصري كمجتمع مسلم فألا يحدث بينهما قتال, وإذا حدث هذا القتال فهو من جراء المصالح الفردية التي يقدمها الفرد علي مصالح الوطن, فهي تعود علي الناس بالخراب, لأن كل ما يحدث الآن هو صراع علي مصالح دنيوية, مشيرا إلي أنه لم يحدث في أي عصر من العصور السابقة أن اعتدي المسلمين علي كنائس أو مساجد سواء بالضرب أو الحرق لأن النصاري في ذمة نبيهم, لا يغفرون ذمة النبي صلي الله عليه وسلم- ولا يضيعونها, وأضاف قائلا: الآفات الاجتماعية من الشقاق والافتراق والاقتتال تأتي بسبب فقدان المجتمع لقيمة الأخوة الإنسانية, فكل مواطن ينظر إلي الآخر بعين العداء والنزاع, وليس من منظور الأخوة, وذلك لأن النظرة الفردية وما يتبعها من شهوة السلطة وحب الاستئثار تقطع أوصال المجتمع, وتفرق بين القلوب فيغدو المجتمع ليس فيه فكرة جامعة, ولا مبدأ متحدا, وأكد الدكتور حمد الله الصفتي أن الخلاف السياسي والمذهبي بين أبناء الوطن الواحد ليس مسوغا لإزهاق الأرواح, وهدم الممتلكات أو حرق دور العبادة أو هدم بنيان الله, وعلينا أن نحذر الفتنة والسقوط فيها, لأن مصر ليست من الأراضي الخصبة التي تستوعب الفتنة, ولكن بفضل الله تعالي يتم وأد الفتنة قبل أن تولد, لأن الله تعالي حمي مصر وسيظل يحفظها دائما من مثل هذا الانشقاق, وعلينا أن نكون مثل الجسد الواحد في البلد الواحد. من جانبه, قال الدكتور محمد الأمير أبوزيد, عميد الدراسات العربية والإسلامية بالمنصورة, إن الأساس في التعامل مع غير المسلمين هو البر والعدل, والله تعالي يقول: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين وحذرت شريعة الإسلام من ظلم غير المسلمين, وأوجبت المحافظة عليهم والدفاع عنهم تجاه كل عدو لهم, وتجنب كل ما يؤذيهم في أنفسهم وأهليهم وأماكن عبادتهم, روي عن النبي- صلي الله عليه وسلم قال: من أذي ذميا فقد أذاني, ومن أذاني فقد أذي الله فحق التدين أو حرية الاعتقاد من أهم الحقوق, لأن الدين أحد الضروريات الخمس التي أمرت الشريعة بحفظها, فالإسلام يترك لغير المسلمين حرية ممارسة العبادة ويدعو للمحافظة علي بيوت العبادة التي يمارسون فيها شعائرهم من كنائس وصوامع وبيع وصلوات ويحرم الاعتداء علي بيوت عبادتهم أو تخريبها أو هدمها, والوثائق التاريخية في وصايا الخلفاء لقادة الجيوش الإسلامية هي الدليل الملموس علي بقاء أماكن العبادات التاريخية القديمة لغير المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي, فالاعتداء علي أماكن العبادات من الأمور التي حرمتها شريعة الإسلام. ويؤكد الدكتور عبدالوارث عثمان, أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, أن الإسلام حث أتباعه علي احترام أماكن التعبد أيا كان التوجه, أو دين المتعبد, وذلك لما جاءت به شريعة الإسلام ومبادئه السمحاء التي تدعو إلي احترام الغير ومعتقداته بغض النظر عما يراه المسلم صحيحا فالكل سيعود يوما إلي الله, ويقول الله تعالي: ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون لذلك كانت حياة النبي صلي الله عليه وسلم- مثالا واضحا في احترام عقيدة الآخرين وتقدير ما هم عليه من الدين, فقد قسم الإسلام الناس إلي قسمين بالنسبة للمسلمين, القسم الأول هم الكفار والمشركين, وهؤلاء أمر الإسلام بالتبرؤ منهم ومحاربتهم حتي القضاء عليهم, أما القسم الثاني, فهم أهل الكتاب من يهود ونصاري, وجعل لهم أحكاما خاصة بهم, لا يصح للمسلم أن يتعداها, كإجازة زواج المسلم من كتابية, وأكل ذبائحهم وأطعمتهم وأشربتهم, وأن يودهم ما لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهرون علي إخراجنا من ديارنا, ومن ذلك أيضا أنه حرم الهجوم علي معتقداتهم وأماكن عبادتهم, أو حتي إقامة شعائرنا بها فضلا عن أن يقوم المسلم بهدمها. تجاوز سافر ويقول الدكتور القصبي زلط, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, إن الله عز وجل أراد هذا الاختلاف في قوله عز وجل: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة, وقوله أيضا: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين ولهذا عندما تأسست الدولة الإسلامية في المدينة كان يسكنها اليهود ووضع الرسول صلي الله عليه وسلم وثيقته الأولي التي بين فيها أن المسلم مع اليهودي أمة واحدة وهذا يبرز لنا أن الإسلام يحترم الاختلاف العقدي, ويحترم الآخر, وأيضا يظهر من نصوص الوثيقة أن سكان المدينة جميعا مسلمين وغير مسلمين يعتبرون مواطنين تحت ظل المواطنة, ومن ناحية أخري نري الإسلام يبيح لغير المسلمين أن تكون لهم معابد أو دور عبادة يتعبدون فيها علي دينهم, ولا يجوز المساس بها أو هدمها أو التعدي علي أحد من غير المسلمين بحجة اختلاف العقيدة, لأن اختلاف العقيدة لا يخلع المواطنة عن غير المسلم الذي يقيم مع المسلمين في دار واحدة أو في بلاد واحدة, ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة, وذلك حين قال: من آذي ذميا فقد آذاني فهذه جريمة كبري سواء كان علي مسلم أو غير مسلم والله عز وجل أوجب القصاص علي القاتل حتي يعرف كل قاتل أن مصيره معلق بجريمته, وقد بين الفقهاء أن من قتل غير مسلم يجب أن يقتص منه, فحرمة الدماء أوجبها الإسلام لكل إنسان وهذا هو الرأي الذي اعتمده كثير من الفقهاء.